طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (10) ثورة يوليو ١٩٥٢
بيان
تحولت ثورة ٢٣يوليو ١٩٥٢ التى قام بها الضباط الأحرار إلى مناسبة يستغلها خصوم جمال عبد الناصر الذين شيطنوا كل مايتعلق بإسم عبدالناصر واطلقوا خلالها مجموعة لاحصر لها من الأكاذيب التى تحولت إلى مقولات ثابتة للمتباكين على العصر الملكى ولجماعة الإخوان المسلمين التى كانت تطمع في الوصول إلى حكم مصر بالقفز على ثورة يوليو ١٩٥٢.
وأول مايقابلك به أعداء عبدالناصر فى سجل الأكاذيب مقولة كاذبة تم نسج خيوطها بمنتهى الدقة وتنص على أن الملك فاروق رفض مقاومة ثوار يوليو حقنا للدماء وقدم مصالح مصر على مصلحته الشخصية التى تضمن له الاحتفاظ بعرش مصر.
والرد على هذه الأكذوبة يطل علينا موثقا من عدة مصادر أولها شهادة تاريخية من آخر وزير داخلية فى عصر فاروق وهو أحمد مرتضى المراغى والذى ذكر فى كتابه (شاهد على حكم فاروق) وتحديدا في صفحة ٢٩٠ من الكتاب أن الملك فاروق حاول الاستعانة بالانجليز لانقاذه والحفاظ على عرشه وأرسل مندوبا إلى القائم بأعمال السفير البريطانى مستر كروسويل الذى قام بطرد رسول الملك فاروق بعد أن قال له: “كيف نساعد مجنونا منبوذا؟”.
وبالبحث التاريخى نجد ماذكره أحمد مرتضى المراغى فى كتابه (شاهد على حكم فاروق) موثقا بالأدلة الدامغة فى كتاب الأستاذ محسن محمد بعنوان: (سقط النظام فى أربعة أيام..ثورة يوليو بالوثائق السرية) حيث أورد الأستاذ محسن محمد فى صفحة ١٤٠ من الكتاب وثيقة بريطانية يطلب فيها فاروق من بريطانيا بصورة عاجلة التدخل لإنقاذ العرش الملكى.
وهذه الوثيقة عبارة عن رسالة وجهها القائم بالأعمال البريطانى فى مصر مستر كروسويل إلى وزارة الخارجية البريطانية فى لندن تحت رقم (١٠١٤/٩١) بتاريخ ٢٤ يوليو ١٩٥٢ الساعة ١٠.٦صباحا ويذكر فيها كروسويل أنه تقابل مع السفير الأمريكى مستر كافرى الذى قال إن فاروق يلاحقه بالتليفونات منذ الفجر ويقول أن الوسيلة الوحيدة لمساعدته هى تدخل عسكري لإنقاذه وإنقاذ أسرته ورغم أنه لم يطلب صراحة تدخل السفارة البريطانية إلا أن تلميحاته واضحة نحو ذلك الطلب .
ويواصل كروسويل رسالته للخارجية البريطانية قائلا: “من الواضح أن مستر كافرى يريد أن يعرف رد فعلنا في هذه الحالة وقد أخبرته أنه يستطيع أن ينقل للملك فاروق الآتى:
أولا: إن حكومة صاحب الجلالة على علم بما يجرى وكذلك رئاسة أركان الحرب البريطانية ونحن في إنتظار تعليمات.
ثانيا: إذا أراد رأيى الشخصى فهو الآن أمام مشكلة داخلية كبيرة ومن المشكوك فيه أن تدخلا أجنبيا يمكن أن يساعده على حلها.
ولايقف الأمر عند هذا الحد بل يطل اللواء محمد نجيب إطلالته الخاصة على المشهد ويقول في حديث أدلى به إلى جريدة الأهرام إن الحرس الملكى لم يدافع عن الملك السابق فاروق بل انضم إلى الجيش وأن الشذوذ الحسى سيطر على فاروق وأن رجال الحاشية لعنوا فاروق والظروف التي جمعتهم به.
