هاني الجمل يكتب: شي جين بينج.. ونجاح دبلوماسية طريق الحرير

دشن الرئيس الصينى شي جين بينج ولايته الثالثة كرئيس للصين، ما يجعله أطول رئيس دولة في الصين منذ تأسيسها في عام 1949 والذى انتخب رئيسًا لجمهورية الصين الشعبية بالإجماع في المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني (NPC) لعام 2023 كما تم انتخابه رئيسًا للجنة العسكرية المركزية بالإجماع.

ودشن بينج هذه الحقبة السياسية الهامة في تاريخ الصين الحديث، بإتمام الاتفاق على استئناف العلاقات السعودية الإيرانية وإعادة فتح السفارتين والممثليات الدبلوماسية، بين البلدين في غضون شهرين.

وجاء التوصل لهذا الاتفاق برعاية خاصة من الرئيس بينج وذلك من أجل تخفيف حدة التوتر بين قوتين كبيرتين يمر بهما طريق الحرير والذى تسعى الصين إلى تفعيله والوصول به إلى أبعد مدى ليس فقط من أجل التنمية الاقتصادية ولكن من أجل تدشين نظام سياسى عالمى جديد بعد أزمة جائحة كورونا والتي حققت الصين من خلالها تواجداً مميزا بين دول العالم وخاصة الدول التي يمر بها طريق الحرير هذا بجانب الحرب الروسية الأوكرانية التي كتبت آخر فصل في كتاب المنظمات الدولية التي اثبتت الحرب ضعفها في مواجهة الدول الكبرى.

وبهذه الخطوة الكبيرة حقق الرئيس الصينى نجاحا باهرا في بناء أولى لبنات دبلوماسية طريق الحرير بعد أن استطاع احتواء نظام الحكم في أفغانستان والذى يمتلك حدود بطول 90 كم في طريق الحرير والعمل على التنسيق معه وليس معادته في أن تكون التجارة الصينية في مأمن من أي خروقات قد تقوم بها الجماعات الموالية لهذا النظام ومن ثم أحدث هذا الاتفاق التاريخي بين السعودية وإيران عدة نقاط ساخنة تصدرت المشهد على هامش هذا الاتفاق أولها : جنى الرئيس الصينى ثمار عشر سنوات من السياسة الهادئة لخروج العملاق الصينى إلى قيادة العالم الجديد معلنا عن قطب عالمى جديد قادر على تقاسم قيادة العالمي مع أمريكا وروسيا ومتاخم للاتحاد الأوروبى.

ثانيهما : إحداث خللاً في خطط إسرائيل في تكوين حلف عربى سنى مناهض لإيران وهو ما ظهر جليا في سيل الاتهامات التي وجهتها المعارضة الإسرائيلية لحكومة نتنياهو ووصفها بأنها حكومة فاشية في تعاملها مع هذا الملف بيد أن هذا الاتفاق أهال التراب على حالات التطبيع المجانى التي حدثت بين إسرائيل وبعض دول الخليج والذى انعش آمال الإسرائيليين في حشد حلف سنى أمام التغول الشيعي في المنطقة إلا أن هذا الاتفاق جعله طى النسيان .

ثالثهما : خفوت نجم الهيمنة الأمريكية كشرطى للعالم والتي تراجعت بسبب السياسات المتخبطة في القضايا الدولية والمتشددة في حل الأزمة الفلسطينية ودعمها الكامل لإسرائيل دون النظر لمصالحها مع الدول العربية أو أى حساب لميزان القوى الدولية الفاعلة في المشهد السياسي فضلاً عن خروج السعودية من هذه العلاقة الكلاسيكية مع أمريكا بعد سوء التعامل معها في عدة قضايا .

رابعهما: هذه الخطوة ساهمت في تغيير مفهوم الفزاعة الإيرانية وامتلاكها للسلاح النووي والذى كانت تستخدمه أمريكا فى استنزاف موارد دول الخليج والسيطرة على أبار النفط فضلا عن إجبارهم على شراء صفقات سلاح تقدر بمليارات الدولات حتى تحميهم من هذه الغول الفارسى الكبير.

خامسهما : أن هذه الخطوة سوف تلقى بظلالها على أزمة الحوثيين في اليمن والحد من هجماتهم على الجارة السنية المملكة العربية السعودية فضلا عن إيجاد حلول قابلة للتنفيذ في الأزمة اليمنية، فالحوثين يسيطرون على ميناء الحديدة أحد أهم الموانئ في جنوب البحر الأحمر والمطل على مضيق باب المندب فضلا عن تصديرهم لأزمة “خزان صافر” هذه القنبلة الموقوتة التي قد تعرقل حركة التجارة في جنوب البحر الأحمر والمحيط الهندى، وبالتى على مسار طريق الحرير الذى تسعى الصين لإحيائه.

سادسهما: وضع هذا الاتفاق الصين محط أنظار العديد من الدول الأفريقية التي استنفذت ثرواتها الطبيعية من قبل دول الاحتلال التقليدية كملاز جديد لها والدخول معها في شراكة تحت مسمى التنمية المستدامة التي تسعي الصين إلي تصديرها لدول القارة السمراء والاستفادة من مواردها من أجل توسيع محيطها الجيوسياسي خلال الفترة القادمة.

……………………………………………………..

– الكاتب: باحث في الشئون الإقليمية والدولية.

اقرأ أيضا:

ا. د. هبة جمال الدين تكتب: التقارب السعودي الإيراني: الدلالات والإشكاليات والرسائل

زر الذهاب إلى الأعلى