رفعت رشاد يكتب: الجامعة الأمريكية

بيان

كاتب صحفى لا يعيش فى برج عاجى، لكنه يعيش وسط الناس، ويهب قلمه للناس، يرصد أحوالهم، والتغيرات التى تطرأ على هذه الأحوال، ويكشف عنها، ويوثقها بكلماته، ويصدق ما سبق تماما على هذا المقال للكاتب الكبير رفعت رشاد، الذى يرصد عدوى البيروقراطية المصرية عتدما تصيب دولاب عمل كان مشهودا له بالانتظام والإنجاز فتحول بقدرة قادر إلى العكس.. المقال منشور فى صحيفة “الوطن” وهذا نصه:

في ثمانينات القرن الماضي كنت متحمسا لدراسة اللغة الإنجليزية في الجامعة الأمريكية . كان معظم المدرسين من الأمريكيين أو الإنجليز المقيمين في القاهرة ولذلك كان مستوى التقدم في إجادة اللغة سريعا ومتقنا .

تغيرت الأحوال واستقرت مدرسة التعليم المستمر في مبنى شارع الفلكي المزود وكذلك تغيرت أحوال المدرسين الذين صارت غالبيتهن من السيدات المصريات , ويذكر أن مدرسة التعليم المستمر بالجامعة الأمريكية منظمة غير هادفة للربح .

قبل عيد الأضحى مررت على قسم التقديم والقبول بالجامعة الأمريكية بشارع الفلكي لأمر خاص .

سحبت رقما فإذا به بعد المائتين ونظرت إلى لوحة تسجيل الأرقام فوجدت أن الجالس أمام مكتب القبول رقمه بعد المائة بقليل أي أنني يجب أن أنتظر مائة شخص على الأقل حتى يحل دوري .

قررت أن أنتظر لأرى كيف ستكون الأمور فربما تتسارع وتيرة تخليص الطلبات .

بعد فترة وجدت أن وقت حلول أو الانتقال إلى أرقام تالية يمر ببطء شديد . نظرت إلى المكاتب التي تتعامل مع مسائل التقديم والقبول فوجدتها لا تزيد على مكتبين أو نافذتين بينما بقية المكاتب خالية من الموظفين .

وجدت بعض الموظفين على مكاتبهم لكنهم أغلقوا التعامل بوضع حاجز يوضح توقفهم عن العمل كما يفعل موظفو شباك التذاكر بمترو الأنفاق وبعد ذلك أعلنوا الاكتفاء بالموجودين داخل المكان وغلق الفرصة أمام أي قادم جديد .

ذهبت إلى رئيس هؤلاء الموظفين فلم أجده في مكتبه وسألت عليه فهز الموظفون أكتافهم .

وفي خلال تحركي للبحث عن مسئول , وجدت موظفة شابة أغلقت مكتبها وحملت كيسا وخرجت من القاعة الخاصة بالتقديم والقبول . فقلت ربما انتهت ورديتها ؟ وأبعدت هذا الخاطر فنحن لسنا في ورشة لكي يكون لها وردية , لكن تذكرت أننا كمصريين يمكن أن نبتكر أي طريقة للتزويغ من العمل .

وبالفعل , خرجت من القاعة إلى مكان الانتظار الخارجي فوجدت الموظفة الشابة تحمل طعامها ومنهمكة في حديث تليفوني مبهج .

قررت متابعة ما يحدث , فوجدتها واصلت بقاءها في الخارج لمدة تزيد على نصف ساعة وبعدها ذهبت إلى مكان غير مكتبها .

ذهبت إلى مديرة التقديم والقبول فوجدت مكتبها مغلقا وتذكرت أنها السيدة التي تحمل نفس اسم ممثلة مشهورة ولما ذهبت إليها مرة للشكوى من أمر مماثل , هزت كتفيها وقالت : الموظفون يغيبون كثيرا بسبب كورونا ولا أستطيع إجبارهم على العمل حتى لا ينتشر المرض , لكنها لم تبدي أي بادرة للتعاون لحل مشكلة أو الاتصال بأحد مرؤوسيها .

سألت عن مدير مدرسة التعليم المستمر فتنصل الجميع من الإجابة وقالوا : لا نعرف !!  تأكدت بعد ذلك أن الجامعة الأمريكية تحولت بقدرة المصريين العاملين فيها إلى مرفق مصري كامل المصرية وأن ملامح المحليات والمصالح الحكومية انتقلت إليها بكل التفاصيل .

أرسلت إلى رئيس الجامعة تفاصيل ما حدث فجاءتني رسالة نمطية عن طريق جهاز ولم يهتم بالرد حتى الآن .

انعدمت الرقابة رغم أن الكاميرات تغطي كل شبر في الجامعة والمدير لا يحتاج لأن يتحرك من مكتبه , كما أن إدارة الجامعة ورئيسها نفسه لا يهتم ولا يتابع حتى لو وصلتهم ملاحظات وشكاوى .

أهلا بالجامعة الأمريكية بعد أن تحولت بالكامل إلى مرفق له كل ملامح المرافق المصرية وأهلا برئيس الجامعة الأمريكية الذي صارت ملامحه مطابقة تماما لبعض نظرائه من المسئولين المصريين.

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: قاعة أفراح المطبعة الأميرية

رفعت رشاد يكتب: كم كتابا قرأ العقاد؟

زر الذهاب إلى الأعلى