د. ناجح إبراهيم يكتب: أمى رحمها الله
• أمي قصة كفاح عظيمة, كنت فصلاً فيها, وشقيقي صلاح الذي حضر حرب 73 وعبر القناة فصلاً آخر, مع فصول أخرى كثيرة, اجهاضات, ووفيات, ومعتقلات.
• كفاح متواصل لا يعرف الراحة, ولكن الأمل والرجاء في الله لم ينقطع عن قلبها, تصوروا فتاة صغيرة لا تجاوز الـ 15 عاماً ربت عدة أطفال وتسوس أبي وجدي وجدتي, في يوم تخبز, وآخر تغسل, وثالث تطبخ, ورابع تنظف, وتستضيف في بعض الأيام أكثر من عشرين ضيفاً, وقرابة عشرة ضيوف شبه ثابتين.
• أمي تنحدر من أصول كردية من ديروط الشريف التي دشنها الأمير سنان ابن عم صلاح الدين الأيوبي, حينما تزوج جدي لأمي من امرأة خارج العائلة طرد من بلدته, لم تكن أمي مجرد امرأة عادية بل كان العقل والحكمة يتدفق من كلماتها وكأنها تقرأ الواقع والمستقبل, ما خالفها أحدنا في رأي إلا كان رأيها هو الأصوب.
• ما يشق عليَّ دوماً ويؤرق مضجعي أنني كنت سبباً في عنتها, من كرمها لم تشعرني يوماً بالعنت الذي عاشته, كانت كريمة النفس غاية في الرقة في المشاعر والحكمة في القول, ولا أدري كيف فقدت معظم الأمهات خريجات الجامعة الآن حكمة ودقة ورقة جيل أمهاتنا الذي لا يعوض, لم أستطيع أن أوفيها شيئاً مما صنعته من أجلي وهذا يعذبني باستمرار.
• اكتشف كل يوم بعد موتها أنني لم أشبع منها وأن معيشتي في الإسكندرية بعيداً عنها ربما كان خطأ مني, ولكني أشفقت عليها من القلق المدمر الذي كان ينتابها وأنا قريب منها وهي تردد: “يا بني لا تذهب إلي هنا أو هنا”, أشفقت عليها من القلق المتواصل فأعفيتها منه, أحيانا يكون البعد قرباً, والقرب قلقاً.
• أمي يا قرة عيني سلام عليك يا من كنت نوراً وضياءً وحباً وكرامة لحياتنا, سلام عليك يا أمي ندين لك بحياتنا وأعمارنا وبركات أسرنا وخيراتنا, فنحن نعيش في بركاتك وكراماتك وببركة دعائك.