رفعت رشاد يكتب: أنا وهو والبنات

بيان

حيرنا رفعت رشاد أنه يكتب عن تاريخ الجوابات الغرامية، ولذة اكتشافه الأول للأشياء، كما لو كان يكتب عن اكتشاف الذرة، ويكتب عن الذرة، كما لو كان يكتب أجمل قصيدة حب فى الشعر العربى، وفعلها، واستطاع فى كل الحالات، أن يأسر حواس القارىء حتى أخر سطر وعبارة وكلمة فى مقاله.

والمقال التالى المنشور اليوم السبت فى جريدة “الوطن” عن رحلة أداة التواصل الأولى والأخيرة بين البشر، “الخطاب” فى تطوره التاريخى، وهى رحلة ممتعة مع رشاد، وفى التالى نص المقال:

كان لى وقت الشباب صديق مقرب وسيم الطلعة متعدد العلاقات الغرامية. كان يعرف مدى تأثيره على البنات فيتنقل بين الواحدة والأخرى كما تتنقل الفراشة بين الزهرات. خلال علاقاته المتعددة كان يقع أحياناً فى خلاف مع إحداهن.

وقوعه فى خلاف كان يعنى وقوعى معه فى خلافه، فنحن شركاء فى الحلوة والمرة. لذلك كنت أتحول على الفور إلى كاتب ومؤلف وسيناريست لجواباته التى يرسلها إلى صديقته التى يختلف معها، متسللاً بين سطورها بغرض الصلح.

كان للجوابات ديباجة معتبرة تحتوى على كلمات مؤثرة على الفتاة فتسيطر على عقلها وقلبها وتعود مرة أخرى إلى صديقى.

مرت بى ذكريات الجوابات التى كنا نكتبها ونجتهد لكى تخرج منمقة. من طرائف الذكريات أن كتباً كانت تباع بعنوان: كيف تكتب الرسائل الغرامية، أو أفضل 20 رسالة غرامية، أو كيف تكتب رسالة لحبيبتك.

وكان هناك نوع آخر من الرسائل عن كيفية كتابة رسالة فى العمل وكيفية التخاطب بين الشركات. كانت الرسائل أو الخطابات أو الجوابات هى الطريقة الرسمية للتواصل مع الآخرين.

فى مصر هناك سوق كبيرة للجوابات بأنواعها الكبيرة والصغيرة وكذلك لكروت التهانى والمعايدة وللأظرف بكل أشكالها فى ميدان العتبة.

ومثل كل الأمور فى الدنيا لم تعد هناك حاجة الآن للجوابات. اكتسحت التكنولوجيا مجال التواصل فصارت أدواته أشكالاً وألواناً.

بدأ الأمر فى مجال البزنس باستخدام التيليكس الذى كان فتحاً عظيماً على رجال الأعمال.

فى مصر كانت بنية الاتصالات مهترئة وكان رجال الأعمال يسافرون إلى دولة قريبة لإجراء مكالمات فجاء التيليكس ليحل مشاكلهم. بعدها جاء الفاكس الذى تميز بنقله صورة للخطاب وليس مجرد كتابة مضمون.

حتى ذلك الوقت كان للجوابات مكان فى المواسم والأعياد. كنت أذهب إلى العتبة حيث سوق الكروت والأظرف وأشترى كميات منها خاصة الكارت الصغير والظرف الصغير فلهما وقع جميل على النفوس عند تلقيهما، وكنت أكتب بيدى كلمات قليلة بسيطة لكنها كثيفة المشاعر.

الطريف أننى كنت أكتب لكل صديق أو قريب صيغة تختلف عن الآخر وكأنى كنت أخشى أن يتناقلوا محتويات الكروت، فلا يجب أن تكون متشابهة.

كانت هناك أغانٍ للجوابات نحفظها باعتبارنا – حبِّيبة – ونكتبها لحبيباتنا من البنات. فى أجيال قبلنا كانت أغنية: البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلى، لرجاء عبده، وجاء فريد الأطرش ليقول: بكتب له جوابات وأحكى له.. عن حالى والحال يشكى له. وقال العندليب فى «جواب»: حبيبى الغالى من بعد الأشواق.. بهديك كل سلامى وحنينى وغرامى.

لكن لم تكن كل الجوابات غراميات، فقد وقع خلاف بين محمد عبدو وحبيبته فأبلغنا أنها: جات تاخد رسايلها.. وتدينى جواباتى.. وخصلة من جدايلها. يبدو أن الخلاف بينهما كان عميقاً.

وصنعت السينما فيلماً يعد من علامات الشاشة العربية عن رواية البوسطجى للأديب الكبير يحيى حقى، قامت الرواية والفيلم ودارت كل الأحداث والصراع الدرامى على «جواب».

الآن نتواصل بـ«كليكات» إلكترونية بدون حياة بعدما تعددت وسائل التواصل، هذه الوسائل تبلغ فقط ما يريده طرفا الاتصال، أما حميمية الجواب المعطر الذى كان يتبادله الأحبة فقد ذهبت ولم تعد.

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: «شهرزاد» زوجة مثالية

رفعت رشاد يكتب: تعذيب الأضاحي

زر الذهاب إلى الأعلى