وفور الإنتهاء من تفنيد هذه الأكذوبة تجد فى انتظارك أكذوبة جديدة مفادها أن جمال عبد الناصر وعبدالحكيم عامر ارتديا الملابس المدنية ليلة ثورة ٢٣يوليو وأن البطل الحقيقى للثورة ليس جمال عبد الناصر بل يوسف صديق.
وقد قمت فى مقال سابق نشر على هذا الموقع (بيان) بتفنيد هذه الأكذوبة بالأدلة القاطعة الموثقة.
وننتقل إلى أكذوبة جديدة لايمل أعداء عبدالناصر من ترديدها وهى أن “ثورة يوليو صناعة أمريكية وأن جمال عبد الناصر كان على علاقة بالمخابرات المركزية الأمريكية قبل ثورة يوليو وأن أمريكا هى التى دبرت ثورة ١٩٥٢ لعقاب الملك فاروق على مشاركته فى حرب فلسطين ١٩٤٨”.
ويستندون فى ذلك إلى مصدرين هما: كتاب “لعبة الأمم” لمايلز كوبلاند، وكتاب “ثورة يوليو الأمريكية” لمحمد جلال كشك.
وقبل قيامنا بالرد على هذين المصدرين لابد من توضيح أمر فى غاية الأهمية وهو قيام الكاتب تيم وارنر في كتابه: “إرث من رماد” بالكشف عن وثائق المخابرات المركزية الأمريكية التى تؤكد أن الولايات المتحدة لم تكن تعلم شيئا عن ثورة ٢٣ يوليو.
كذلك قام روبرت ديفوس فى كتابه: “لعبة الشيطان” بتفنيد كل أكاذيب مايلز كوبلاند مؤلف كتاب “لعبة الأمم” بشأن علاقة جمال عبد الناصر بالمخابرات المركزية الأمريكية قبل ثورة يوليو.
يذكر روبرت ديفوس فى صفحة ١١٤ من كتابه: “لعبة الشيطان” مايلى:
“ذكر مايلز كوبلاند فى كتابه لعبة الأمم أن كيرميت روزفلت قابل الضباط الذين حددت المخابرات الأمريكية أنهم زعماء جمعية عسكرية سرية تتآمر للقيام بانقلاب وقد تم ذلك فى مارس ١٩٥٢.
ويذكر ديفوس أنه ليس هناك مايؤكد على شهادة كوبلاند والملفات السرية التى فتحت لاتوفر أى دليل على صحة هذه الشهادة.
وأقوم الآن بنسف أكاذيب كتاب “لعبة الأمم ” من واقع نفس صفحات الكتاب وتحديدا في صفحة ٧٤ والتى ذكر فيها مايلز كوبلاند مؤلف الكتاب بالحرف الواحد مايلى:
“حكومتنا لم تعلم بالانقلاب إلا يوم قرأته في الصحف أى يوم حدوثه في صباح ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ونشير هنا إلى موجة التقارير الصادرة من المخابرات المركزية الأمريكية وإلى أن هذه التقارير لم تستطع تحديد الوقت ورصد التحركات رغم اشارتها إلى أن شيئا مهما سيحدث في مصر”.
وهذا الإعتراف الدامغ من مايلز كوبلاند ينفى تماما تدبير الولايات المتحدة لثورة يوليو.
وانتقل إلى أكاذيب محمد جلال كشك وكتابه ثورة يوليو الأمريكية فأجد أن كتاب: “كلمتى للمغفلين” لنفس المؤلف محمد جلال كشك ويذكر فيها بالحرف الواحد مايلى:
“نؤكد هنا أن جمال عبد الناصر لم يكن عميلا للأمريكان ولاكانوا يصدرون إليه الأوامر كما قال مايلز كوبلاند المسئول من قبل CIA عن مصر وعبدالناصر فى الفترة من ١٩٥٣ إلى ١٩٥٥” .
