أمام مؤتمر الأمم المتحدة للمياه.. وزير الرى يكشف خطورة تحركات أثيوبيا فى سد النهضة
كتب: على طه
مؤكدا أن مصر تعاني من وضعية ندرة مائية فريدة من نوعها دولياً، يضاف إلى ذلك تغير المناخ، الذى يلقى مزيداً من التعقيدات التي تواجه مساعي توفير المياه وضمان استدامتها، وبناء على ما سبق تبرز أخطار التحركات الأحادية غير الملتزمة بتلك المبادئ على أحواض الأنهار المشتركة ، والتي يُعد أحد أمثلتها سد النهضة الإثيوبي، هذا ما أكد عليه، د. هانى سويلم، وزير الموارد المائية والرى، فى بيان مصر الذى ألقاه قبل ساعات قليلة أمام الجلسة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه ٢٠٢٣.
وأشار سويلم لما يواجهه العالم من تحديات متزايدة لتوفير إحتياجات المياه وضمان إستدامتها ، وذلك مع إستمرار التطور الإنساني والنمو السكاني المتزايد ، وأنه وفي إطار الجهود المتضافرة لمواجهة تلك التحديات ، فإنه من الضروري عدم التعامل مع المياه وكأنها سلعة إقتصادية ، فالمياه كالهواء ، لا غنى عنها للبقاء الإنساني ، ومن ثم تصبح المياه شرطاً مُسبقا لضمان حق الإنسان في الحياة ، وبالتبعية سائر حقوق الإنسان.
وأضاف وزير الرى المصرى أن “تغير المناخ مزيداً من التعقيدات التي تواجه مساعي توفير المياه وضمان استدامتها ، ويترتب على ذلك تحديات إضافية أمام الأمن الغذائي ، وهو ما يبرز على وجه خاص في المناطق القاحلة والتي تعاني ندرة مائية، ولعل مصر خير مثال للدول التي تعاني من هذه التحديات المُرَكَّبة المترتبة على تغير المناخ والندرة المائية ، فمصر هي دولة المصب الأخيرة بنهر النيل ، ومن ثم فهي لا تتأثر فحسب بالتغيرات المناخية التي تجري في حدودها ، وإنما عبر سائر دول حوض النيل بأسره”.
طالع المزيد:
– في خطاب لمجلس الأمن.. مصر تعلن رفضها لاستمرار أثيوبيا ملء سد النهضة
أكد أيضا د. سويلم فى كلمته على أن مصر تعاني من وضعية ندرة مائية فريدة من نوعها دولياً ، فمن ناحية تأتي مصر على رأس قائمة الدول القاحلة بإعتبارها الدولة الأقل على الإطلاق من حيث معدل الأمطار بين كافة دول العالم ، ومن ناحية أخرى يبلغ نصيب الفرد من المياه سنوياً نصف حد الفقر المائي ، وتعتمد مصر بشكل شبه مطلق على نهر النيل بنسبة ٩٨% على الأقل لمواردها المائية المتجددة ، وهي الموارد التي يذهب ما لا يقل عن ٧٥% منها للإسهام في إستيفاء الإحتياجات الغذائية للشعب المصري عبر الإنتاج الزراعي ، علما بأن قطاع الزراعة يمثل مصدر الرزق لأكثر من ٥٠% من السكان ، وأخذاً في الإعتبار أن مصر لديها عجز مائي يصل إلى ٥٥% من إحتياجاتها المائية التي تبلغ ١٢٠ مليار متر مكعب ، فإن مصر تقوم بإستثمارات هائلة لرفع كفاءة منظومة المياه لديها تعدت الـ ١٠ مليار دولار خلال الخطة الخمسية السابقة ، كما تقوم بإعادة إستخدام المياه عدة مرات في هذا الإطار ، وتضطر لإستيراد واردات غذائية هائلة بقيمة حوالي ١٥ مليار دولار .
وواصل قائلا: على ضوء ما تقدم .. فإن وجود تعاون مائي فعَّال عابر للحدود يُعد بالنسبة لمصر أمراً وجودياً لا غنى عنه ، ولكي يكون مثل هذا التعاون ناجعاً فإن ذلك يتطلب مراعاة أن تكون إدارة المياه المشتركة على مستوى “الحوض” بإعتباره وحدة متكاملة ، بما في ذلك الإدارة المتكاملة للمياه الزرقاء والخضراء ، كما يتطلب ذلك مراعاة الإلتزام غير الانتقائي بمبادئ القانون الدولي واجبة التطبيق ، لا سيما مبدأ التعاون والتشاور بناء على دراسات وافية ، وهو المبدأ الذي يُعد ضرورة لا غنى عنها لضمان الإستخدام المنصف للمورد المشترك وتجنب الإضرار ما أمكن .
