د. عادل القليعي يكتب: بدر.. وواقعنا المعاصر
غزوة بدر الكبرى التي شرف الله شهر رمضان أن تحدث فيه وشرفها بوقوعها فيه.
اقرأ أيضا.. د. عادل القليعي يكتب: أوهام الكهف بين أفلاطون وفرنسيس بيكون
هذه ليست مصادفة أو إتفاقا أن تحدث جميع انتصارات الأمة العربية والإسلامية في هذا الشهر الفضيل، وإنما لحكمة أطلعنا الله تعالى عليها، ألا وهي حثه سبحانه وتعالى لنا على الجهاد في رمضان، وأن رمضان ليس شهرا للنوم والتكاسل وإنما شهر للعمل والجهاد في سبيل الله تعالى، وليس الجهاد جهاد السيف فقط، وإنما جهاد في كل صوره، جهاد الكلمة، جهاد علماء الدين، جهاد المفكرين، الكتاب، الأدباء، القادة، كل في مكانه وموقعه .
فليس ثم فرق بين رمضان وغيره من الشهور كل على قدر طاقته واستطاعته، (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين).
نعم شهر رمضان المبارك شهر الفتوحات وشهر الانتصارات، وخير دليل على ذلك إنتصار جيش محمد صلى الله عليه وسلم، على جيش كفار قريش الذي كان متفوقا عدة وعتادا، لكن تحقق قوله تعالى، (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا).
لماذا؟!، لأن هؤلاء جاهدوا لإعلاء كلمة التوحيد، كلمة الله، نصروا وناصروا الله تعالى فكان حقا عليه نصر المؤمنين.
ليس جيش رسول الله وحسب ، بل كل جيوش الأمة العربية والإسلامية، فهاهو الجيش المصري العرمرم ينصره الله تعالى نصرا عزيزا مؤزرا على الطواغيت الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله، لكن هيهات هيهات، فتحطمت أسطورتكم وباتت خرافات وسخافات، نعم (وإن جندنا لهم الغالبون)، وغيرها فهل أتاكم نبأ حطين وعين جالوت، وغيرها من المعارك الحربية التي فرق الله فيها بين الحق والباطل، وجعل الباطل زهوقا.
ثم ألم يتم فتح مكة في العام الثامن من الهجرة في يوم عشرين رمضان بما أطلق عليها غزوة الفتح الأعظم، غزوة فتح مكة بعد أن نقض كفار قريش الصلح مع النبي صلى الله عليه وسلم (صلح الحديبية)، فجهز النبي جيشا قوامه عشرة آلاف مقاتل زلزلوا أركان العتاد الطغاة، وفتحها النبي دون قتال (إنا فتحنا لك فتح مبينا).
نعم شهر رمضان شهر الفتوحات والانتصارات، شهر غزوة بدر الكبرى التي رسخت دولة المدينة وثبتت القلوب على الطاعة والإيمان، غزوة قاتل فيها رجال الله الواحد منهم بألف من أعداء الله تعالى، مؤيدون برب الملكوت، مؤيدون بجنود لم يروها (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم، فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب، فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان) نعم غزوة الفرقان (ليميز الله الخبيث من الطيب، فيجعل الخبيث بعضه على بعض)،
فيركمه جميعا).
نعم عزوة رسخت أركان الدولة الإسلامية وجمعت كلمة المسلمين متفقين على كلمة واحدة، ألا وهي نصر الله .
والله يا رسول الله لن نقول مثلما قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام، اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، نعم سيدي يا سعد بن معاذ يا أنصاري، قلت وقولك الحق، والله يا رسول الله لو خضت بنا البحر لخضناه معك، ملأ الله وجهك بشرا وسعدا يا سعد مثلما ملئت وجه النبي بشرا وسرورا.
معركة حاسمة معركة فرسان الحق، ضد جياف الباطل، ها هو علي بن أبي طالب، ها هو حمزة عم الرسول، ها هو القعقاع بن عمرو، ها هو بلال بن رباح، هاهو سلمان الفارسي.
فيها يا جنود الله ردوا بالحديد على الحديد، هيا انتصروا لدين الله، هيا وأنتم فئة قليلة، لكن لستم وحدكم (فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)، شاهت الوجوه شاهت الوجوه، ويدر النبي الحصى والتراب، ويقول تعالى (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين، وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله).
