رفعت رشاد يكتب: الثقافة مرة أخرى

بيان

بالفعل، يناقش هذا المقال قضية وطنية تشغل بال جميع المواطنين، كما يقول الكاتب الكبير رفعت رشاد، أحد المثقفين المهمومين، بالانحدار أو الاندحار الثقافى الذى بتنا نعاينه فى مجتمعنا، وأظهر ما يكون أثره فى الأجيال الجديدة، التى يجرى تجريف وعيها، لصالح مشاريع استعمار فكرى جديد، عبر وسائل مرعبة ، لن نستطيع مواجهتها إلا بتحصين العقول، ولا تحصين لعقول فارغة.. وهذا المقال هو بمثابة تشخيص للداء، ونتمنى أن تليه مقالات أخرى تصف الدواء.. وأليكم نص المقال المنشور بصحيفة “الوطن”:

تحتفظ ذاكرتى بزياراتى للمكتبات العامة فى الصغر. كنت أقسّم الوقت بين مكتبة دار الكتب فى باب الخلق ومكتبة شبرا قرب شارع خلوصى ومكتبة الإدارة التعليمية لشمال القاهرة وغيرها.

كان متاحاً استعارة الكتب وإعادتها بعد قراءتها. تذكرت أوقاتاً ممتعة قضيتها بين أرفف المكتبات العامة. كانت لجنة الثقافة والهوية فى الحوار الوطنى، برئاسة الدكتور أحمد زايد، ناقشت أبعاداً أخرى فى الملف الثقافى خاصة بالفن، المسرح والسينما والإعلام التليفزيونى.

استضافت اللجنة عدداً من كبار الفنانين الذين أعربوا عن الأسى لفقدان الكثير من مقوماتنا الثقافية.

لفت انتباهى ما ذكره الفنان محمد صبحى عن التليفزيون، قال إنه كان التليفزيون (العربى) الذى أدى دوراً مهماً فى حياتنا الثقافية.

منذ سنوات يراودنى سؤال لا إجابة له، لماذا قزمنا تليفزيوننا وسميناه المصرى بدلاً من العربى؟. أى منطق يقول إن دولة متاح لها التأثير فى أربعمائة مليون إنسان يتحدثون العربية تنسحب وتفضل أن تخاطب مائة مليون منهم فقط، أى 25%.

بل وقزمناه أكثر بأن أطلقنا عليه اسم (تليفزيون ماسبيرو)، مع احترامى لعالم المصريات ماسبيرو، إلا أن مكانة ومقام ودور التليفزيون العربى فى مصر دور مهم ويجب أن ينال التقدير والاحترام.

أى منطق يقول إن تليفزيوناً يمتلك ثروة غير مقارنة للإعلام العربى والفنون العربية، سينما ومسرح وأوبرا وأوبريتات، وتصير مكانته بهذا الحجم والشكل؟!

قدرت الحوار الذى دار فى اللجنة وشعرت – ولو بالقراءة – بحماس وأسى المتحدثين الغيورين على الدور والمكانة الثقافية لمصر.

هذا الدور الذى يواجه صعوبات متزايدة بعد أن نمت دول الأشقاء وصار بإمكانهم نقل ما كان فى مصر إلى بلادهم بأموالهم وفنانينا.

طالب الفنان خالد الصاوى بأن نقرأ ونعرض التاريخ المصرى بقدر أكبر من المصداقية وعدم إقصاء أى دور مهم لمواطنين وحقبة أو حقب معينة.

وطالب أيمن الشيوى بنشر مدارس وكليات لتدريس الفنون فى كل أنحاء مصر وليس القاهرة فحسب، وهو مطلب يُحترم، فأبناء الصعيد والدلتا من حقهم نيل فرصة تعلم الفنون بأشكالها المختلفة فيخرج من بينهم الممثل والمؤلف والموسيقى، وهؤلاء البنية الحقيقية والقوية للقوة الناعمة التى يتشدق بها البعض دون دراية.

وكانت المكتبات محل مناقشة داخل لجنة الحوار الوطنى، وهى مسألة أساسية فى موضوع الثقافة، فإذا كنا نريد ثقافة فلن تكون بدون المكتبات، فالكتاب البذرة الأولى للمعرفة، على الأقل ما زال كذلك فى وقتنا الحالى، بينما الملاحظ أن المكتبات تختفى ولا يسأل أو يهتم مسئول فى أى جهة، لماذا اختفت؟ وكيف نمنع اختفاءها؟ اختفت «نهضة مصر» من شارع عدلى، اختفت «دار المعارف» من شارع شبرا وغيرهما، وهى مكتبات تنتمى لدور نشر عريقة، فلماذا تركتها وزارة الثقافة تختفى؟. ولماذا تهمل المكتبات العامة وينقطع تزويدها بكل ما هو جديد من الكتب؟.

شعرت بثراء الحوار حول الثقافة وأهم ما يميزه أنه ليست هناك خلافات جذرية بين أعضاء الحوار بشأن الثقافة، فهى قضية وطنية تشغل بال جميع المواطنين.

زر الذهاب إلى الأعلى