قل شكوتك: « ..قيود الحرية »
المحررة: أسماء خليل
“..قيود الحرية ..لا أحد يعلم المعنى الحقيقي للحرية وبخاصة الحرية الاجتماعية، أو كيف يتم ممارستها، إلا حينما يصطدم بالواقع، وحينها يعلم الكثير ، فالأيام قادرة على أن تكون أعظم مدرسة لشرح المفاهيم”.
ما سبق هي مجرد اختلاجات في نفس “م.ك”، التي قررت الفرار من الحب دون أسباب، ولم تجد غيرنا من فاتحي الأبواب، والقلوب، استقبالًا لأوجاعها عبر البريد الإلكتروني.
“م.ك”
“في سني عمري الذى تجاوز الثلاث عقود، لم استطع التماس المعنى الحقيقي للحرية داخل أسرتي؛ فأنا “م.ك” مازلتُ عذراء رغم تجاوزي الثلاثين من سِنِي عمري ببضع سنوات، حاصلة على ليسانس آداب بالإضافة إلى ماجستير في أحد فروع المنطق، أستطيع القول أن حياتي العملية لا تفتقر إلى نجاح، بالإضافة إلى أنني أعمل كمحاضرة لحصولي على الكثير من الدورات التدريبية التي أهلتني لذلك،،
أعيشُ في كنف والديَّ اللذَيْن يشملنني بالرعاية والأمان، أبي يعمل مهندسا وأمي حاصلة على بكالوريوس تجارة، ولكنها آثرت المكوث بالمنزل لتربيتنا، وبحق لا يوجد بالعالم أم كأمي، التي تحملت أبي وسلطته الجامحة طوال سنوات من أجلنا أنا وأخوتي،،
خلا البيت من الأخوة والأخوات، فقد تزوجت أختي التي تصغرني بعامين وأختي الأخرى التي تصغرنا بالعديد من السنوات، وكذلك ريثما أتم اخويَّا تعليمهما تزوج كله منهما في طابقين بنفس منزلنا الذي نعيش به، وكل منهما مستقرا في حياته وقد رزق الله – سبحانه وتعالى – كل واحدٍ منهما على حدى بالزوجة الصالحة وكذلك الذرية،،
لم يعكر صفو حياة أبي وأمي سواي أنا، فتاة أوشكت على الخامسة والثلاثين من عمرها ولم تتزوج بعد..مشكلتي الحقيقية سيدتي هو أنني لا أحب الرجال حقا، رفضتُ كل من تقدموا لخطبتي وأنا بكامل قواي العقلية، ماذا في ذلك الأمر يدعو لانتحاب أبي وحزن أمي،،
تم إحاطتي بسباجٍ من القيل والقال، وخاصة زوجات أخوتي وعائلتهن، متعجبين من موقفي المتعصب من وجهة نظرهم، طرقت أمي باب العرافين والدجالين، وجعلتني أحتسي غصبًا مزيجًا من عصير رجل العفريت والحنظل؛ لاعتقادها أن الجن يسكنني ويجعلني أرفض كل من يتقدمون لي، مسكينة أمي بحق الله، فهي لا تعلم أن ما تربيتُ عليه وأنا طفلة ما يزال محفورًا بداخلي، ما تزال أنآتها ودموعها على الوسادة التي كانت تجمعني معها لم تجف بعد، ما يزال صوت أبي المرتفع وتهكمه على أمي يطرق أذني حتى الآن، رغم أن أبي هدأت عصبيته بسبب تقدمه بالعمر وإدراكه طيبة أمي ومعاني الحياة، إلا أن ما حُفر داخلي مايزال مستقرًا بعد ،،
كم كنتُ مُحاطة بهالة من الضجيج الذي مردهُ صوت أبي وأعمامي وهم ينهرون زوجاتهم، وقد كانت جدتي لأبي- رحمة الله عليها- تقول إن أولادها ورثوا العصبية عن جدودهم، لقد كانت رياح عاتية تدمر كل شيء الاخضر واليابس،،
كم شرحتُ لأمي ذلك، وأنني لا أريد الزواج ..أكره الرجل، وهي تعاتبني بحجتها التي تبدو مقنعة، وهي لماذا تزوجت أخواتي وتزوج أخوتي ولم يحذو أحدهم نفس حذوي؟!..
لا أعلم يا أمي، هكذا ما أكرره لها دائما، ليس بيدي ما أفعله أو أنتهجه من سلوك، إنني أشعر بالقيود التي تُسلسلني في الروحة والمجيء، كل ما يراني في ذلك المنزل الذي يعج بالأشخاص، وما برح الجميع يسألني: إلى متى ستظلين هكذا ولا تتزوجين بعد؟!..إنني أعيش بالجامعة حياة سعيدة، وأحلم بأن أكمل الدراسة لأحصل على الدكتوراة، وكذلك لا يوصف مقدار بهجتي أثناء تواجدي مع الطلاب وأنا أحاضر ، فتلك أسعد أوقات حياتي،،
ولكن بالمقابل تكون أثقل أوقات تمر عليَّ بعمري، حين يتقدم لي أحد الخطاب وأراه قابعا بحجرة الصالون، أرفض ثم أرفض، لماذا لا تتركني أسرتي على حريتي، لأعيشها كما أريد؟!..لماذا تُغلف الحرية دوما بثوبٍ من المعدن القوي الذي لا يسمح بالفكاك منه،،
تكمن مشكلتي تحديدا في تلك الأيام بتقدم عريس لي، يعمل أخصائي تحاليل طبية وميسور الحال لديه شقة وسيارة، يبلغ من العمر ستة وثلاثين عامًا، يريدني كما أنا ويقول إنه رآني وأحبني، وحينما سمعت الخبر أغشي علي، وتأجج الأمر بتهديد أمي لي، بأنني إذ لم أوافق فسوف تغضب علي!..
ماذا أفعل بحق اللي سيدتي ؟!..
عزيزتي “م.ك” كان الله بالعون..
هناك أمور بالحياة يقوم بفعلها الإنسان بالفطرة، ومن يخالف ذلك ينافي الفطرة والطبيعة التي جبل الله- سبحانه وتعالى- عليها البشر، فكون أحد البشر لا يرغب بالزواج أو يُضرب عنه فسيكون شاذا في مجتمعه خارج عن سِرب القطيع،،
لا شك عزيزتي أن الزواج نصف الدين، وأن الإنسان بزواجه من الآخر يُثاب من الله جل وعلا، من أجل أنه يعف الشريك عن الوقوع بالخطيئة، وكذلك يساعد غيره بإعطاء ولو سويعات من وقته لإفشاء الحب والسلام لأهل الشريك، وأيضًا رعاية وتربية أجيال هم النشء الذي يبني المجتمع،والثروة البشرية للأوطان،،
ماذا عسانا أن نفعل إذا أضرب الجميع عن الزواج؟!..ستنقرض البشرية، وسننافي سنة الله تعالى في الكون، وكذلك سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – حينما قال“تكاثروا تناسلوا فإني مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامة”،،
ورغم كل ذلك “هناك مَن لا يصلحون للزواج”..فذلك الشخص المُدلل الذي جاوز الثلاثين من عمره، وليس بإمكانه الاعتماد على نفسه، وماتزال حصيلة ما يدخره بالحياة هو مصروفه من أبيه وأمه، فهو لا يصلح للزواج إلا حينما تزول العلة باعتماده على نفسه، وتلك الفتاة التي لم تكمل تعليمها برغبتها ولا تستطيع عمل أي من أعمال المنزل، سيئة الخلق ولا تتحمل أي شيء، تلك لن ينصلح أمرها إلا حينما تحاول وتحاول لتعديل سلوكها..والأمثلة كثير،،
ولكن عزيزتي، وضعكِ أنتِ مختلف، لأنكِ تصلحين للزواج، بينما أنتِ مُصابة بأحد الاعتلالات النفسية، التي ربما يكون علاجها بسيطا وليس معقدا، بمزيج من الإرشاد، إنني أرى أن هناك عقدا نفسية قد كونها مروركِ بمشكلات بيئية لأقرب الناس للفتاة، إن ما فعله أبوكِ وأعمامكِ من تصرفات طيلة حياتهم مع زوجاتهم، له عميق التأثير في نفسيتكِ المُتعبة التي دعتكِ للرؤية الحتمية لصورة كل رجل على تلك الهيئة،،
ومهما تكن الأسباب البيولوجية أو الاجتماعية التي دعت رجال عائلتكِ ليكونوا بذلك السلوك، فإننا نشجب كل تلك الأفعال، وكان عليهم الذهاب لمختصين للعلاج من تلك العصبية المُدمرة، التي ألحقت ضررا بجيلهم ومن تبعهم،،
وإذا كنا بصدد الحديث عمَّن لا يصلحون للزواج، فقد كان أولى بهؤلاء الذين لم يتحملوا مسؤولية أبنائهم أن يضربوا عن الزواج، من أجل عدم تصدير أبناء معتقلين نفسيا للمجتمعات، لا يفيدون أنفسهم ولا غيرهم،،
إنني أدعوكِ للذهاب إلى طبيب نفسي، أو أخصائي تعديل سلوك، للبدء في العلاج السلوكي، ثم تليها خطوة الموافقة على الزواج، لكي تكوني صالحة من الناحية النفسية لتربية جيل يقوم بتحمل مسؤولية أجيال متتابعة، ولا تيأسي من رحمة الله، الأهم أن تاخذي الأمور على محمل الجد، فالعلم نور، وبسؤالكِ لأهل العلم أنوارٌ وأنوار، إن لديهم مصابيح يضيؤون بها الطريق لغيرهم ..
يومًا ما ستشرق لكِ الشمس، ولكن عليكِ فقط أن تسمحي لها بالدخول،، وفقكِ الله “م.ك”.