أسماء خليل تكتب: التنازل التدريجي
بيان
بعيدًا عن المعتقدات الدينية وتفاسير الفقه والشريعة، هناك بعضٌ من الفِكَرِ داخل كل إنسان بالعالم، تُرَاهُ متشبسًا بها.. مُدافعًا عنها .. ربما يحارب مُخالفيها بالمرصاد.. مُتهمًا إياهم إما بالرجعية.. أو بالتقدمية الانحلالية،،
وفجأةً .. وبدون سابق إنذار؛ تجد الشخص نفسه، الجالس في ذلك الركن الحصين ومعه ما يدينُ به من آراء؛ في طريقه للتنازل تارةً فتارة بما كان من المُحال التزعزع عنه.. حقًّا ستندهش،،
وما البأس في كون المرء يتغير؟!.. لا بأس؛ فالتغير سمة الحياة؛ فعنْ أَبي هُريْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ”مَنْ حلَف عَلَى يَمِينٍ فَرأَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، ولْيَفْعَل الَّذِي هُوَ خَيْرٌ“… ولكن هؤلاء كانوا متشبسين محاربين لما يعتقدون فيه، وهنا وجه الغرابة !!..
إذن ما دواعي ذلك التنازل التدريجي؟!.. إنه بالمقدمة سوء فهم للحياة من البداية.. للكون.. للأرض التي تتغير بدورانها حول نفسها وحول الشمس، فكيف يظن هؤلاء أنهم راسخون في ثباتهم على آرائهم ومعتقداتهم ولن يتغيروا يومًا !..
وثاني تلك الأسباب – وذلك عن طريق الملاحظة – عدم مرور الشخص بنفس التجربة والمعيشة داخل التجربة نفسها التي يُدافع عنها غيره.. إنه يكتفي لسنوات بالتنظير وفقط، ويقوم بتوجيه من حوله بما يتراءى له من مبادئ وشعارات داخل نفسه..
فربما في طريقك بالحياة، تمر بمشكلة عصيبة تكاد تفتك بك، وسرعان ما تلتجئ لمن هو أكثر منك خبرة لتسأله، فتجده وبكل هدوء، يرد عليك وهو متكئًا على أريكته متشابك الأيدي قائلا: لا بأس تَحَمَّل بكل جلد وقوة وصبر، ليشعرك أن ما تمر به من ظلم هو شيء عادي، فتتحمل وربما تمرض، وما يجعلك تتهكم مستنكرا هو حينما يمر ذلك الناصح بنفس التجربة؛ فتجده يظل متنازلا بشكل تدريجي عن كل ما نصح به غيره، ولا يتحمل ما أمر الناس بتحمله،،
تحضرني حكاية جارٌ لنا، كان من أشد المتمسكين بما يؤمن به، تمسكًا لا يخفى على أحد، كان يرفض“ الواسطة” رفضًا تامًّا، وتتبدى ردود أفعاله يومًا بعد يوم بوقوع أحد جيراننا تحت طائلة وطأة مقصلته، التي لا ترحم أحدًا؛ فياحبذا إذا علم أن أحدًا سيفعل ذلك!!..يظل يحاربه بأقوى الإيمان وأضعفه،،
وبعد مرور السنوات، وحينما كبر أولاده؛ وجد الجميع تبريراته الغير مقنعة؛ ليتوسط لابنه الأكبر بالعمل في أحد المؤسسات الحكومية، وما برح مُعلِّلًا ما فعل بأن ذلك الابن له ظروف خاصة، وتتوالى التنازلات حتى أن ابنته الصغرى قامت بالحصول على فرصة عمل ليست من حقها إطلاقا، وما زال الرجل يتنازل،،
إذا كانت الديمومة في كثير من الأشياء وردود الأفعال مستحيلة، وخاصة في التعامل بين البشر، فلماذا يعتقد الإنسان أن ما بداخله مما يُسميها رواسخ لن تتغير أبدًا،،
كثير من البشر يتحدثون ويدافعون عن قضايا ليسوا خصمًا بها، ويحكمون على أصحابها بالسجن الروحي المشدد، ولكن حين امتثالهم أمام محاكم الدنيا كطرف في أحد القضايا؛ ما لبثوا يُبرءون أنفسهم رغم ثبوت الأدلة عليهم وشهادة الشهود،،
حينما تُقدم حلًّا للآخرين، لا تنصحهم بما لم تمر به وتعيشه، فالمجتمع بحاجة لأشخاصٍ عاشوا التجربة، جربوا بأنفسهم ما سيخبرون به الناس، لن يتنازلوا يومًا، سينقلون الخبرة وكأنهم يعيشون نفس الحالة.
اقرأ أيضا للكاتبة:
– أسماء خليل تكتب: في منتصف الطريق