د. ناجح إبراهيم يكتب: يوميات عيادتي (30).. العطاء بلا توقف
• توفي زوجها فجأة وهو في ريعان شبابه في الخامسة والثلاثين من عمره, بدأت رحلة كفاح طويلة وشاقة وممتدة, ترك لها خمسة ذكور وبنت واحدة, كان أكبرهم صلاح عوض عمره 15 عاماً, لم يجد خياراً سوى الجمع بين الدراسة والعمل, انتقل من قريته بمركز طامية بالفيوم للعمل بالمقاولات التي كانت في أوج المهن وقتها, ظل يرتقي من عمل لآخر, ومن مكان لآخر, يعمل تارة في القاهرة وأخرى بالإسكندرية, لم تجد بدأً من تزويجه صيانة له في هذه الغربة, كافح مع أمه ووقف إلي جوارها كما وقفت في ظهره وأنجب اثنين , التحق شقيقاه الأصغر منه مباشرة في العمل معه بالمقاولات , بدأت تعمل هي في القرية في الأرض التي تركها زوجها وهي فدان ونصف فقط, تزرع, تربي الماشية والأغنام, تحلب, تبيع اللبن والسمن, توفر القرش علي الآخر لتدبير مستلزمات المعيشة البسيطة.
• بدأت الحياة تصفو لهم, ولكن لطمة الألم والموت تضربها مرة أخرى فيسقط ابنها في عمله من الدور الرابع وهو بالإسكندرية, فجمعت عليها عدة كوارث موت الفجأة, سقوط, نيابة,بوليس سفر, كارثة كبيرة ومحنة وفاجعة ألمت بها وأصابتها في مقتل وهي تعود بفلذة كبدها وسندها الأساسي مسجي بالأكفان إلي قريتها.
• لملمت جراحها وأكملت مسيرة كفاحها, الأولاد في التعليم والمقاولات معاً وهي في الغيط وأعمال المنزل , زوجت أولادها أتمت مسيرتها , ربت أولادها علي الرجولة والشهامة, رفضت إخراجهم من التعليم, جمعوا بين العمل والكفاح مع التعليم.
• أصابها سرطان الرئة, امتد إلي الغدد الليمفاوية مرض أشقاؤها ثم ماتوا تباعاً فزادها ذلك رهقاً وعنتاً وألماً فوق ألم السرطان, كانت تتأوه ليلاً ونهاراً من آلام السرطان, كانوا يحضرون لها أقوى المسكنات دون جدوى, كان إحضار هذه المسكنات شاقاً, كان أولادها أوفياء معها لم يقصروا معها أبداً, كلهم يعرف قدرها ومكانتها.
• في شدة مرضها لم تقصر في طاعة ربها كانت تصلي الفجر في وقته, كانت كريمة جداً, تعطف علي الفقراء واليتامي بعد أن وسع الله عليها, كافحت أجمل الكفاح وضحت أعظم التضحية وختمت حياتها بالشهادة “المبطون شهيد” والسرطان هو أبرز نموذج لهذا الحديث العظيم.
• كانت أفضل نموذج للأم العظيمة التي لم تسترح يوماً, علمت أولادها الكرامة والعزة والخلق الكريم وجعلتهم قدوة للقرية كلها “العزيزية – طامية” , إنها الحاجة / نجية عبد الله مسعود والدة المرحوم صلاح عوض , والأبناء عيد عوض, أحمد, إبراهيم, عبد الظاهر عوض , والأخيرين لهما مكانة كبيرة في قلبي فلهم مواقف مشرفة معي, وقمة في الوفاء معي في أيام الشدة رحمها الله رحمة واسعة وخالص العزاء لأسرتها الكريمة.