د. إسلام جمال الدين شوقي يكتب: التقارير الدولية والتوقعات الجديدة بخفض قيمة الجنيه
لاشك أن هناك العديد من التقارير التي تصدر عن مؤسسات ووكالات اقتصادية دولية تتناول توقعاتها بشأن تخفيض جديد لقيمة الجنيه مقابل الدولار الأمريكي، ولكن ليست كل التقارير صحيحة فبعض التقارير تبالغ في النظرة التشاؤمية للاقتصاد والبعض يكون مخطئ في تقديراته فسبق أن تم نشر تقارير سابقًا لمؤسسات ووكالات اقتصادية دولية كبنوك ومؤسسات تصنيفية تفيد أنه عندما يصل سعر الدولار إلى 21 أو 22 جنيه سيكون ذلك هو السعر العادل لقيمة الجنيه وقد وصل سعر الدولار اليوم إلى 30.95 جنيه ونفس المؤسسات التي قالت ذلك سابقًا ترى الآن أنه ليس ذلك هو السعر العادل فما هو تفسير ذلك؟
إن الإجابة على ذلك السؤال تكمن في استناد تلك المؤسسات إلى مؤشرات اقتصادية يتم في ضوءها تحديد الاتجاه العام للاقتصاد بشكل عام وسعر الصرف بشكل خاص فمثلًا ارتفاع مستوى التضخم في مصر ووصوله إلى معدلات قياسية لم تشهدها من قبل فوفقًا للبنك المركزي المصري وصل معدل التضخم على مستوى الجمهورية في شهر مارس 2023 إلى 39.5%، وهناك مؤشرات أخرى مثل ارتفاع العجز بالحساب الجاري وميزان المدفوعات مع نقص الدولار في السوق، وتجاوز الدولار سعر 41 جنيهًا في العقود الآجلة، وعدم قدرة مصادر الدخل بالعملات الأجنبية على توفير الاحتياجات المطلوبة، فضلًا عن زيادة الطلب على الواردات على حساب الصادرات.
كما يأتي من بين الأسباب وأهمها هو التزام مصر لصندوق النقد الدولي بسعر الصرف المرن للعملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري خلال الفترة المقبلة، والتعهد بالتحول إلى سعر صرف “مرن بشكل دائم”، وتفسير سعر صرف مرن بشكل دائم وفقًا لمفاهيم صندوق النقد الدولي أنه إذا كانت هناك فجوة بين السعر الرسمي في البنوك المصرية والسعر في السوق الموازية (السوق السوداء) فإنه يجب أن يكون المستهدف هو سعر السوق السوداء للوصول إلى القيمة العادلة للجنيه، فمثلًا إذا كان سعر البنوك الرسمية في مصر 30.95 وسعر الدولار في السوق السوداء 35.00 جنيه مصري فإنه يجب أن يتحرك الدولار لتحقيق ذلك السعر وعند الوصول إليه وتحقيقه فمن المفترض القضاء على السوق السوداء أو الحد منها لدرجة كبيرة تحقق استقرار سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية.
ولكن في الواقع العملي ما يحدث عكس ذلك فإنه هناك أيادي خفية في السوق السوداء تعمل على المضاربات من أجل رفع قيمة الدولار أمام الجنيه لتحقيق مكاسب شخصية والتربح من وراء ذلك.
وهناك سؤال يطرح نفسه ما هو التأثير المتوقع في حالة حدوث خفض جديد لقيمة الجنيه في الوقت الراهن؟
يمكن أن يؤدي إلى تحفيز تدفقات العملات الأجنبية، وجذب المستثمرين الذين ينتظرون وصول الجنيه إلى أدنى مستوى له، ولكن من المتوقع أيضًا أن يؤثر هذا التخفيض الجديد سلبًا على معدلات التضخم وسيتسبب هذا الخفض في ارتفاع أسعار السلع التي يتم استيرادها من الخارج نتيجة ارتفاع تكلفة الاستيراد بسبب ارتفاع قيمة الدولار ولمواجهة تأثير خفض قيمة الجنيه يجب الحد من الاقتراض الخارجي وضرورة الإنفاق الحكومي على الأولويات فقط لكبح جماح انخفاض الجنيه، والعمل على تشجيع المنتج المحلي وتوطين الصناعات وتنافسية الصادرات المصرية في الأسواق العالمية، وبالتالي ترتفع الصادرات ويزيد تدفق العملات الصعبة، وزيادة موارد الدولة الدولارية وتنشيط قطاعات مثل السياحة وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمار المباشر.
……………………………………………………………………………………
– كاتب المقال: خبير اقتصادي، وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي