رفعت رشاد يكتب: أمجاد «صوت العرب»
فى السطور التالية يستعيد الكاتب الكبير رفعت رشاد قراءة سطور فى صفحة من صفحات المجد السياسى والإعلامى المصرى، والعربى، من خلال الإشارة إلى أيام “صوت العرب” المجيدة.. أيام المد القومى، والحلم العربى، والتحرر الوطنى، المقال منشور فى صحيفة “الوطن” ونعيد نشره رسالة للأجيال التى لا تعرف، والتى تريد أن تعرف تاريخ أوطانها.. وهذا نص المقال:
أكتب اليوم باستمتاع عن «صوت العرب». الصوت الذى بلغ من العمر 70 عاماً وما زالت له القدرة على الوصول إلى كل عربى.
أكتب عن المجد الذى صنعه راديو أو إذاعة «صوت العرب» فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى.
فى فترة ما، بعد وفاة جمال عبدالناصر صوّروا لنا الخمسينات والستينات على أنها سنوات هزائم، لكن التاريخ، ومن عاشوا تلك الفترة، يدركون أن تلك السنوات – بتجاوز النكسة – كانت سنوات كثيفة الإنجازات الوطنية. من تلك الإنجازات «صوت العرب».
جاءت الفكرة من الضابط فتحى الديب، الذى عرضها على الرئيس جمال عبدالناصر، الذى تحمس لها على الفور، وكُلف صالح جودت المشرف على البرامج الثقافية بالإذاعة بالتنفيذ، ومعه أحمد سعيد.
اجتمع «الديب وجودت وسعيد» مع وزير الداخلية زكريا محيى الدين، الذى طلب التنفيذ فى أسرع وقت، لكن «جودت» أقنعه بضرورة التروى والدراسة السيكولوجية لنفسية المخاطبين من العرب على مدى المساحة من الخليج إلى المحيط، اقتنع «زكريا»، لكن تغير الموقف بتدخل جمال عبدالناصر الذى طلب التنفيذ خلال أيام.
تفاصيل كثيرة ومواقف عديدة ارتبطت بالتأسيس والنشأة الأولى لـ«صوت العرب»، بدأت مع تولى أحمد سعيد مسئولية الإذاعة بعد تنحية صالح جودت، واستطاع «سعيد» المتمكن أن ينتقل بمدة إذاعة (برنامج) «صوت العرب» من نصف ساعة يومياً إلى 24 ساعة، مع تعظيم أجهزة البث واستخدام الموجات التى تصل إلى كل مكان فى أرض العرب.
استفاد أحمد سعيد من الانتشار السريع لأجهزة الراديو وظهور الترانزستور لتحقيق أقصى نجاح لفكرة إنشاء الإذاعة، وهى إحياء القومية العربية ودعم حركات التحرّر العربى، مستفيداً من ثقافته وخبرته وعلاقاته.
وصل الأمر إلى أن العرب البدو فى الصحارى الممتدة من الخليج إلى المحيط كانوا يطلقون على الترانزستور «صندوق أحمد سعيد»، وكتب صحفى بريطانى: إن العربى البدوى يذهب إلى محل بيع أجهزة الراديو ويقول للبائع: أبغى شراء صندوق أحمد سعيد.. ويفسّر الصحفى جملة البدوى: يقصد أنه يريد شراء ترانزستور يستمع من خلاله لإذاعة صوت العرب.
نجح أحمد سعيد فى توحيد الرأى العام العربى وصار مائة مليون يستقبلون خطب وآراء وكلمات وسياسات جمال عبدالناصر، واعتنق غالبيتهم التوجّه العروبى القومى.
وكان أثير «صوت العرب» داعماً لثورة الجزائر، لدرجة أن فرنسا وزّعت أجهزة راديو مجاناً على الجزائريين لا تلتقط إذاعة «صوت العرب»، ودعم العاهل المغربى الملك محمد الخامس الذى نفته فرنسا خارج بلاده، وحشد أحمد سعيد الرأى العام العربى حتى عاد الملك إلى عرشه، ونشرت «صوت العرب» حقيقة موقف مصر من حلف بغداد حتى أسقطه الرأى العام العربى، وكانت «صوت العرب» صوت الوحدة المصرية السورية.
وأثناء العدوان الثلاثى حاولت بريطانيا ضرب محطة إرسال «صوت العرب»، وهو ما يدل على مدى الأرق الذى سبّبته «صوت العرب».
تحمل أحمد سعيد وصمة بيانات نكسة يونيو 1967، التى أقصته عن عرشه الإعلامى غير المقارن سابقاً أو لاحقاً، فلم يصل إعلامى آخر لمكانته، رغم أن عمره وقتها كان 42 عاماً!! وقال مدافعاً عن بيانات النكسة: إن الإذاعة تأتمر بالأوامر العسكرية فى زمن الحرب لصالح البلاد، وإذا لم تُنفّذ الأوامر، فذلك يعتبر خيانة عقوبتها الإعدام.
أتمنى لو أن بعض من عاصروا التجربة مباشرة كتبوا مذكراتهم فـ«صوت العرب» صفحة من صفحات المجد السياسى والإعلامى المصرى.