ا. د. هبة جمال الدين تكتب: التقارب السعودي الإيراني: الدلالات والإشكاليات والرسائل
جاء التقارب السعودي الإيراني ليثلج قلوب العرب والمسلمين ، ويدلل علي الدخول في مرحلة جديدة من التوازنات الإقليمية والتفاعلات السياسية.
ويبرهن أن العدو ليس إيراني كما روجت أمريكا وإسرائيل التي تعتبر إيران الخطر الأهم بالنسبة لها وفقا لتقارير معهد دراسات الأمن القومي بإسرائيل منذ عام ٢٠١٩، وأنه رغم فزاعة قرب اكتمال المشروع النووي الإيراني بعد تخصيب ٨٤ في المئة للمواد المستخدمة في تصنيع الأسلحة النووية ، وهبة مستشار الأمن القومي الامريكي جيك سوليفان وزيارة وزير الدفاع الامريكي لويد أوستن لعدد من الدول العربية الحليفة بالمنطقة، لكن السعودية وجدت أن التعاون والتقارب أهم .
وربما يكون جدوي التهديد باستخدام السلاح النووي غير ممكنة، فرغم ضراوة الحرب الروسية الأوكرانية علي سبيل المثال وتهديد بوتن باستخدامه ولكنه لم يستخدم وربما لن يستخدم، فالدمار المصاحب له يهدد من يطلقه أيضا خاصة لو كان الهدف بالجوار.
فهل يمثل التقارب ضياع للكارت الإيراني الذي تلعب به الولايات المتحدة الأمريكية تجاه علاقاتها بدول المنطقة، وابتزازها المستمر لها؟ فلم تعد إيران الفزاعة.
ولكن السؤال الأهم هل يمكن أن تقلب أمريكا التقارب عبر تكرار مسلسل ضرب ارامكو ، بطائرات مسيرة مكتوب عليها صنع في إيران مرسلة من الشمال بالقرب من مناطق تواجد القوات الإسرائيلية؟
في الواقع إن المخزون الإستراتيجي العربي لأمريكا قارب علي النضوب، في ظل صعود أسهم الصين ودورها المحمود في إنهاء خلاف ممتد استمر لعشرات السنوات الماضية، ولكي أكون منصفة علينا العودة لعام ٢٠١٦ الذي شهد إصدار الرئيس الصيني لأول ورقة سياسات عربية بعد بداية تدشين مبادرة الحزام والطريق، بين دول المنطقة، حيث كانت عقب زيارة شي جين بينج لايران والسعودية، فكتب ورقة مقترحة للتقارب السعودي الإيراني اعتبرها البعض دربا من الخيال، وطرح خلالها التعاون في مجال البني التحتية، والمجال التجاري والتمويل، وتعاون ثلاثي صيني سعودي إيراني في مجالات التكنولوجيا الرقمية والطاقة النووية والقمر الصناعي والطاقة المتجددة.
وها نحن اليوم نجد ما كتبه التنين الصيني يصبح واقعا أمام العلن، ونشهد عودة العلاقات مع اتفاقات للتعاون الأمني والاقتصادي والتجاري والاستثماري وفي مجال التقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، وبذل الجهد لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.
فالصين تعطي درسا مغايرا لأمريكا ولسكان المنطقة أن الأهمية الاقتصادية التي تمثلها المنطقة، يمكن تعظيمها بالتعاون الاقتصادي وتهدئة الصراعات بين القوي المتناحرة، لا بتأجيجها وباختلاق الأزمات ونشر سياسة فرق تسد.
ولا يخفي علي الجميع أن الصين تحصل علي ما يزيد من ٦٠ في المئة من مصادر الطاقة لديها من دول الخليج وإيران، ومد خطوط البترول من شبه الجزيرة لها، لن يتم إلا عبر الأراضي الإيرانية فالجوار الجغرافي هو تأكيد علي وحدة المصير المشترك، فأتمني أن تعي أمريكا الدرس.
كما يؤكد الدور الصيني علي رسالة مهمة مفادها بداية اهتمام الصين؛ بالشأن السياسي ، فمنذ أيام أصدرت مبادرتها لحل الأزمة الروسية الأوكرانية واليوم تنجح في حل الصراع الدائم لسنوات بين إيران والسعودية.
