إسلام كمال يكتب: هل دفع المجند محمد صلاح ثمن شئ هو نفسه لا يعرفه؟!
بيان
اسمحوا لى نقطة نظام للتفكير دون تهويل أو تهوين، وأعرف أن كلامى لن يرضى الكثيرون من كل الأطراف، لكن ربى يعلم نيتى:
المجند محمد صلاح إبراهيم الدسوقى، هو وفق البيان المصرى الرسمى، عنصر تأمين اخترق الحدود فى مطاردة لمهربى مخدرات، إذا ، لماذا لم يتم دفنه والعزاء فيه بشكل لائق؟!
هل هذا مطلب إسرائيلى، كما روج بعض الإعلام الاسرائيلي؟!
أم إنه عدم تلميع متعمد لخطأ ما اقترفه المجند، وهو تجاوز الحدود لمدة ومسافة طويلة، لأن هذا يدفع أخرين لتقليده؟!
………………..
في المنحى الأول، أنا أتحفظ عليه بالطبع، خاصة إن الكل يقارن بجنازات القتلى الثلاثة في الطرف الآخر!
وفي المنحى الثانى، أنا معه جدا، لأن محمد صلاح عنصر في منظومة، أى خطأ، يتعلق في رقبة المنظومة، وبالتالى يجب التعامل معه بمنتهى الحسم، لكن بدفنة مقبولة وعزاء مقبول.
ومهما كانت الرواية المصرية الرسمية، التى دافعت عنه، وعن المنظومة، إلا إنه يظل هناك علامات استفهام كثيرة، لن يحيب عنها إلا محمد رحمه الله.
لماذا لم يعد بعد قنص المجندة والمجند؟!، وقتها كان الأمر سينتهى بتحقيق ومحاكمة سريعة، تنتهى بحكم مع إيقاف التنفيذ، تقديرا للموقف فقط، والنظام والتنظيم والمنظومة، لأن هذه دولة كبيرة، وهناك قوانين دولية، ولسنا كيان معربد كإسرائيل، خاصة أن إسرائيل نفسها، أعلنت عن عملية التهريب وإحباطها قبل حادث محمد بوقت وجيز.
………………..
بالمناسبة، داعش أعلن مسئوليته عن الحادث بعد أربعة أيام من وقوعه، وكان مشهدا هزليا مفضوحا، وإسرائيل نفسها لم تستغله، لأنها تعرف إنها قضية خاسرة، فمحمد ليست له ميولا لا دينية ولا سياسية، وإلا لماذا انتظر التنظيم الإرهابي ، كل هذا الوقت ليعلن مسئوليته.. وبالتالى فهذه النقطة منهية.
وتخاريف صهاينة إسرائيل من نوعية إيدى كوهين ومهدى قطب ورونا وأفخاى درعى ومائير مصرى وروعى كيس وغيرهم، مفضوحة هى الأخرى لا تقل عن أكاذيب داعش فجاجة.
وأيضا تخاريف صهاينة الإسلام ، الإخوان، حول دخول جنود وقطع ومقاتلات إسرائيلية لسيناء للتمشيط، دون حتى تنسيق، كله كلام للتهييج، ومحمد نفسه كان يكرههم، وفق المقربين له.
………………..
بالتالى، كل هذه القصص المختلقة المهيجة، التى للأسف كالعادة تركنا لهم الميدان ليحتلوه، دون أى تدخل نوعى منا، لم يتفاعل معها الرأى العام المصرى، إلا بشكل إيجابي، لكن من المزعج أن يتحول كلام الصهاينة من كل أنواعهم المسلمين واليهود، تريندات في مصر، لأننا تركنا الساحة لهم، والرأى العام هو الذى كان يرد فقط، فهل هذا البعد كان مقصودا، لأغراض ما؟!
………………..
عموما، هذا جلب لنا أمور إيجابية وسلبية، منها أن محمد صلاح تحول لبطل قومى، ومن غير المستبعد أن يكون قد أهل البعض لتقليده، خاصة مع رواية غير مسندة، مروج لها من كل الأطراف الإسرائيلية والإخوانية، حتى وصلت أهالى قريته البسطاء، حول أنه كان ينتقم لزميل له.
