اقترب الوعد.. زوال إسرائيل بين الواقع والنبوءة
بيان
مقدمة:
في الآونة الأخيرة كثرت النبؤات الغيبية، تتحدث عن اقتراب موعد زوال الكيان الصهيوني، إسرائيل، وفى المقابل، ندرت المقالات الموضوعية التحليلية، التى تتناول عوامل الفساد الداخلى، وإشارات التحلل للكيان، التى تشير لا محالة إلى انهياره.
ومن المقالات القليلة التى تخاطب العقل فى هذا الشأن اخترنا لكم مقالاً كتبه «عزام أبو العدس» ونشر في موقع “عكا للشؤون الاسرائيلية”، تحت عنوان: “زوال إسرائيل بين الواقع والنبوءة”.
وتطرق الكاتب فى مقاله إلي الأدلة التي تؤكد حتمية زوال إسرائيل واقتراب هذا الوعد نظرا للظروف الأمنية والسياسية التي يمر بها الكيان الصهيوني.
المقال:
وفي التالى نورد لكم نص المقال:
على مدى التاريخ عانى البشر من هوس مزمن لمعرفة المستقبل وكشف أستاره، ربما كان ذلك بسبب الفضول البشري المحموم الذي كان مفتاح التقدم والحضارة، وربما كان ذلك بسبب الخوف من المجهول، فالناس يخافون الغموض والمجهول بفطرتهم البشرية البسيطة العميقة، وبالتالي كان المستقبل دوما بالنسبة لهم كيانا ضبابيا يأتيهم بكل جديد بخيره وشره، وبالتالي أرادوا دوما كشف استار الغيب وسبر اغوارها حتى يكونوا مستعدين للآتي أو لتغيير واقع قائم، ومن هنا لجأ البشر من فجر حضارتهم للتنجيم والكهانة والعِرافة، وحفلت كتب التاريخ بذكر العارفين وأخبارهم بل ووصل الأمر ببعضهم ان يكونوا ذوي حظوة وكلمة نافذة لدى الأباطرة والسلاطين والملوك، وكلما ازداد الواقع قتامةً وسوداوية لجأ عوام الناس وخواصهم للكهنة في محاولة لتلمس بصيص أمل في حلكة الظلمات التي تعصف بهم.
لكن مع تطور العلوم تنبه المفكرون والفلاسفة الى رتابة الفعل البشري وانتظام السلوك الإنساني ومع تراكم التاريخ المكتوب بدأ المؤرخون رويدا رويدا بتحديد قواعد ثابته وقوانين راسخة لصعود الدول وسقوطها، وخرجوا بنتيجة مفادها أن قوانين صعود وسقوط الدول واضحة ثابته ليصبح المؤرخون هم متنبئي الإنسانية الجدد، وهذا ما رأيناه في كتابات ابن خلدون وميكافيلي وجبون وول ديورنت وبول كندي وغيرهم، وكلهم وضعوا استنباطات وقراءات لقيام الدول وسقوطها وتناولوا الموضوع من الزوايا العسكرية والسياسية والإجتماعية والأخلاقية، وتعمقوا بشكل رائع في البحث التاريخي وشرّحوا جثث الحضارات المندثرة في مشرحة التاريخ ليكتشفوا أسباب الوفاة من الإمبراطورية الرومانية حتى سقوط الأندلس والعثمانيين، وعلى ضوء هذه الدراسات نقوم بوضع واقعنا على هذه الخلفية ودراسته لنحاول التنبؤ بالمستقبل بدورنا وندرك مألات أحوال زماننا.
لا شك أن احتلال فلسطين وقيام دولة الاحتلال كان من هذه الظلمات التي عصفت بنا، ومع الضعف والوهن الذي أصابنا من نكسات، جعلت عوام الناس وخواصهم مشغولون بالبحث عن الخلاص في قراءة المستقبل كدأب الناس والطبيعة البشرية في كل زمان ومكان.
خرج علينا الكثير من أصحاب النبؤات منهم من اتخذ سبيل الرؤى والأحلام ومنهم من بحث في أسفار العهد القديم وأسفار النبؤات القديمة الضبابية المبهمة ومنهم من اتخذ من تفسير القرآن وأرقامه وأعداده دليلا على صحة قوله.
لنعرض واقع دولة الاحتلال على السنن التاريخية، هذه السنن التي لا تحابي أحداً، لنعرف أين هو المشروع الصهيوني بعد ما يزيد عن سبعين من الأعوام العِجاف من عمر دولة الاحتلال.
“الدول تولد خشنة وتموت ناعمة” هذه العبارة البسيطة التي اختزل بها الكاتب “ول ديورانت” عمر الدول في موسوعته العملاقة ” قصة الحضارة” فالدول عندما تقوم في بدايتها تقوم على مجتمع عسكري خشن يؤمن بالفكرة والكفاح والموت لأجلها ويكون على رأسه قيادة صلبة عسكرية خشنة تقاتل في الميدان وتعمل في الحقل وتؤمن بالفضائل العسكرية وتعيش في حالة من نكران الذات لصالح الدولة والمجتمع، يكون المجتمع الصلب المقاتل البعيد عن حياة النعومة والترف والإنحلال لا سيما في الدول التي تعيش وسط بحر
من الأعداء المتربصين مثل دولة الاحتلال، هنا كان الجيل الأول من القادة الصهاينة الذين بنو حلم الدولة على أكتافهم أدركوا حقيقة الخطر فغذوا الروح الحربية والفضائل العسكرية في نفوسهم أولا وفي عموم المجتمع ثانيا.
ثم كان الجيل الثاني من القادة اللذين عاصروا الجيل الأول وتربوا على مثلهم ليقوم على أكتافهم مشروع الاستقرار والنمو، لكن مشكلة الدول تكون في الجيل الثالث من القادة هذا الجيل الذي يقف على مفترق طرق بين خيارين مصيريين الأول هو الاستمرار في الولاء للفكرة والمشروع ونكران الذات وتغليب المصلحة الوطنية وإبقاء الأيدولوجيا والمثل العليا هي الراية الكبرى التي يلتف حولها عموم المجتمع بعد الطبقة السياسية والعسكرية.
والخيار الثاني هو الكارثي وهو السير في درب المصالح الشخصية والحزبية وتدعيم حالة الاستقطاب في المجتمع وتعزيز الانقسام الفكري والسياسي فيه صوب تمجيد الزعامات والأحزاب وأن تكون المرجعية لحكم الزعيم الأوحد الذي يرى كافة القرارات من خلال صورته متربعا على عرش الحكم.
في هذه المرحلة من حياة الدول تسود سمات تتسم بها الأحزاب والقادة نراها بوضوح في المستوى السياسي الإسرائيلي القادة السياسيون الآن يعانون من انحطاط غير مسبوق في المستوى الفكري والأيديولوجي والسياسي وانحطاطهم الى مستوى من الصراع الشخصي وشخصنة الحياة السياسية بطريقة مراهقة فجة، ويقف بنيامين نتنياهو على رأس هذا الهرم التعس، فأصبح تمجيد الذات وعبدتها ديدنه وانشغاله بالخلافات الحزبية وام الكوارث التي قام بها هي اضعافه لحزب “الليكود” بإضعاف كل البدلاء المحتملين له وفرض الرأي الدكتاتوري داخل هذا الحزب ناهيك عن نمط حياته الفاسد الذي يتناقض كليا مع وضع دولة تعيش أخطارا وجودية مثل دولة الاحتلال.
إن نجاح أي دولة او فشلها مرهون بطبيعة قياداتها لأن القيادة هي التي تصوغ شكل المجتمع بالدرجة الأولى “فالناس على دين ملوكهم” وما تقوم به الطبقة السياسية الآن في دولة الاحتلال يرسم عقلية سياسية واجتماعية مناقضة تماما للأسس التي قامت عليها دولة الاحتلال.
مثل هذه المنظومة السياسية عادة ما تكون انفعالية ضيقة الأفق تنجر إلى قرارات غير عقلانية وغير مفهومة من الناحية السياسية لكنها مفهومة تماما من النواحي الشخصية والحزبية الضيقة.
طالع المزيد:
– جنرال بالجيش الإسرائيلي يطالب الجنود والقادة بالتحلي بالمسؤولية
– إسلام كمال يكتب: إسرائيل تنفجر .. نتنياهو يتهم دول بتمويل الفوضي.. المتظاهرون يحاصرون زوجته في الكوافير
مثال على هذه القرارات هو التضيق على السلطة الفلسطينية، فمن الناحية الأمنية تعتبر السلطة الفلسطينة أهم مرتكزات الأمن الإسرائيلي سواء من ناحية التنسيق الأمني المباشر، أو تحمل العبء الإداري والمالي لملايين الفلسطينيين، لكن مزاولات اليمين الإسرائيلي المبني على التطرف تصيبها في مقتل في كل يوم وتضعف سيطرتها وشعبيتها أكثر وأكثر وتدفع بها في وضع زلزالي خطر سيدمر الأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية على المدى البعيد.
في الدول العادية والطبيعية يمكن أن تتعافى المنظومة السياسية أو تتردى صوب الدكتاتورية المقنعة لكنها تستمر في الوجود والبقاء وذلك لأنها “دول طبيعية” تنتمي إلى سياق تاريخي وجغرافي بعكس دولة الاحتلال التي وجدت خارج السياق التاريخي والطبيعي للمنطقة.
ويكفي خطأ استراتيجي واحد من متخذ قرار لكي يجرها صوب كارثة وهذا الكلام ليس جزافا فكانت هذه الحقيقة واضحة جلية في حرب رمضان عام ١٩٧٣ حين أودي التقدير الخاطئ للاستخبارات العسكرية بدولة الاحتلال الى كارثة.
دولة الاحتلال هي “دولة الخطأ الوحيد” وهذا المصطلح يذكرني بمدينة “بومبي” الرومانية التي شيدها الرومان على سفح جبل “فيزوف” البركاني وكانوا يقدمون الأضاحي يوميا للإله “فولكان” إله البراكين حتى لا يغمرهم بثورته لكن هذا الإله لم يستجب لصلواتهم وغمرهم طوفان النار في النهاية.
دولة الاحتلال شيدها مؤسسوها على فوهة بركان يمور تحت أقدامهم بالحديد والنار والرجال، وقادتها بلغلوا مستوى غير مسبوق من الانحطاط والضياع يبشر باقتراب الخطأ الوحيد، لكنهم في غمرتهم ساهون أن علامات التصدع العسكري والسياسي والاجتماعي لدولة الاحتلال أصبحت بادية واضحة وليست بحاجة لنبوءات العرافين وضاربي الودع أصبحت واضحة كحد السيف الذي يبدد بريقه كل سراب، وياليت قومي يعلمون.