د. ناجح إبراهيم يكتب: الأم

• إذا أردت أن تعرف عطاء الأم الحقيقي فتأمل آلاف الأمهات حول أسرة أطفالهن المرضى في المستشفيات, أو خارج غرف العلميات والعناية المركزة ساهرة ليالي متواصلة, لا يغمض لها جفن, تنام وهي جالسة, وقد تفترش الأرض أمام المستشفيات العامة, حيث يكون ابنها مريضاً داخل المستشفي, وهي تتذلل تارة للطبيب أو الممرضة أو أفراد الأمن, ولا يهدأ بالها إلا حينما تعود بابنها المريض إلي المنزل.
• لك أن تقترب من أي أم لها ابن مريض في المستشفي لتسمع دعاءها وتوسلاتها لربها من أجل شفاء ابنها .
• الأم هي الوحيدة المستعدة لتبيع كل شيء لعلاج ابنها ابتداءً من حليها “ذهبها” انتهاءً بالتسول من الآخرين لتجمع أجر جراحة أو أشعة أو جلسة كيماوي أو إشعاعي.
• إذا أردت أن تعرف عطاء الأم فتأمل عشرات الأمهات أيام الدارسة في الصباح الباكر وهن بصحبة أولادهن لتوصليهم للمدارس في المناطق الشعبية ثم الذهاب لانتظارهم قبل عودتهم لاصطحابهم إلي المنزل مرة أخرى .
• وتأمل الأمهات أيام الامتحانات حيث يصحبن البنات أو الأولاد الصغار إلي لجان الامتحان, ثم يمكثن خارج المدرسة عدة ساعات في قلق وتوتر حتى ينتهي الامتحان, ويتكرر الأمر مع كل امتحان.
• أسكن في منطقة فيها عدة مدارس, وهذا المنظر أراه كل عام, عشرات الأمهات تجلسن علي الأرض يبحثن عن الظل الصغير, توتر قلق دعاء, حديث مشترك.
• أقول لنفسي: لماذا لا تعود لمنزلها ثم تحضر ثانية , لكنه قلب الأم .
• لولا دعاء الأمهات ربما لم ينجح طالب ولولا دعائهن ربما لم يستر ويحفظ ابن, هي تدعو لابنها منذ أن كان جنيناً في بطنها وحتى آخر يوم في حياتها.
• الأم لديها أعظم جهاز استشعار عن بعد لأي خطر يقترب من أبنائها, وجهازها الاستشعاري صادق دائماً, لا يخيب ولا يكذب أبداً, ولكن الأبناء يسخرون دوماً من تبئواتها واستشعاراتها للخطر الذي يقترب ويحدق من أبنائها.
• تقول لهم عادة “يا بني لست مستريحة لهذا المشوار”, “لست مستريحة لهذا الزواج”, “لست مطمئنة لهذا السفر”, “قلبي متوغوش من هذه الصحبة”, “قلبي بيأكلني من هذا الأمر”.
• تقابل هذه الكلمات عادة بضحكات الاستهزاء والسخرية من الأبناء, فتصمت مرغمة, حتى إذا وقع المحذور لم تجد إلا الرضا والصبر, والوقوف خلف الابن إلي آخر لحظة في محنته, سلام علي الأمهات في كل البلاد والعصور.
• الأم الوحيدة في العالم التي تقبل أن تنظف البراز والبول والقيء لابنها دون ضجر ودون قرف, بل وبسعادة,وهي الوحيدة التي تتمني أن يأخذوا من عمرها لتعطي لابنها,وتتبرع بكليتها أو جزء من كبدها لابنها دون طول إقناع,أو طمأنة أطباء,هي تسارع وحدها للتبرع مهما كانت المخاطر.

اقرأ أيضا للكاتب:

د. ناجح إبراهيم يكتب: كيف تحب الله وأنت تكره خلقه

د. ناجح إبراهيم يكتب يوميات عيادتي (26): يا رب لا تذلني بالعقم

زر الذهاب إلى الأعلى