واتصالاً بذلك ، تبرز أخطار التحركات الأحادية غير الملتزمة بتلك المبادئ على أحواض الأنهار المشتركة ، والتي يُعد أحد أمثلتها سد النهضة الإثيوبي الذي تم البدء في إنشائه منذ أكثر من ١٢ عام على نهر النيل دونما تشاور ودون إجراء دراسات وافية عن السلامة أو عن آثاره الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المتشاطئة ، وتستمر عملية البناء والملء بل والشروع في التشغيل بشكل أحادي ، وهى الممارسات الأحادية غير التعاونية التي تشكل خرقاً للقانون الدولي بما في ذلك إتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام ٢٠١٥ ، ولا تتسق مع بيان مجلس الأمن الصادر في سبتمبر عام ٢٠٢١ ، كما يمكن أن يشكل إستمرارها خطراً وجودياً على ١٥٠ مليون مواطن ، فالبرغم مما يتردد من أن السدود الكهرومائية لا يمكنها أن تشكل ضرراً ، لكن حقيقة الأمر أن مثل هذه الممارسات الأحادية غير التعاونية في تشغيل هذا السد المبالغ في حجمه يمكن أن يكون لها تأثير كارثي ، ففي حالة إستمرار تلك الممارسات على التوازي مع فترة جفاف مطول قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون ومائة ألف شخص من سوق العمل ، وفقدان ما يقرب من ١٥ % من الرقعة الزراعية في مصر ، بما يترتب على ذلك من مخاطر ازدياد التوترات الإجتماعية والإقتصادية وتفاقم الهجرة غير الشرعية ، كما يمكن أن تؤدي تلك الممارسات إلى مضاعفة فاتورة واردات مصر الغذائية .
ومع تمسك مصر بروح التعاون والتشاور البناء فيما بين الدول المتشاركة لموارد مائية عابرة للحدود ، فإنها تؤكد على ضرورة عدم الإنجراف إلى إيلاء الأولوية لمكاسب طرف بعينه على حساب خسارة الآخرين ، حيث لن يكون من شأن ذلك إلا تقاسم الفقر بما قد ينجم عن ذلك من توترات ، في حين أن إيلاء الأولوية للتعاون السليم بحسن نية يمكن أن يُفضي بنا وبسهولة إلى تعظيم المكاسب ، ومن ثم تقاسم الرخاء والإزدهار للجميع .
هذا، وتعمل مصر في إطار إستراتيجيتها التعاونية على تعظيم المكاسب الممكنة من الترابط ما بين موضوعات المياه والغذاء والطاقة والمناخ ، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي .
فعلى الصعيد الوطني، تبنت مصر سياسة مائية تقوم على الاستخدام الرشيد والمتسم بالكفاءة لمواردها المائية المتجددة مع الإعتماد المتزايد على الموارد المائية غير التقليدية ، وذلك على التوازي مع سياسة غذائية توازن ما بين إنتاج الغذاء وإستيراده لتوفير الأمن الغذائي .
وعلى الصعيد الإقليمي ، تتمسك مصر بأهمية إنتهاج قواعد التعاون الذي يراعي مصالح كل الأطراف ، ومن ثم يشمل كل الأطراف ، وأن يتم في هذا الإطار التشاور بناء على أسس علمية سليمة ، بغرض ضمان تحقيق الإنصاف ، وتجنب الضرر ذي الشأن ، وفى ضوء تشرُف مصر برئاسة مجلس وزراء المياه الأفارقة (الأمكاو) حالياً ، أكد الدكتور سويلم إعتزامه التنسيق اللصيق مع وزراء المياه في أفريقيا لحشد التمويل اللازم لتعزيز البنى التحتية الأفريقية على أسس من المنفعة المشتركة ، وعلى النحو الذي يدعم إيجاد حلول جذرية لما تواجهه القارة الأفريقية من تحديات مائية ، كما تستمر تحركات مصر الداعمة لتسليط الضوء على ندرة المياه في المنطقة العربية أيضاً وتضافر الجهود لمجابهتها .
أما على الصعيد الدولي، فقد انخرطت مصر في كافة المبادرات الدولية المائية ، وأخصها بالذكر مبادرة السكرتير العام لأنظمة الإنذار المبكر ، ومبادرة التحالف العالمي للمياه والمناخ ، وتعزيز دور الأمم المتحدة في موضوعات المياه ، بما في ذلك من خلال الدعوة لتعيين مبعوث خاص للسكرتير العام لمسائل المياه ، وكذا الدعوة لإيلاء مسائل الندرة المائية أولوية خاصة على الأجندة الأممية من خلال إطلاق “برنامج عمل للأمم المتحدة UN Action Program عن الندرة المائية ، وفقا لما خلُصَ إليه أسبوع القاهرة الخامس للمياه في عام ٢٠٢٢ .
كما نوه الدكتور سويلم بأن مصر – خلال رئاستها لمؤتمر المناخ COP27 – قد تمكنت بالتعاون مع الشركاء الدوليين من وضع المياه في قلب العمل المناخي ، وذلك من خلال عدة أحداث هامة ، تضمنت مائدة مستديرة رئاسية عن الأمن المائي ، وإستضافة جناح خاص للمياه ، ويوم خاص للمياه ، وإطلاق مبادرة المياه والتكيفAction for Water Adaptation and Resilience (AWARe) ، كما تم تتويج تلك الجهود بإدراج المياه للمرة الأولى على الإطلاق في القرار الجامع covering decision الصادر عن مؤتمر المناخ COP27 ، وهو ما نتطلع للبناء عليه بالتنسيق مع دولة الإمارات الشقيقة في إطار التحضير لمؤتمر المناخ القادم COP28 .
وانتهى د. سويلم بالإعراب عن تمنياته بأن ما سوف يجري في المؤتمر من نقاشات ستخُط سبيلاً واضحاً لتجاوز التحديات الدولية المُرَكَّبة للندرة المائية وتغير المناخ والأمن الغذائي ، مؤكدا أن مصر تُرحب بإتخاذ إجراءات فورية لوضع آلية متابعة لضمان تنفيذ الأفكار الطموحة التي ستنتج عن المؤتمر بما يمكننا من حشد الجهود من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا والأجيال القادمة .