وبالتالى، كان هناك انتقادا شعبيا واسع النطاق لفكرة الدفن السريع في المساء بحضور قليل، بخلاف منع أى عزاء له، وهى مواقف استغلها الإخوان والأعداء عموما، والإعلام العربى والغربى للترويج ضدنا، فخسرنا فى هذه النقطة كثيرا، وكان يجب التعامل معها بشكل أكثر احترافية على صعوبتها بالتأكيد، فالسيطرة على مواقف عاطفية بشعور وطنى قومى وأمور أخرى، صعب جدا.
………………..
لكنى فقط أذكركم إننا عندما تعاملنا معهم بمنتهى الدهاء، من خلال البيان الأول للمتحدث العسكرى، وبعده بيان مكالمة وزير الدفاع، وبعده بيان اتصال نتنياهو بالرئيس السيسى، كسبنا كثيرا على الأرض، وفي مواجهتهم.
فهذه السطور القليلة التى تتجاوز ثلاثين سطر تقريبا، أكسبتنا مساحات جيدة، حتى إنهم تخبطوا من عبارة، “نقدم التعزية للطرفين”، التى قالها بيان اتصال وزير الدفاع المصرى لنظيره الإسرائيلي، وتساءلوا في تل أبيب عن المساواة بين القتلى والمنفذ، لكن الفكرة وفق تحليلى، إن مصر لا تتهرب من الاعتراف بالخطأ لكنها أيضا، لن تترك رجلها مهما كانت فعلته وخطأه، في تجاوز الحدود بشكل غامض كهذا لمسافة كبيرة ووقت طويل، حتى بعد الإعلان عن القبض على مهربى المخدرات.
وبالتالى كانت التعزية للطرفين، وكانت هذه عبارة احترافية جدا، توقفت عندها طويلا، فور الإطلاع عليها، وقبل حتى إثارة الجدل حولها.
وأتصور ، لو كنا أكملنا على هذا المنوال الاحترافى، كان النجاح سيكون أكبر بكثير لنا، مقارنة بترك الساحة لهم.
وبالمناسبة، نحن تطورنا في صياغة البيانات بدهاء على قلتها أساسا، وكان دليلا على ذلك، صياغة البيان الرئاسى، الذي كان منتبها لكل كلمة، ومنها نقطة العزاء، فلم يتضمن البيان أى شئ عنه، لكن الإسرائيليون ادعوا ذلك، ليقولوا ما يحلوا لهم، خاصة إن رئيس الوزراء الإسرائيلي هو المبادر بالاتصال وليس نحن.
القصة وما فيها، إجمالا أن مصر على دقة الموقف وصعوبة الحادث وفق القوانين الدولية والموقف السياسي وتطورات ما بعد، فإنها نجحت بشكل كبير، وظهر ذلك في إنهم لم يستطيعوا مناطحتنا.
مهما كانت الكواليس ففى النهاية حصلنا على جثة عنصر التأمين المصرى خلال أقل من ٤٨ ساعة، ولو كان هذا في إطار مصلحة متبادلة، أن أكرم إبنى مقابل أن أحد من مظاهر دفنه وعزاءه، فهذا أعز له بالتأكيد، وبالطبع لنا.
………………..
أنا هنا لا أبرر، ولا أريد تمرير موقف ما، بل أحلل بشكل اجتهادى لما فيه صالح محمد وصالح مصر، وهو أمر واحد في العموم بالطبع، فالحصول على جثة محمد قبل التمثيل بها، أمر ضرورى وأهم من شئ أخر، حيث بدأوا في معاملة غير لائقة وفق الواضح في صورة وزعوها فور الحادث، حيث خلعوا ثيابه، وابقوه شبه عارى بملابس داخلية، وطبعا ستكون حجتهم التحقيق، فهل من الأكرم لمحمد ولنا جميعا أن نقتنص منهم جثته، أم لا، مقابل تحجيم الدفنة والعزاء، حتى لو كان هذا صحيحا، فليست عندى معلومة كاملة، ومن الممكن أن يكون التحجيم تنظيميا، حتى لا تخرج الأمور عن السياق في أجواء عاطفية وطنية.
