شبراوى خاطر يكتب عن: جعفر العمدة والأفكار المندسة
عن الدراما الرمضانية المصرية اتحدث اليوم. والدراما كما نعلم هي نقل للثقافة بشكل ناعم ومتسلل، وأنا أطلق على مثل هذا المحتوى (الأفكار المندسة), فهذه ثقافة تثير الكثير من الإشكالات والتساؤلات حيث أرى أنها تصيب عقل المتابعين لها بالخلل والفساد الأخلاقي.
ولا أدري هنا من المسؤول عن تحصين عقول الناس أولاَ بكف الأذى والذي يكون مفضلا عن جلب المنفعة حسب القاعدة الفقهية المشهورة. من المسؤول عن وضع الحلول ووضع الاستراتيجيات الفكرية لمواجهة الأفكار العشوائية الخبيثة. وأنا هنا لا أريد أن انجرف إلى الكشف عن النوايا التي لا يعلمها إلا الله ولا أميل الآن إلى الإستناد إلى نظريات المؤامرات، ولكن من باب تشخيص الخلل، ووضع منهج علمي لتصحيح الأفكار المندسة والمنسوجة داخل ثنايا الأعمال الدرامية، من أجل إعداد عقول واعية منفتحة قادرة على قيادة نهضة بلادنا والخروج بها من أزماتنا
.
ومن أجل بيان مقصدي مما سبق، إلينا هذا المثال:
مسلسل “جعفر العمدة” فمن خلال تحليل مبسط لأول عشرة حلقات أشير إلى ما يلي:
أولاً: شخصية بطل العمل الدرامي “جعفر العمدة” والذي يؤديه ‘محمد رمضان’ بما له وما عليه. ولكن رسم شخصية البطل الأسطوري ابن واحدة من أهم المناطق الشعبية في القاهرة وأشهرها، والذي لا ندري مصدر ثروته الهائلة سوى أنها عن طريق “الربا” والإقراض بالفايظ، كما يقولون، والمتزوج من أربعة نساء لأسباب أقل ما يطلق عليها أسباب تافهة، ولا يهمهن سوى وجود أسمائهن في جدول العلاقة الزوجية الحميمة، وهن نساء ليس لهن أية مؤهلات الا أنهن مناسبات لرجل جاهل وبلطجي ولكن يدعي الإستقامة والقوامة على أهل الحارة.
ثم أن هذا الرجل الأسطورة يستطيع بكل سلاسة وسهولة تحطيم شاب أكثر منه وزنا واكبر قوة، وبكل سهولة وهو يرتدي “الكلسون”, ويلعب المؤلف والمخرج على دغدغة مشاعر العامة من رجال ونساء بكون هذا الكائن الأسطوري حامى حمى نساءه، وكما هو معلوم أن هذا الأسلوب يجذب النساء نحو الرجل القوي الذي يوفر لهن الحماية عند الحاجة. والأكثر غرابة أن هذه الشخصية التي تتسم بالجهل والبلطجة وأكل الربا هو ‘شيخ العرب’ الذي يقوم بالتحكيم في خلافات أهل الحارة وهو من يطلق الأحكام الفورية بالعدل والقسطاس وبأسلوب الفنتازيا، والذي يتم عن جهل وتفاهة منتجي هذا العمل الغريب.
ثانيا: اذا استفضت أكثر، أقول أن ما أثار غيريتي على بلادي أن تعرض نماذج الشعب المصري في صور شاذة ومحبطة ودنيئة من صور أفراد وعائلات مثل
عائلة الزوجة الأولى البخل والإنتهازية والدناءة،
وعائلة الزوجة الثانية الثرية الحاقدة التافهة،
وعائلة الزوجة الثالثة أصحاب الأعمال السفلية والسحر الأسود،
والزوجة الرابعة والتي باعها ابن خالتها إلى العمدة جعفر واستلم شنطة نقود مكتظة مقابل تسليمها إلى جعفر الثري، وأبيها (بيومي فؤاد) السجين على زمة قضايا مرتبطة بقروض البنوك، وصورة خال جعفر العمدة البخيل والذي يؤجر نفسه بعض الوقت لإبنته من أجل اللعب على زوجها، وأخو جعفر الكبير، المريض نفسياً والضعيف أمام نفسه وزوجته وأخيه ويعوض ضعفه بالتنمر على الضعفاء.
ما كل هذه النماذج الشاذة والمشوهة. وما نوع هذا الفن الذي نسمع فيه كم من الشتائم والألفاظ البذيئة ما يُندى له الجبين. ألفاظ مثل: العرة، الواطية، الحرامية، الإيحة، الجعانة إلى آخره. ولا أريد أن أطيل بالحديث عن “أم جعفر العمدة” الملكة. لأنها تحتاج إلى مسلسل كامل للحديث عنها.
هذا المثال يوضح بشكل جلي، لماذا نحن اصبحنا هكذا في حياتنا اليومية، فالفن كما يدعي البعض أنه يعكس الواقع، ولكن تأثيره الناعم على العقول الغافلة يعمل على تشكيل واقع جديد وزراعة ثقافة جديدة وتكريس ثقافة قديمة تعوق تقدمنا. وهذا ما يجعله أكثر تأثيراً وأشد خطراً على عقلية الناس.
اقرأ أيضا:
– إسلام كمال يكتب: فاصل صيامى .. مقال بالعامية عن الدراما المصرية
–