أسماء خليل تكتب: مبدع وتاجر شنطة
أثار انتباهي فنانًا يصفه الجمهور بأنه محترم يحمل رسالة هادفة، يقوم بعمل أدوارا تخدم مجتمعه، حيث كان ضيفًا بأحد البرامج التلفزيونية، وحينما وجه إليه المذيع حديثه قائلا: منذ مدة طويلة ولم نرَ أي أعمال لحضرتك تُقدم على الشاشات، فأين أنت من ذلك المارثون الفني؟!..
فأجابه الرجل وهو يحمل غُصة في قلبه بدت على قسمات وجهه: لقد خاولتُ أن أحضر بعض الاحتفالات التي يتواجد بها المخرجون والمنتجون، وكررت المحاولة بالتقرب منهم كي يعرض علي أحد أي دور ولكن لم يحدث!..فقررتُ أن أثأر لكرامتي، ولا أطلب شيئا من أحد، ومن حينها لم يدق باب فني أحد!..
قد تشعر أنتَ في نفسك بتلك الغُصة، التي تجعلك حزينًا؛ حيث أن المبدعين هم ثروة بشرية تمتلكها كثير من الشعوب بكل أنحاء العالم، ويجب أن يتم تقدير ذلك الشخص المبتكر الذي يبدع في أي مجال كما ينبغي، وكذلك يجب عليه فقط التفرغ لإبداعه ولا يشغل باله ببيع منتجه، فعليه الغرس فقط وليس مهمته أن يحصد ويبيع بالأسواق،،
يتكرر ذلك المشهد بأن تجد كاتبًا مبدعا يؤلف كتابا أقل ما يوصف به أنه رائع من الناحية الفنية والنقدية واللغوية، ثم تُراه يحمل كتبه ويقوم بتوزيعها على المكتبات بنفسه وربما يرفض منه ذلك بعضهم، أو تجده بمعرض الكتاب ذلك الحدث العالمي، يقوم بالتدليل لكتابه بنفسه مُستجديا الزبائن محاولا بيعه للزوار، ومنهم من يشتري ومنهم من يحجم، في الحين الذي كان فيه – قديما- مجرد التقاط صورة مع الكاتب حُلمًا!..
بمرور الزمن تدنت القيمة الحقيقة لكثير من الأشياء، أو هكذا فعل الناس، فهم المتحكمون بإعلاء بعض العادات والقيم أو تهميشها،،
وحينما تتأمل محاولا التفسير لما يحدث؛ إلام يعود ذلك؟! ..هل لتدني الذوق العام فأصبح الجيد والرث يتساوى لديهم؟!..أم لكثرة قاطني العالم الذين وصلوا للمليارات، فكان منهم أعدادا كبيرة من المبدعين فتاهوا وسط الزحام؟!..أم للأزمات الاقتصادية التي أطاحت بالعالم بالآونة الأخيرة، فجعلت البشر غير مهتمين سوى بلقمة العيش؟!..
على أية حال .. إنني أرفض تمام الرفض أن يكون المُبدع “تاجر شنطة”، إنه مُفِن مرهف الحس يتأثر بما يحدث وينعكس على إبداعه، كما إنني أتمنى ألا ينجرف أي مبدع – مهما كلفه الأمر- بالتنازل عن كرامته وحمل تلك الحقيبة ودق الأبواب التي لن تُفتح إلا بعد دفع ضريبة قلة القيمة!..