وانتصر الحق على الباطل وقطع الله رؤوس الشياطين، رؤوس الطواغيت فها هي رأس عتل من عتلات الكفر رأس أبي جهل يجرها عبد الله بن مسعود ويأتى بها للنبي صلى الله عليه وسلم ويتبسم النبي قائلا أذن بأذن يا عبد الله والرأس زيادة.
ويجمع المنتصرون الغنائم والأسرى، ويذهب النبي إلى القليب، وينادي يا أبا جهل، يا ابن المغيرة، يا أمية يا بن خلف، لقد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا.
أما الآن الأوان يا أمة محمد أن نفيق من غفلتنا ومن سباتنا العميق، أما آن الأوان أن نستحضر أرواح شهدائنا، نستحضر روح عزنا وانتصاراتنا العملاقة، ونأخذ منها العبر والعظات وكيف ضحى هؤلاء الأخيار بأنفسهم جهادا في سبيل الله من أجل نصرة الحق، أما آن الأوان أن نعود سيرتنا الأولي، خير أمة أخرجت للناس، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر قدر استطاعتنا، أما آن الأوان لنعلي كلمة الله، ونرفع راياتنا ، أما آن الأوان أن نجتمع على قلب رجل واحد يجمعنا هدف هو نصرة الحق، نصرة دين الله، كل حسب استطاعته، علماء الدين كيف تنصرون دين الله، بخاطب توعوي متزن ورصين، شرح روح الدين وسماحة الأديان ، علماء الإسلام في مساجدهم في مؤسساتهم التعليمية، علماء الدين المسيحي في كنائسهم ومجمعاتهم الكنسية، اشرحوا وفهموا الناس أن الدين لله والوطن للجميع، وضحوا للناس أن العيش في سلام وتعايش سلمي مقوم رئيس لإعلاء قيم الحق والخير والجمال، لإرساء دعائم المواطنة ونبذ الطائفية والعنصرية.
افيقوا يرحمكم الله واستحضروا انتصاراتنا واجعلوها نبراسا لكم يضيئ لكم الطريق.
ليس هذا وحسب، بل وكل في مجاله يجد ويعمل ويثابر ويكافح ويجتهد ولا يبخل فالبخيل هو الذي يبخل على نفسه، الكل يكافح على قدر استطاعته لإعلاء كلمة الله الذي حثنا على حب أوطاننا وبلادنا، ورفع راياته خفاقة على الكون كله مثلما رفعها صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومثلما رفعها أسلافنا، فنحن لسنا أقل منهم، بل حالنا أفضل لأننا نمتلك التقنية الحديثة، ولكن ضرورة ملحة هي إمتلاك أمر آخر الإيمان بقضايانا العادلة، الإيمان بأوطاننا التي هى هبات من الله تعالى، ضرورة ضرورية أن نمتلك الإيمان ونجعله يرسخ ويثبت في قلوبنا، إيمان مصحوب بعلم وعمل، (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
حالنا وواقعنا المعاصر بات لا يخفى على أحد، تشتت، تشرزم، تحزب، أنانية مفرطة، ترك أمهات القضايا واللهاث الحثيث خلف مآرب دنيوية، كلام كثير دون عمل، من سبقونا كانوا لا يتحدثون وإنما يفعلون.
نحن للأسف الشديد نتحدث ويا ليته كلام منضبط وإنما كلام لا يسمن ولا يغني من جوع.
أما الرجال الصادقون، هم الذين يحملون على أكتافهم هم بلادهم ، أوطانهم شغلهم الشاغل رفعة أوطانهم، لا تهمهم أرواحهم بل يفدون بها أوطانهم، نعم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رجال، وهيهات بين رجال ورجال.
فهيا يا رجال الله شمروا سواعد الجد وابنوا أوطانكم وعمروها، وعلموا أبنائكم أن حب الوطن فرض عين على كل من يحيا تحت سماؤه ويشرب ماءه، ويأكل من خيراته.
هيا أروا الله من أنفسكم خيرا، ولا تقولوا ما لا تفعلون فكبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.
أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان ورئيس قسم الفلسفة السابق