اليوم الخميس 6/8 بداية الشهر العاشر من السنة القبطية.. بؤونة شهر الانقلاب الشمسى
كتب: إسلام فليفل
التقلبات الجوية، وارتفاع درجات الحرارة بشكل يشعر بها الجميع، هى سمات هذا الوقت من العام، حيث بدأ اليوم شهر بؤونة، وهو الشهر العاشر فى السنة القبطية (حسب التقويم المصرى القديم) والذى ياتى ما بين شهرى يونيو ويوليو من كل عام.
وتميز المصريون القدماء بالتقويم القبطى، والتصقوا به عبر تاريخهم الطويل الممتد لآلاف السنين، وكانوا يسيرون عليه، ويستهدون فيه بحركة الشمس، لذلك عرف أيضا بالتقويم الشمسى ويتكون من ١٢ شهرا اعتمادا على حركة دوران الشمس، ويحتفل به المصريون بداية كل عام مع بداية السنة القبطية الثابتة مع مطلع شهر “توت”.
وعرف المصريون هذا التقويم، واهتدوا به فى أمور حياتهم المختلفة، وخاصة فى الزراعة، قبل التقويم الميلادى الذى ارتبط بالسيد المسيح عليه السلام، وأيضا قبل التقويم الهجرى الاسلامى الذى تم الأخذ به استنادا إلى بداية هجرة النبى محمد عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة.
ويوافق التقويم الميلادى لهذا العام (2023) التقويم القبطى لعام (٦٢٦٤) ويعد التقويمان امتدادًا لبعضهما البعض.
يبلغ عدد شهور السنة القبطية ١٢ شهرًا و “شهر صغير” يسمى النسيىء، وكانت خاصة بأعياد بعض الآلهة فى مصر القديمة، وتكمل أيام السنة، وربما كان أصل كلمة “نسيىء” هو “نسيت”.
اشتقاقات الأسماء
واشتقت أسماء شهور السنة القبطية من التقويم المصرى القديم، وهى بالترتيب:
“١ توت – ٢ بابه – ٣ هاتور – ٤ كهيك – ٥ طوبة – ٦ أمشير – ٧ برمهات – ٨ برمودة – ٩ بشنس – ١٠ بؤونة – ١١ أبيب – ١٢ مسرى”.
والأصل فى غالبية تلك الأسماء هو أصل مصرى قديم، وتم تحويرها قليلاً بمرور الوقت.
وتمثل أهمية شهور هذا التقويم فى ترتيب الاحتفال بالأعياد القبطية، المختلفة، كذلك يستخدمه الفلاحون المصريون فى حياتهم لارتباطها بالزراعة: من فيضان النيل، وقلة منسوبه، إلى زراعة المحاصيل، ثم حصادها.
وحتى الآن يستذكر المصريون من أهالينا فى الريف، تلك الشهور ويحفظونها عن ظهر قلب ويتوارثون حفظها دائما لأنها تمس حياتهم الزراعية وهذا يدل على عمق جذور التاريخ المصرى الممتد لآلاف السنين، فى الذاكرة الجمعية، ووجدان المصريين..
ليست مجرد أمثال شعبية
وهناك من الأمثال الداركة التى نسمعها، ونرددها، وخاصة فى الريف وهم يتولون أعمالهم المرتبطة بالزراعة، حيث تمثل لهم خريطة، ودستور يسيرون عليه، وليس مجرد كلمات موزونة للحكمة، ومن هذه الأمثال الآتى :
“توت.. إروى ولا تفوت” ، أى أن الرى الكثير لا يضر بالأرض.
“بابه.. خش واقفل الدراسة” أى أغلق الأبواب والمنافذ بإحكام لاستقبال البرد مع بدايات مقدم الشتاء ومظاهره فى فصل الخريف.
“هاتور.. أبو الدهب منثور” أى أن اصفرار محصول القمح فى الغيطان مع اقتراب وقت حصاده، وأيضًا يقال “إن فاتك هاتور، اصبر لما السنة تدور”.
“كيهك.. صباحك مساك شيل إيدك من غداك وحطها فى عشاك”، ويأتى هذا المثل للإيحاء بقصر ساعات النهار فى تلك الفترة من العام.
“طوبة.. تخلى الشابة كركوبة”، أى من شدة البرد تصبح البنت الشابة عجوزًا، منكمشة أعضائها، لتحصل على الدفء الذاتى غير الموجود فى الجو.