ويصل بنا قطار أكاذيب أعداء عبدالناصر بشأن ثورة يوليو إلى محطة إتهام عبدالناصر بقتل الملك فاروق بالسم فى إيطاليا وأول من أطلق هذه الأكذوبة هو الكاتب الصحفى محمود فوزى فى كتابه بعنوان: “إبراهيم البغدادي كيف قتل فاروق؟”.
ثم أعادت الأميرة فريال إبنة الملك فاروق ترديد نفس الأكذوبة فى حديث لها مع الإعلامى أحمد المسلمانى فى برنامج: “الطبعة الأولى)” عام ٢٠٠٩
والرد على هذه الأكذوبة نجده موثقا بخط يد أحمد مرتضى المراغى آخر وزير للداخلية في عصر الملك فاروق فى كتابه: “شاهد على حكم فاروق” وتحديدا في صفحتى ٣٠٠ و٣٠١ من الكتاب ويؤكد سفره إلى روما وسؤاله لصاحب مطعم “ايل دى فرانس” الذى تناول فيه الملك فاروق عشاءه الأخير فقال صاحب المطعم الإيطالي الجنسية أن سبب وفاة فاروق هى كمية الطعام الهائلة التى تناولها فاروق وهى دستة من المحار وكمية كبيرة من الجمبرى وشريحتين من لحم العجل مع بطاطس محمرة وكمية كبيرة من الكعك المحشو بالمربى.
وأشار تقرير الأطباء الإيطاليين أن رجلا بدينا مثل فاروق الذى كان يعانى من ضغط الدم المرتفع وضيق الشرايين لابد أن يقتله هذا الطعام.
وجدير بالذكر أن جهات التحقيق الإيطالية طلبت تشريح جثة الملك السابق فاروق بعد وفاته مباشرة لمعرفة أسباب الوفاة إلا أن أسرة الملك فاروق رفضت تشريح الجثة وقبلت بفرضية وفاة فاروق بالتخمة.
ونصل إلى آخر الأكاذيب وهى رفض الرئيس جمال عبد الناصر دفن جثمان فاروق فى مصر وأن الملك فيصل هو الذى توسط لدى عبدالناصر لدفن فاروق فى مصر وهذه الأكذوبة ينفيها تماما سوء العلاقات بين عبدالناصر وفيصل عام ١٩٦٥ الذى شهد مصرع فاروق.
أما الكاتب الصحفى الراحل عباس الطرابيلى فقد كتب مقال بعنوان: “حقيقة دفن الملك فاروق” فى صحيفة المصرى اليوم عدد ١٦مارس ٢٠١٨ وأكد فيه نجاح مساعى إسماعيل شيرين آخر وزير حربية فى عصر فاروق وزوج الأميرة فوزية فى إقناع الرئيس عبدالناصر بدفن فاروق فى مصر وتم دفن الجثمان في مقبرة الباشا بالإمام الشافعي حتى استجاب السادات لطلب الملك فيصل ونقل الجثمان لمسجد الرفاعى عام ١٩٧٥.
وعلى الفور قام الأستاذ سامى شرف بنفى كل ماذكره عباس الطرابيلى وكتب مقال فى نفس صحيفة المصرى اليوم عدد ٢٢مارس ٢٠١٨ وأكد فيه عدم قيام إسماعيل شيرين بأى وساطة وأن الأستاذ سامى شرف تولى الإشراف على عملية تسلم جثمان فاروق فى مطار القاهرة وتم تكليف اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة بمصاحبة الجثمان من المطار مباشرة إلى مسجد الرفاعى.
ومن جانبه أكد د. جمال شقرة أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس ومقرر لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة صحة كل ماذكره الأستاذ سامى شرف.
……………………………………………………………………………………..
– الموضوع فصل من الكتاب المعنون بـ: ” عبدالناصر بلاتشويه” الجزء الأول، لكاتبه طارق صلاح الدين.