حامد محمود يكتب: سيناريوهات الأزمة وتأثيرها على العملية السياسة في السودان

تتخذ الأزمة في السودان أبعادًا متسارعة، الأمر الذي يجعل كل السيناريوهات مفتوحة، خاصة مع تعقد العملية السياسية، وتزايد المخاطر والتحديات التي تحيط بالسودان من كل جانب.

وفي هذا الإطار، فإن هناك أربعة سيناريوهات للأزمة المشتعلة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، وهي كما يلي:

السيناريو الأول: التهدئة والدمج في القوات المسلحة، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلًا والمرغوب فيه. ويتحقق هذا السيناريو في حال ما يلي: أولًا، نجاح جهود الوساطة الدولية والإقليمية بين طرفي الأزمة ووقف الصراع العسكري بين الطرفين والجلوس معًا لوضع ترتيبات تضمن عدم الانزلاق إلى حرب أهلية بين الطرفين. ثانيًا، حل العوائق التي أدت إلى تعثر الاتفاق على دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة والتي من بينها المدى الزمني الذي يعتبر أبرز نقاط الخلاف بين الجيش والدعم السريع، إذ يطالب الجيش بمدى زمني محدد لا يتجاوز فترة الانتقال السياسي، وهي خمس سنوات، في حين تطالب قوات الدعم السريع بفترة زمنية للانتقال تصل إلى عشر سنوات. وأيضًا وضعية قيادة القوات والتجنيد لقوات الدعم السريع، وتسريع عملية إعادة تأهيل وإصلاح الجيش. ثالثًا، الابتعاد عن سياسات “استقطاب المواقف”، حيث انتقلت الخلافات بين المكون المدني في السودان إلى المكون العسكري وأثرت سلبيًا على مواقفه الموحدة، إذ تسعى القوتان العسكريتان، الجيش وقوات الدعم السريع، إلى دعم بعض الأطراف في المكون المدني التي تتفق معها سياسيًا. والجدير بالذكر أن رؤساء وقادة أحزاب الحرية والتغيير قد دعوا المكون العسكري بأن يتخذوا من العملية السياسية وإنجاحها أساسًا لوحدة المكون العسكري وحل قضايا الإصلاح والدمج والتحديث في إطار بناء جيش مهني واحد. ذلك في ظل ربط الجيش التوقيع على الاتفاق السياسي بدمج قوات الدعم السريع في الجيش كجزء من الاتفاق النهائي للعملية السياسية. وفي حال حدوث هذا السيناريو فإن العملية السياسية في السودان قد تشهد تطورًا كبيرًا قد يصل بها الحال إلى الوصول إلى استحقاقات انتخابية رئاسية مبكرة تحظى بدعم المجتمع الدولي.

السيناريو الثاني: التهدئة دون الدمج، وهو سيناريو وسط، ولكنه غير مرغوب فيه لأنه يجعل العملية السياسية في السودان، والاتفاق النهائي بين المكون المدني والعسكري، قابلًا للانفجار طوال الوقت. وقد يحول في الوقت ذاته دون الوصول إلى انتخابات رئاسية، وثم استمرار العملية الانتقالية. وقد يتحقق هذا السيناريو بناء على المعطيات التالية: أولًا، نجاح الوساطة من قبل الأطراف الدولية والإقليمية في تحقيق تهدئة بين الطرفين لكن دون إنهاء المشكلات التي حالت دون إتمام عمليات دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة. ثانيًا، أن يتم الاتفاق على استكمال عملية الدمج لكن دون جدول زمني محدد. الأمر الذي يجعل كل طرف من المكون العسكري أن يتوجس خيفة من الطرف الآخر ويعمل على تقوية وتدعيم مركزه العسكري، وربما السياسي من خلال محاولة استقطاب القوى المدنية خاصة قوى الحرية والتغيير.

ومما لا شك في أن نجاح العملية السياسية في ظل هذا السيناريو ستكون صعبة للغاية. وبالرغم من ذلك قد يشهد السودان في ظل هذا السيناريو انتخابات رئاسية بدعم من قوى إقليمية ودولية، وتحت إشراف من الأمم المتحدة، ولكن دون تحقيق استقرار دائم وكلي في البلاد، وسوف يخضع الرئيس الجديد إلى ضغوطات كبيرة من الجيش وقوات الدعم السريع معًا.

السيناريو الثالث: احتمال حسم الوضع لصالح الجيش: من المحتمل أن يتمكن الجيش من بسط السيطرة خاصة في ظل الحديث عن حل قوات الدعم السريع، حيث يتوقع أن يلتحق الكثير من ضباط وعناصر هذه القوات بالجيش. وهذا يعني أن الأمور قد تستتب نسبيًا وتدريجيًا لصالح القوات المسلحة، خاصة إذا تلقت دعمًا ماليًا وعسكريًا كبيرًا من قبل الدول التي تؤيد مؤسسات الدولة. ومع ذلك، فإن قرار الحل الذي اتخذه الفريق البرهان أيضًا محفوف بالمخاطر، وقد يعني استمرار الصراع المسلح، حيث سيغلق أبوب التفاوض، بانتظار الحسم العسكري، وقد تطول الحرب خاصة إذا تلقى الطرفان دعمًا خارجيًا، ومن ثم قد يتطور الصراع باتجاه حرب استنزاف، ولاسيما أن قوات الدعم السريع لازالت تتمتع بشعبية في مناطق متعددة من البلاد وتحظى بدعم قوى وأحزاب سياسية.

السيناريو الرابع، اندلاع حرب أهلية، وهو السيناريو الأكثر تشاؤمًا، وغير المرغوب فيه على الإطلاق من القوى الداخلية أو الدولية. وقد يتحقق هذا السيناريو في حال: أولًا، تطور الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع ولجوء كلا الطرفين إلى أطراف خارجية للحصول على الدعم المادي والعسكري. ثانيًا، فشل جهود الوساطة الدولية والإقليمية والوصول إلى طريق مسدود بين الطرفين. ثالثًا محاولات لاغتيال الفريق عبدالفتاح البرهان أو قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” في هذا التوقيت سوف تكون بمثابة صب الزيت على النار، لأنها سوف تعقد محاولات الوصول إلى التهدئة وقد تشعل حربًا أهلية في البلاد، خاصة مع ما يشهده إقليم دارفور مؤخرًا من هجمات على ضباط في الجيش وقوات أمنية، الأمر الذي قد يؤدى إلى إعادة حالة “اللا أمن” في الإقليم مرة أخرى، التي قد تمتد إلى ولايات أخرى في السودان.

إن حدوث هذا السيناريو، غير المرغوب فيه، قد يؤدي إلى اشتعال المعارك بين طرفي الأزمة، الأمر الذي يؤدي إلى إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية، وربما إنهاء العملية السياسية الجارية الآن برمتها، ودخول البلاد في فوضى قد تمتد إلى سنوات.

وفي النهاية، يمكننا القول إن حدوث أحد هذه السيناريوهات قد لا يعني عدم المرور بالسيناريوهات الأخرى. كما أن الأمر يتطلب الآن سرعة التدخل من قبل المجتمع الدولي، والقوى الإقليمية، التي تحظي بقبول واسع من كلا الطرفين لتجنب انزلاق السودان إلى ما لا يحمد عقباه.

………………………………………………………………………………………….

  • الكاتب: باحث علوم سياسية كلية السياسة والاقتصاد جامعة السويس.

اقرأ أيضا للكاتب:

حامد محمود يكتب: ما بين تجار الأزمات وشح السوق.. التدعيات الاقتصادية للصراع فى السودان

زر الذهاب إلى الأعلى