رفعت رشاد يكتب: حريات أجمل أبيات الشعر العربي
عرفنا مما وصل إلينا من الشعر العربى كيف كانوا يعيشون وكيف كانت تقاليدهم وعاداتهم.
وصف الشعر تفاصيل الحياة البدوية قبل اتباع التدوين وظهور فنون أخرى للكتابة عن الحياة فى البيئة العربية وفى الدولة الإسلامية بعد ذلك.
كان العربى يرجع إلى الشاعر ليتعرف على القيم الأخلاقية المفضلة.
لا يرجع العربى إلى الفيلسوف أو إلى الزعيم أو إلى الباحث، ففى الشعر العربى تنويه وتعريف بكل صفة من صفات المروءة والفتوة وازدراء العيوب وبيان كامل بالأخلاق التى تحكم الحياة أو ينبغى أن تحكمها.
يرجع العربى إلى الشاعر ليجد عنده شيئاً أصح وأقرب إلى حسه وفهمه وعمله.
يقول عباس محمود العقاد: إن لدى الشاعر شخصيات حية تتمثل فى كل منها صورة من صور الحياة كما هى أو كما يتمناها.
كما أن اللغة العربية توصف بأنها لغة شعرية مقبولة من السامع يستريح لها كما يستريح إلى النَّظم المرتل والكلم الموزون.
وهى لغة يتلاقى فيها تعبير الحقيقة وتعبير المجاز على نحو لا يوجد فى سائر اللغات الأخرى.
وقد اخترت فى مقالى هذا مجموعة من أبيات الشعر من مختلف العصور تعبر عن مواقف تصويرية عديدة سجلها الشعراء على مدى زمنى طويل عن الشجاعة والغزل والحرب والفخر وكل أنشطة الحياة.
أجمع شعراء العرب القدامى أن أرق بيت ما قاله امرؤ القيس: وما ذرفت عيناك إلا لتضربى.. بسهميك فى أعشار قلب مقتل.
وعن أمدح بيت، قالوا شعر زهير بن أبى سلمى: تراه إذا ما جئته متهللا.. كأنك تعطيه الذى أنت سائله.
وأنشد «النابغة» مخاطباً الملك النعمان: فإنك شمس والملوك كواكب.. إذا طلعت لم يبد منهن كوكب.
وقال «أبونواس»: إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت.. له عن عدو فى ثياب صديق.
كما قال أبونواس أيضاً: دع المساجد للعباد تسكنها.. وطف بنا حول خمار ليسقينا.. ما قال ربك ويل للذين سكروا.. ولكن قال ويل للمصلينا.
وقال أوس بن حجر فى الرثاء: أيتها النفس أجملى جزعا.. إن الذى تحذرين قد وقعا.
وفى الهجاء قال الأعشى: تبيتون فى المشتى ملاء بطونكم.. وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا.
وقال بشار بن برد فى الغزل: أنا والله أشتهى سحر عينيك.. وأخشى مصارع العشاق.
وقال أبوالعتاهية مادحاً الخليفة المهدى: أتته الخلافة منقادة.. إليه تجر أذيالها.. فلم تك تصلح إلا له.. ولم يك يصلح إلا لها.
ويقول أبوتمام عن الكرم: تعود بسط الكف حتى لو أنه.. ثناها بقبض لم تطعه أنامله.. وإن لم يكن فى كفه غير روحه.. لجاد بها، فليتق الله سائله.
ويقول المتنبى: أزورهم وسواد الليل يشفع لى.. وأنثنى وبياض الصبح يغرى بى.
وقال أيضاً: وما الحسن فى وجه الفتى شرف له.. إذا لم يكن فى فعله والخلائق.
إن ديوان العرب زاخر بالصفحات والقصائد والأبيات، لكنى أختم بهذا البيت: يموت ردىء الشعر من قبل أهله.. وجيده يبقى وإن مات قائله.