أسماء خليل تكتب: في منتصف الطريق

من بين حكايات العالم، تأتي تلك الأقصوصة التي تحمل رسالة محبة وسلام ليس للأخوة فحسب بل للعالم بأكمله؛ فقد كان هناك أخَوَان أحدهما متزوج وله ثلاث أبناء، والآخر مايزال في طريقه سعيا نحو بناء المستقبل بخطبته لابنة عمه، مات أبوهما وترك لهما قطعة أرضٍ يقتاتان منها،،

تعاون الأخوان في زراعة الحقل، أحدهما يربت على الأرض بحبه وعطفه ويُسكن داخلها البذور، والآخر يحرث الأرض ويقلب طمييها الأسود راضٍ مطمئن، ليشملها بقلبه الأبيض،،

ولما انتهى الموسم الزراعي، جاء يوم الحصاد، بعدما أخرجا للفقراء نصيبهما من رزق الله – سبحانه وتعالى- لهما، اقتسما ما تبقى من ثمن المحصول بعد البيع، وذهب كل واحدٍ لداره مسرورًا بما منحه الله تعالى- له بعد اجتهاده وعزمه،،

وفي أحد أركان العالم، جلس الأخ الأول على أحد الأسرة ناظرا للمكان الخالي، الذي كان موضع راحة أخيه قبل أن يتزوج، وبعدما أسند رأسه على ذراعيه، متكئًا على الوسادة، أخذ يحادث نفسه قائلًا، إنني سعيدٌ جدا لأنني بذلك المبلغ من المال سأتزوج ابنة عمي في أقرب فرصة، ولكن يا لأخي المسكين، لديه زوجة وثلاثة أبناء، إنه لا يتحمل أعباء الحياة، ريثما تشرق الشمس سأذهب له داره وأعطيه ما معي من مال ولا يهم أن يتأخر زواجي،،

تلاقت أنوار الحب المنبعثة من قلب الأخ الثاني، مع ضوء القمر الذي كان منذ قليل بنافذة أخيه الأول، وعلى وسادة مشابهة ومشاعر متقاربة، بات الرجل يفكر محدثا نفسه، إنني سعيد جدا بأن كلل الله – سبحانه وتعالى- جهدينا بذلك المحصول الوفير، وسأحقق لأولادي ما يتمنون، ولكن.. لي أخ بالدنيا مقبل على الزواج وفي حاجة ماسة لتجهيز بيته بغرض الزواج، حينما تشرق الشمس سأذهب لدار أخي وأعطيه ما معي من مال، وفي المرة القادمة سأمنح أولادي ما أرادوا،،

استيقظت الشمس مبكرًا لتحيط بدفئها من ينتظرونها، وحينما استنار الكون، سار كل أخٍ في طريقه للآخر، وعلى عجَلٍ تلاقا “في منتصف الطريق“، فابتسم كلاهما لأخيه، وأخرج صُرة المال ومنحها للآخر، تلاقت النظرات وقد انهمرت دموعهما مشوشة الرؤية بالعين، ليرى كل منهما أخيه بقلبه وهو يقول له “أنت أخي حقًّا”..

مَنْ هناك بانتظارك أنت في منتصف الطريق؟!.. لا ليمنحك مزيدا من العطاء؛ بل فقط ليرد لك نفس مشاعرك.. مَنْ هناك في منتصف الطريق يشعر بك وبما تكنه داخلك من أحاسيس، لا ينتظرك ريثما تقابله لتحكي له، بل يتسابق الخُطى ليلقاك.. مَنْ هناك بانتظارك في منتصف الطريق ليمنحك وقته ولا يطالبك بالثمن، مَنْ يبني لك موطنًا حتى إذا ضللت الطريق استظلك بظله؟!..

إذا كنت من السعداء؛ حتما ستجد ذلك الشخص بانتظارك وعلى قارعة الطريق.. لن يتركك أبدا لتحيد عن مسارك.. إنه الشخص الذي يشعر بما تشعر به، ينشُط حدسه لكي يستطيع التنبؤ بما يشغلك من هموم، يمنح عقله وقتًا ليفكر فيك وفي حالك، ربما أنت في ضيق فيحاول مساعدتك، ستجده أسعد حالا لوجودك بحياته، ستُراهُ سعيدًا حينما تسعد، مؤازرًا حينما تحزن،،

سِر حتى منتصف الطريق، وحينها تمهل قليلا ربما تجد ذلك المُنْتَظِر، فإن وجدته فأنت الأكثر حظًّا في ذلك العالم، وإلَّم تجده فابحث داخل ذاتك ربما أنت الذي لم تغرس بالأمس لتحصد اليوم.

اقرأ أيضا للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى