محمد هاني الجمل يكتب: قراءة متأنية للاتفاق السعودي الإيراني
كيف يمكن قراءة الاتفاق السعودي الإيراني الأخير على عودة العلاقات الدبلوماسية؟ ولماذا تمت هذه الخطوة الآن تحديداً، وأهمية الدور الصيني، وماهي ملامح الخارطة السياسية في المنطقة خلال المرحلة المقبلة؟
بداية الاتفاق يعد في نظر الكثيرين، خطوة سياسية عملاقة جاءت في مصلحة الطرفين والمنطقة التي تنظر بتفاؤل حذر لما سيحمله المستقبل القريب من خطوات تترجم على الأرض بنود هذا الاتفاق سواء كان ذلك في اليمن التي دمرتها الحرب، أو في لبنان المتهالك اقتصادياً أو حتى في العراق المنهك داخلياً.
فالاتفاق الذي جاء بعد سبع سنوات من قطع العلاقات السعودية الإيرانية ” 2016″، وشهد جلسات مطولة من المفاوضات بين الجانبين في بغداد ومسقط، قد يفتح في نظر المتفائلين أبواباً أوسعَ للنظام الأمني الإقليمي. ويستند هؤلاء في تفاؤلهم إلى دخول الصين كشريك رئيسي في نسج خيوط هذا الاتفاق، وبالتالي ضمان تنفيذه خاصة من جانب إيران التي سبقَ وتصالحت مع السعودية نفسها عام 2001، وسرعانَ ما انتكست المصالحة، لأنَّها قامت على “حسن النية”.
ومن المهم في هذا السياق فهم أبعاد الدور الصيني في الوساطة بين الجانبين، بل ودخول بكين كشريك أساسي في التوصل لهذا الاتفاق. فالصين التي تحصل على نصف وارداتها البترولية من المنطقة، وتستورد مليوني برميل يومياً من السعودية وحدها، شريك تجاري رئيسي للبلدين، وبالتالي لها مصلحة كبيرة في إنهاء النزاع بينهما، والتوصل إلى أمن إقليمي يحمي مصالحها. والصين أيضاً تسعى لتأمين مشروعها الكبير المعروف باسم ” الحزام والطريق ” والذي سيمر من منطقة الخليج في اتجاه مصر وأفريقيا. وهنا يرى المراقبون أن دخول الصينِ لأول مرة في بلورة الترتيبات الأمنية في منطقة الخليج الحيوية، قد يفتح الباب لإعادة الاستقرار إلى هذه المنطقة التي شهدت من قبل تدخلات إيرانية في شؤون دولها الداخلية كما حدث ويحدث في العراق واليمن ولبنان وسوريا من خلال دعم أنصارها في هذه الدول مادياً وعسكرياً.
وقد يتساءل البعض عن المستفيد من الاتفاق السعودي الإيراني، والاجابة على ذلك تؤكد أن البلدين المعنيين سوف يستفيدان سياسياً واقتصادياً وأمنياً، رغم أن تلك الخطوة لم تلق ارتياحاً لدى إسرائيل والولايات المتحدة التي تنظر بقلق لتنامي الدور الصيني في منطقة الخليج الحيوية بالنسبة لها.
وفي ضوء ردود الفعل العربية والإسلامية والدولية المرحبة بالاتفاق السعودي الإيراني، يتطلع الجميع إلى تخفيف حدة الصراع السني الشيعي، وتهدئة الأوضاع في اليمن ولبنان والعراق وسوريا. وفي هذا السياق يتفق المراقبون على أن المحك الأساسي لنجاح هذا الاتفاق سيكون على الجبهة اليمنية، حيث الدعم الإيراني الكبير للحوثيين وما تركه هذا الدعم من آثار سيئة على الشعب اليمني.
في النهاية يمكم القول إن الاتفاق السعودي الإيراني لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما – والذي لقي ترحيباً كبيراً من جانب مصر ودول الخليج ومعظم دول العالم – هو خطوة إيجابية يمكن أن تنعكس بالخير على المنطقة بأكملها، وقد تساهم في صنع نظام أمني إقليمي جديد ينهي التوترات في المنطقة، وإن كان ذلك مرهوناً بكيفية تنفيذ النظام الإيراني لبنود هذه الخطوة المهمة في توقيتها ومغزاها، وهو الأمر الذي يمكن الحكم عليه خلال المرحلة المقبلة.