ومن المهم ألا يتحول محمد لمصدر فخر في إطار ما، لأننا جيش نظامى، ومحمد كان يقوم بدوره وفق البيان الذي دافع عنه وعنا، لكن لماذا استمر كل هذا الوقت هناك وسار كل هذه المسافة، ولماذا لم يعد فور انهاء مهمته، وقتل اثنين لا يعرف إن كانا عنصرى تهريب أم لا ؟!
………………..
في سياق أخر، وبعيدا عن الأزمة الداخلية المتصاعدة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية على مختلف الأنحاء، فيكفى أن تعلموا ، وأشرت إلى ذلك في عدة ظهورات ومداخلات تلفزيونية وإذاعية لى مصرية وعربية ودولية وخاصة بعرب ٤٨، إن هذا الحادث جاء خلال تنفيذ الجيش الإسرائيلي لمناورة يتباهى بها دوليا، أسمها الضربة القاضية، وتستهدف حرب متعددة الجبهات، لم تشر للجبهة المصرية منها صراحة ، وكانت تركز على عزل الجبهات، في عملية مشابهة لمواجهة أى حرب متعددة كما حدث لهم في أكتوبر ٧٣ من المصريين والسوريين.
فتصوروا ، أن محمد صلاح جاء ليقتل كل هذا لهم بشكل مباشر، ببندقية آلية قديمة، أكبر من سنه هو شخصيا على الأقل، وبحوالى ١٠٠ رصاصة، وبتدريب متوسط، لكن نتائجه هائلة، وما بالكم لو تكمن محمد من قنص العميد الذى أصابه بالفعل في ذراعه قبل أن يحيده هذا العميد، ليستشهد محمد.
………………..
وبالتالى، وسط كل هذه التعقدات، التى لم نذكر إلا القليل منها، لكنه الأكثر تأثيرا، خاصة لو ربطناها بحادث اختراق لعنصر لبنانى انتهى بتفجير في مستوطنة بالشمال منذ شهرين تقريبا، بخلاف طبعا عدم سيطرتهم على الفلسطينيين في غزة والضفة والعمق، رغم كل هذا العنف والدموية، وكل هذه التكنولوجيا والعتاد.. بالتالى فهم “زيرو” ردع.
وسط هذا كله، إسرائيل لم تستطع مناطحة مصر، وكانت كل تصريحاتها هادئة، وتؤكد على أن الحادث على بشاعته وقوته، لن يؤثر على العلاقات المصرية الإسرائيلية، والتنسيق الأمنى المصرى الإسرائيلي المتكامل منذ فترة طويلة.
لم تكن سوى بعص الخروج عن النص، بالإصرار على محمد بإنه مخرب أو إرهابى، رغم الرواية الرسمية المصرية، وهذا ضد التنسيق المتبادل، مع بعض التجاوزات في التصريحات من قبل نائبين بالليكود، والإعلام الذى ركز على ترجمة ردود الفعل على السوشيال ميديا المصرية، واعتبروها مؤشر لعدم وجود سلام حقيقى بين مصر وإسرائيل طوال هذه الفترة!
………………..
ولا يمكن أن ننكر إنه لولا التنسيق الإسرائيلي بتوافق أمريكى، والذى ضرب عرض الحائط بالترتيبات الضيقة في كامب ديفيد في هذه المنطقة، لأثر ذلك على حربنا ضد الإرهاب في سيناء، فمقاتلاتنا الأف ١٦ ومروحيات الأباتشي والدبابات والمدرعات، كانت تدخل في هذه المناطق بسهولة، والتى تحجمها المعاهدة في هذه المنطقة المدعوة “ج”، حتى أن إسرائيل اشتكت في بعض المواقف من تجاوز المقاتلات المصرية للحدود.. وكان هذا مرعبا بالنسبة لهم.
………………..
وعندما، كانت تحاول إسرائيل العودة للترتيبات القديمة عدة مرات، بعد الانتهاء من حربنا ضد الإرهاب ، كنا نطالب بالإبقاء على المكتسبات في إطار حربنا ضد الإرهاب، الذى مهما قلت مؤشراته، فمن الممكن أن يطل برأسه من جديد
………………..
