رفعت رشاد يكتب: كن طليعيا.. واغضب
هذه دعوة للغضب.. الغضب الإيجابى، يقدمها الكاتب الكبير رفعت رشاد فى مقال ممتع، يرصد فيه، تاريخ الغضب الإنسانى الذى وجه أصحابه لتغيير وجه الإنسانية والتاريخ، عندما تمردوا على واقعهم، ورفضوه ثم بحثوا عن الأفضل، والأجمل.. هذا نص جميل منشور فى جريدة “الوطن” اليوم الأربعاء 5/24 ،يستحق أن تقرأه لتغضب، ثم توجه طاقة غضبك للتغيير.. إلى الأفضل، وإليكم نص المقال:
ليس كل الغضب شراً.. بعض الغضب نعمة.. غضب السرياليون ورفضوا الواقع فأوجدوا الفن السيريالى.. رأوا أن هناك عالماً آخر غير عالم الهندسة والمنطق والعلم هو عالم الحلم والخيال يمكن أن يكون منجاة للبشرية من أوجاعها ومشكلاتها.
أليس من الحلم والخيال أن يتمنى الإنسان منذ بداياته أن يطير كما تطير النسور والصقور والعصافير!
عاش الإنسان دهوراً يخشى أن يطير فيقع ويصاب أو يموت، لكنه عندما تغلب على خوفه صنع الطائرة وصار يطير وإن كان بغير أجنحة.
كان اختراع السيريالية أمراً مذهلاً للعالم جعل الإنسان ينتبه إلى أنه يستطيع تخفيف آلامه بالهروب إلى خياله وأحلامه عفوياً، وهو ما تبناه فرويد الذى قال إن الأحلام لا يراها الإنسان صدفة، وإنما هى تحقيق لرغبات مكبوتة، سواء كانت مؤلمة أم مفرحة.
غضب هؤلاء جعلهم طليعيين فى منهجهم وفى إبداعهم.
عندما تواجه مشكلة اغضب، لقد غضب مفكرو أوروبا فى أعقاب الحروب فأنتجوا إبداعاً فنياً وأدبياً وأسسوا مدارس جديدة فى الشعر ترجمت سيرياليتهم وتحدثوا عن كل ما هو خيال وحلم، كتب بعضهم قصيدة عن زنجية شقراء مدمجاً ما هو واقع مع ما هو خيال، غاضباً من الواقع، فكان تيارهم متعة وإجابات لتساؤلات كثيرة فى العالم.
يحفل التاريخ بالكثير من القصص عمن غضبوا فغيروا وجه الحياة، لم يغضبوا غضب العنف، وإنما غضبوا على الثبات والركود، فالماء إذا لم يتحرك ركد والعقل إذا لم يغضب ويشتعل تفكيراً جمد وكل ما لا يُستخدم ويتغير يمرض ويموت.
غضب شعراء على مدارس الشعر القديمة فأنتجوا وأبدعوا مناهج شعرية جديدة.
غضب أدباء على كلاسيكيات الأدب القديم فظهرت مدارس جديدة تواكب وتجسّد المتغيرات التى يشهدها العالم.
غضب رسامون على من سبقهم من الرواد فابتكروا مدارس مختلفة.
لو توقف الموسيقيون عن غضبهم لما استمتعنا بروائع النغم وسيمفونيات المبدعين.
لا نذهب بعيداً لو تحدثنا عن الغضب فى مجال الإدارة والتسويق والإعلان.
ما حالنا لو لم يغضب جوبز أو جيتس أو مارك أو غيرهم من مبدعى وسائل التواصل والكمبيوتر؟
كيف أسهم هؤلاء وغيرهم فى تسريع خطوات الإنسان فى اتجاه التقارب والتواصل وجعل العالم حجرة صغيرة، متجاوزاً كونه قرية.
عندما غضب مبدعو الإدارة تايلور ودركر وبورتر وغيرهم أوجدوا طرقاً لتعظيم الإنتاج وتحسين الجودة وتسهيل وصول السلع للفرد فى كل مكان، وربحت الشركات والدول.
غضب كوتلر وأقرانه من خبراء التسويق على الطرق العتيقة فى التسويق، فكانت ثورة تسويقية هائلة، وصار التسويق علماً متميزاً يدرسه المبدعون ويطورونه يوماً بعد يوم.
ماذا عن الإعلانات؟
كيف صارت الإعلانات بهذا الشكل من التأثير والتشويق وأصبحت مجالاً للربح العالى تتعامل فيه الشركات والوكالات بمليارات الدولارات ويعمل فيه ملايين الأفراد.
لم يكن علم وفن الإعلان موجوداً من قبل، لكنه صار حقيقة، لأن هناك من غضب على الركود السلعى وأراد أن يروج له.الأمثلة لا تُحصى، الغضب الحميد نافع للأفراد والمجتمع.
فى بلدنا أتمنى أن يغضب كل مواطن فى موقعه، فيغضب موظف المحليات من انتشار القمامة ويهب لحل المشكلة ويغضب رجل المرافق من فوضى الشوارع ويعمل على إعادتها إلى رونقها القديم، أتمنى أن يغضب كل منا فى موقعه غضباً حميداً نافعاً يحسّن حياتنا ويدفع بمجتمعنا إلى الأمام.