أحمد عاطف آدم يكتب: جبر الخواطر بالفطرة

ترتيب قدري غير معد له سلفًا قد يجمعك بهم، أو بطيفهم دون أن تراهم، تأسرك مشاعرهم الجياشة وطلتهم الفضفاضة، بعد أن بصموا عليها من فيض عطائهم الطاغي، يشعون في وجهك إغداقًا بالحب – وكأنهم يجبرون خاطرك بتلقائية تعودوا عليها وتعودتهم، حتى وإن لم يقدموا لك خدمة، أو يُسدوا لك نصيحة بشكل مباشر، فإنهم يسحرونك بأريج فطرتهم الجامحة والموجهة بقوة لا إرادية.

منذ سويعات قليلة رحل عن دنيانا عالم من علماء مصر الأجلاء، هو الطبيب الفذ د. أشرف زكي، أستاذ جراحة القلب بطب القصر العيني، هذا الرجل صاحب ال ٥٥ عام والذي ألمني بشدة خبر وفاته، مثلما صدم مرضاه وأساتذته وزملاءه وأصدقاءه، لم أكن أعرفه من قبل – لكن لفت نظري هذا الأثر العتيق وتلك الحالة الخاصة من الحب والتقدير، التي تسببت في اضطراب نبض قلوب من عاصروا حياته – القصيرة زمنًا والخالدة أثرًا – ما يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، عدل القدر في حفظ الحقوق، وبأن الإخلاص في العمل والإنسانية، هي مساعي حميدة لا يغيبها الموت، بل تظل أسيرة الوجدان حتى تتلاقى الأرواح المخلصة عند مليكٍ مقتدر.

كنت اتصفح حسابي على الفيس بوك، لتأمل الزخم اليومي المختلط من الأحداث، جذب انتباهي “فيديو” شاركه أحد تلامذة د. زكي، وعرضته إحدى القنوات الفضائية الشهيرة من قبل، رصدت فيه إبداع وعبقرية أستاذ القلب الراحل، وهو يشرح لتلامذته الأطباء، مخطط بياني على سبورته، بواسطة عصا إرشادية، توضح نبضات القلب المختلفة، وبينما يتنقل الأستاذ بين مواضع الشرح على السبورة بانسيابية، كان يجسد بفمه ونفخات حنجرته الذهبية، أصوات بالغة الدقة لحالات الاعتلال والمشاكل القلبية، وكأنه قام بتسجيلها على جهاز موجات فوق صوتية ( ايكو )، ثم استعرضها بترتيب وكفاءة تعليمية منقطعة النظير.

المغفور له بإذن الله د. أشرف زكى
المغفور له بإذن الله د. أشرف زكى

تلميذة أخرى كتبت بعفوية بعض العبارات المؤثرة ضمن منشور طويل على صفحتها بالفيس بوك قالت فيه – “بعتبر نفسي محظوظة إنى ولو لجزء بسيط في فترة الجامعة كان بيشرحلى وبيقعد معانا، كان من المؤثرين في نظرتى لكل حاجة بأحد فترات حياتى، متفرد، استثنائي، صادق، مرهف، متواضع بس عارف قيمة نفسه – وبرغم كلامى دا ميجيش وميوفيش جزء من حقه، عماله أققول لنفسي ليه يارب مفيش نسخه من دماغه وعلمه معانا، ربنا يرحمه ويعفو عنه ويارب بحق كل كلمة علمها لأى طالب علم يُجازى عنها أضعاف، كان نفسي يعيش أكتر ويعلّم أكتر، بس إن شاء الله هو في مكان أفضل من هنا بكتير، رحمة الله عليه هو وكل من لم يبخل بعلم، وكل من زاده علمه تواضعاََ ومحبة”.

في النهاية نكتشف عزيزي القاريء، أن رحلات جابري الخواطر بالفطرة، مهما طالت مدتها، فهي قصيرة بالنسبة لنا – ليس لعدد السنين التي مكثوها بيننا – بل للأثر الإنساني الذي نرفض تلاشيه، وتغيب إخلاص ووفاء أصحابه بتغيبهم عنا، حيث سكنت قلوبهم قلوبنا للأبد.

اقرأ أيضا للكاتب:

أحمد عاطف آدم يكتب: النخوة لا يحتكرها الرجال

أحمد عاطف آدم يكتب: الوفاة طبيعية والأسباب أيضًا

 

زر الذهاب إلى الأعلى