“أمشير.. يفصص الجسم نسير نسير”، وأمشير المعروف بأبو الزعابيب، ورياح ذلك الشهر العاتية تصبح خطرًا كبيرًا يمزق الأجسام، ويُعرف شهر أمشير شعبيًا بـ”أبوالزعابيب”، نظرًا لتقلباته المستمرة التى قد تصيب الجهاز التنفسى، والجيوب الأنفية بالذات، نتيجة إثارة الرياح للأتربة، والغبار.
“برمهات.. روح الغيط وهات” ، أى اذهب إلى الحقل، واحصل على ما لذ وطاب من ثمار المحاصيل المصرية اللذيذة، فهو شهر بداية الحصاد.
ويأتى بعد شهر “برمهات” شهر “برمودة” واسمه نسبة إلى إله الحصاد الفرعونى (رنودة)، ويقولون: “برمودة.. دق العامود”، أى تجهيز القمح للدرس أو تذرية حبوبه بعد وقت الحصاد، وكان يتم نصب عمود وسط “الجرن” فى الريف المصرى لذلك الغرض.
“بشنس.. يكنس الأرض كنس”، أى أنه بعد موسم الحصاد، تخلو الحقول من آثار الزراعة والحبوب وغيرها.
أطول “نهار فى العام”
ونصل إلى شهر مميز بين الشهور القبطية، وهو شهر بؤونة، وأشهر الأمثال التى قيلت فيه: “بؤونة.. تنشف الميه من الماعون”، أى تجف المياه فى الأوانى من أثر الحر الشديد، وبؤونة نقل وتخزين المؤونة فهو شهر نقل وتخزين المؤونة.
واليوم الخميس 2023/6/8 هو أول أيام شهر بؤونة وهو الشهر العاشر من السنة القبطية. ويبدأ – بالتزامن مع التقويم الميلادي – من 8 يونيو إلى 7 يوليو.
بؤونة هو أشد شهور السنة حرارة، ويبدأ فصل الصيف فى منتصفه تقريبا (يوم 14 بؤونة) طبقا للتقويم القبطي.
ويشهد هذا الشهر أطول يوم للنهار، والمعروف بيوم الانقلاب الشمسى، وتبلغ ساعات النهار فيه: 14 ساعة و 5 دقائق.
الانقلاب الشمسى
والانقلاب الشمسى الصيفى هو حدث فلكى بالنسبة للأرض، ويحدث الانقلاب الصيفي يكون ميلان محورها نحو الشمس بدرجة أقصاها 23.44° (لذلك فإن ميل الشمس عن خط الاستواء السماوي يبلغ °23.44+ في سماء النصف الشمالي بين 20 و22 يونيو من كل عام، وذلك حسب التذبذب في التقويم، وتبلغ الشمس ارتفاعها الأقصى من السنة أثناء الانقلاب الصيفي.
وكما أسلفنا يشهد يوم الانقلاب أطول فترة من ضوء الشمس خلال النهار، باستثناء المناطق القطبية، حيث تبقى الشمس 24 ساعة متواصلة كل يوم لمدة تتراوح ما بين عدة أيام إلى 6 أشهر حول الانقلاب الصيفي.
وبسبب الحرارة الشديدة خلال هذا الشهر، كان المصريون القدماء يقولون إنه تستوي فيه المعادن والأحجار ولذا يسميه العامة (بؤونة الحجر) نسبة لشدة القيظ، ويقال عنه أيضا في الأمثال: “بؤونة.. تكتر فيه الحرارة الملعونة”.
الشهر قبل الأخير
ونصل إلى شهر أبيب، وهو الشهر قبل الأخير فى التقويم القبطى، وأشهر الأمثلة التى ارتبطت به: “أبيب.. فيه العنب يطيب”، أى أنه شهر حصاد العنب المصرى لذيذ الطعم وطيب الشكل، وعند المصريين القدماء ارتبط هذا الشهر فى التقويم القبطى، بعيد الإلهة أبيبى عند الفراعنة القدماء.
مسرى .. فيضان النيل
ويأتى الشهر الأخير هو مسرى، شهر فيضان النيل، لذلك يقولون فيه: “مسرى.. تجرى فيه كل ترعة عسرة”، أى تزيد مياه فيضان نهر النيل الخالد، فتغمر حتى القنوات الصغيرة التى كانت جافة طوال السنة فى مصر
والغريب أن هذا الشهر اشتهر عند الفلاحين المصريين منذ عقود طويلة بأن الحمير تتكاثر أو تموت فيه بشكل كبير.