ما يثير الدهشة والريبة، بالنسبة لى أن إسرائيل قبلت أن تروج قصص غير أخلاقية عن مجنديها، وهم قتلى، حيث كان لموفد قناة ١٤ الإسرائيلية ،ايماءات حول أن المجندة القتيلة ليلة بن نون، كانت في وضع جنسى مع صديقها المجند ، الذى قنصهما محمد في البداية.
وطبعا إسرائيل أخفت أى تفاصيل عن نوع إصابتهما إلا إنها كانت في الجزء العلوى ولم يردا عليه لأنهما لم يراه أساسا، فلماذا قبلت إسرائيل التى تقدر جنودها جدا لحد مبالغ فيه، هذه الترديدات غير الأخلاقية ، خاصة أنها في وقت الخدمة، وبعد وقت وجيز من الإعلان عن القبض على شحنة مخدرات كان يتم تهريبها بحوالى ٢،٥ مليون شيكل، أى حوالى ٣٠٠ ألف دولار، وفق الرواية الإسرائيلية ، فهل كان هذا أسلوب احتفالهما؟! .
إذا وماذا عن الأموال التى تردد أنها كانت فى سيارات الدورية ؟!.. وبالمناسبة، مراسل القناة الإسرائيلية اعتذر عن هذا التصور ونفاه بالمرة فيما بعد، عقب أن قاد المتدينون ضد المجندة حملة ساخنة لدرجة أنهم أخفوا صورها، وتساءلوا عن مغبة خدمة المجندات مع المجندين، ولمدة ١٢ ساعة، والغريب إنهم تساءلوا فقط الآن، رغم أن جيش الاحتلال مشهور بحالات الاغتصاب والتحرش والابتزاز الجنسى.
………………..
هناك حالة من الغموض في هذه التفاصيل، ولماذا رغم كل التكنولوجيا والنجاح المروج له إسرائيليا في نطاق إحباط عمليات تهريب المخدرات، فهم يعلنون تقريبا عن خبر إحباط أسبوعى، فلماذا لم يتم رصد غياب مجنديهما ولماذا انتظروا على انقطاع التواصل معهما كل هذا الوقت، وأين أساسا المهربون الذين أعلنوا عنهم والشحنة، التى كانت سبب الحادث من البداية، كل هذه تفاصيل نريد أن نعرفها، ويسلموا لنا تفاصيلها، كما طلبوا منا تفاصيل ما منها ما هو عن محمد وأسرته، وفق ما روجوا، في إطار التنسيق والتحقيق المتبادل.
………………..
إجمالا، إسرائيل من مصلحتها أن تنهى الأمر بشكل أو آخر، وأتصور إنها تزيد أنشطتها الداخلية والسياسية وضد الفلسطينيين، لتوجيه الأنظار عن الحادث، حتى أن نتنياهو هدد المعارضة بنهاية إسرائيل في خضم المظاهرات المتواصلة على خلفية “مذبحة القضاء” لديهم بحرب أهلية غير مستبعدة، فقط في إطار توجيه الانظار وفق رؤيتى.
………………..
لكننا نترقب النتيحة النهائية للتحقيقات، التى أمدوها لمطلع الأسبوع، بعدما كان المقرر لها الخميس، وهم لايزالوا مصرون على إدانتهم لمحمد بالتخطيط والتعمد والتربص، ولا يعتبروه عملا عملياتيا بالصدفة تفاعل فيه مع عملية تهريب المخدرات المعلنة، والتى أخفت تفاصيلها إسرائيل بعد ذلك، رغم البيان الرسمى المصرى، وهذا في حد ذاته ضرب للتنسيق الأمنى المتبادل، يجب الوقوف أمامه.
………………..
رحمك الله يامحمد، وأتمنى آلا يكون بيننا محمد جديد، إلا وقت الحرب، كلنا سنكون أكثر من محمد بأضعاف أضعاف، لكن في وقته ومكانه.
ويجب أن يتيقظ أبناءنا على الحدود، لأن هؤلاء المختلون الصهاينة لا شرف ولا أمان لهم، وكثيرا من ارتكبوا جرائم على الحدود ضدنا.
سرك معاك يامحمد يابنى، الله يسامحك ويرحمك، ويقبلك بين الشهداء.