فهل ستنتقل الصين من التعاون الاقتصادي للعمل السياسي في ظل عالم جديد آخذ في التشكل والتبلور.
وهل يمكن أن تتدخل في صراعات أخري صعب حلها كأزمة سد النهضة في ظل استثمارات صينية مهولة في السد وعضوية مصر وأثيوبيا بمبادرة الحزام والطريق؟
واستكمالا لهذه التساؤلات لابد من طرح عدد من الإشكاليات التي تصاحب هذه الخطوة المحمودة للتقارب الإيراني السعودي:
– هل سيمهد هذا التقارب لحل عدد من الملفات العربية الدامية كأزمة اليمن خاصة في ظل ترحيب الحوثي للتقارب السعودي الإيراني علي لسان محمد عبد السلام كبير مفاوضي جماعة الحوثي اليمنية؟
كذلك الحال بشأن الأزمة السورية؛ فهل سنشهد عودة سوريا للجامعه العربية ؟وعودة العلاقات السورية السعودية والعربية السورية خاصة بعد كارثة الزلزال والدعم العربي والشعبي لها وزيارة رؤساء البرلمانيات العربية للرئيس بشار؟
– وهل يمكن أن نشهد مزيد من الدعم لوضع حزب الله وربما يمتد الأمر لحماس؟
– هل سيؤثر ذلك علي اتفاقات إبراهام التي استخدمت فيها إيران فزاعة لخداع الشعوب العربية بأن الاقتراب من إسرائيل يكفل الحماية من الخطر الإيراني ؟
– هل سيؤثر ذلك علي تحالف ميسا واستمرار التحالف الاستخباراتي ضد إيران بقيادة أمريكا وعضوية إسرائيل ؟
– ما رد فعل أمريكا في ظل تأجيج الوضع الداخلي بإيران واستمرار العقوبات الدولية عليها وفزاعة قرب اكتمال إيران للسلاح النووي؟
– هل قد نشهد تعاون إيراني سعودي في مجال الطاقة النووية كما سبقت وأشارت ورقة الرئيس الصيني شي جين بينج عام ٢٠١٦ ؟
– هل يمثل هذا التقارب بداية لتغير شكل التحالفات بالمنطقة في ظل احتمالية عالية لاستكمال دول عربية أخري للتقارب مع إيران كالكويت وعمان وربما البحرين عضوة اتفاقات ابراهام فثقل السعودية بالنسبة للبحرين قد يقلب الموازين؟
– هل سيعود مضيق هرمز للحياة وتنشط التجارة والملاحة خلاله؟
– هل يمثل التقارب التأكيد علي الدور الإقليمي والقيادي للمملكة بالمنطقه في ظل شبكة تحالفات جديدة مع القوي الإقليمية كتركيا بالأمس واليوم إيران؟
– هل هذا التقارب هو استكمال لسلسة سياسات التمرد السعودي علي المارد الأمريكي التي بدأت إرهاصاتها في مؤتمر جدة ورفض زيادة إنتاج البترول رغما عن الطلب الأمريكي ؟
– ما وضع القضيه الفلسطينيه بعد التقارب السعودي الايراني ؟ هل سيزيد الدعم في ضوء موقف اماراتي مناوئ داعم لإسرائيل الحليف الحالي لها ؟
تساؤلات كثيرة ولا أملك الإجابة عنها ولكنها ستحل قريبا بعودة العلاقات علي الأرض وتذويب الخلافات بين الشعوب التي قرر الاتفاق أن تتم عبر التعاون في مجال الثقافة والرياضة والشباب، إن شاء الله سيكون التقارب بارقة أمل لشعوب المنطقة ، وحكوماتها التي ستقع تحت مطرقة الكهل الأمريكي والغلام الصهيوني المتهور . ولكن الغلبة لأصحاب الحقوق ونحن أصحابها.
…………………………………………………………………………………………………………………………..
الكاتب: الأستاذ المساعد بمعهد التخطيط القومي وعضو جمعية الصداقه المصريه الصينيه، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية.