عاطف عبد الغنى يكتب: وزير سورى فى مصر

سوريا رقم مهم فى معادلة الأمن القومى العربى، والعلاقات المصرية السورية، ليست فقط علاقات مصالح متبادلة، ولكنها علاقات دم وعروبة ونضال وتاريخ، منذ مئات السنين، وربما لا تعرف الأجيال الجديدة، أن سوريا كانت الأقليم الشمالى إبان فترة الوحدة مع مصر فى الستينيات من القرن العشرين، وفى زخم المد القومى العروبى، وأحلام الوحدة المجهضة الآن.

علاقة مصر بسوريا أيضا تستمد زخمها من الترتيبات الجديدة التى تشهدها المنطقة، والتغييرات فى موازيين القوى التى يشهدها العالم بعد الحرب الروسية – الأوكرانية

لا شك أن الشعب المصرى، والدولة المصرية ترحب بزيارة فيصل المقداد وزير الخارجية السوري لبلده الثانى مصر اليوم السبت .. هذه الزيارة التي تمهد بشكل مباشر إلي عودة العلاقات رسميا رغم عدم انقطاعها فعليا.

وعلى مستوى وزراء الخارجية فهذه هى الزيارة الأولى من الوزير السوري إلى مصر منذ تجميد الجامعة العربية عضوية سوريا، في شهر نوفمبر 2011 على خلفية الأحداث فى سوريا

وتأتي الزيارة بعد حوالى شهر من الزيارة التى قام بها وزير الخارجية المصرى سامح شكرى في 27 فبراير الماضى لسوريا وتركيا لتقديم الدعم، وإظهار التضامن مع البلدين، على خلفية الزلزال المدمر الذي ضربهما في الشهر ذاته.

وكان قد سبق أن التقى الوزيران شكري والمقداد في سبتمبر 2021 بنيويورك، وذلك في أول لقاء على هذا المستوى، خلال 10 سنوات

– وإذا استثنينا فترة حكم الإخوان لمصر – نستطيع أن نؤكد أنه دائما كان هناك تنسيق بدرجة ما بين البلدين الشقيقين لم ينقطع وخاصة فى الجانب الأمني ومواجهة الإرهاب

وهذا التنسيق كان محل إهتمام كبير على جدول أعمال زيارتي اللواء علي الملوك، رئيس دوائر الأمن السورية، والمقرب جدا من الرئيس الأسد، وجاء الملوك، في زيارات معلنة، إلى مصر فى أكتوبر 2016 وديسمبر 2018

ومصر 30 يونيو 2014 لم تعترف إلا بالنظام السوري ممثلا شرعيا للشعب السوري، وسعت طول الوقت للحفاظ على وحدة الدولة السورية الوطنية، ورفضت مصر – أيضا – تمثيل المعارضة لسوريا في القمة العربية بشرم الشيخ 2015 ، وبقي المقعد خاليا
كما رفضت مصر طوال الوقت قبول ما يسمى “المعارضة المعتدلة” كصيغة أو ممثل للشعب والدولة السورية، وقبلت مصر بـ “المعارضة الوطنية” بعد استبعاد جماعات الإرهاب المسلحة والممولة، واعتمدت ذلك في كل وساطة أو تدخل لحل الأزمة السورية.

كذلك توصلت مصر إلى ثلاث اتفاقيات خفض عنف في الداخل السوري بصيغة ورعاية مصرية، وضمانة روسية ونجحت جميعها مبرزة الدور المصري في الداخل السوري وأمر مثل هذا بالتأكيد لا يتم إلا بوجود مصري على الأرض بالداخل السوري، وبالتنسيق مع الحكومة السورية.

وفى الحقيقة اختارت مصر وسوريا صيغة عملية تتجاوز الشكليات وسوف تصل العلاقات بين البلدين بعلاقاتهما التاريخية إلي حدود وآفاق أكبر بكثير من توقعات البعض.

وأخيرا دعونا أيضا نتوقف عند الرمز الدلالى لتوقيت الزيارة، ونتصور أنه مقصود، وهو يوم العاشر من رمضان ذكري الانتصار الكبير للعرب، ولمصر وسوريا في معركة وجودية، وفارقة فى تاريخ الصراع العربى – الإسرائيلى، الذى يتمحور الآن فى صيغ جديدة يظهر فى جانب منها وجه السلام الخادع، بينما أنيابه تنشب فى جسد فلسطين، وآلته العسكرية تمارس كل أشكال العنف المبالغ فيه، والعنصرية، واغتصاب الحقوق والأراضى الفلسطينية، فى تنفيذ المخطط التهويدى لكامل فلسطين المحتلة، وفى القلب منها المقدسات الإسلامية، فى القدس، وباقى المدن والبلدات الفلسطينية.

اقرأ ايضا للكاتب:

عاطف عبد الغنى يكتب: التوبة قبل التعميد

عاطف عبد الغنى يكتب: الهند بلد لم تعد تركب الأفيال

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى