رفعت رشاد يكتب: رطل واحد يكفي
تغيير النمط الاستهلاكى جزء من تعيير ثقافة الشعوب، وهذا المقال الذى كتبه الكاتب الكبير رفعت رشاد يحمل فكرة رائعة يمكن أن تساهم فى تغببر جزء من نمط الاستهلاك للشعب المصرى ليحاكى شعوب متقدمة فى هذا السلوك، المقال منشور فى صحيفة “الوطن” وهذا نصه:
تسيطر ثقافتنا التى نشأنا عليها على سلوكياتنا وطريقة تعاملنا مع أمورنا الحياتية. تعودنا أن نشترى السلع بما يُحمِّلنا المزيد من الأعباء بدون مبرر. فالمواطن الذى يشترى فاكهة يضطر لأن يشترى كيلو على الأقل من هذه الفاكهة، لأنه يتحسب لنظرة البائع إليه ومعاملته بالطريقة التى تتناسب مع حجم وكمية ما يشترى.
لو أن فرداً اشترى 3 كيلو موز و4 كيلو خوخ وبطيخة كبيرة و2 كيلو مانجو لوجد البائع يهرول لكى يخدمه أفضل خدمة.
على جانب آخر لو أن فرداً طلب من البائع نصف كيلو من أى فاكهة لوجد البائع ينظر إليه شذراً وتكاسل وهو يخدمه وربما يعطيه الكيس وهو ينظر إلى الناحية الأخرى، ولو كان بائعاً رذيلاً ربما أسمعه تعليقاً سخيفاً.
من أهم السلع التى تشكل سلوكياتنا كمصريين اللحم، فهو المؤشر على مكانة المواطن المصرى، وكلما زادت الكمية التى يشتريها المواطن زادت مكانته لدى الجزار ولدى المجتمع الذى يعيش فيه.
بعضنا يباهى الناس ويعلن فى صيغة شكوى فيقول مثلاً: «أمس ذهبت إلى الجزار فى كارفور علشان أنا لا أثق فى جزار حتتنا، فوجدت أسعار اللحم نار، الكيلو بأربعمائة جنيه، وضربت كفاً بكف، إيه الأسعار دى، واضطررت أن أشترى 4 كيلو بس، أعمل إيه؟! عندى عزومة على الضيق، وجبت معاهم كبدة وكلاوى، العيال بيحبوها، ولقيتنى دفعت 3 آلاف جنيه، أيام ما يعلم بيها غير ربنا، إيه الأسعار دى ؟!!».
المواطن الفقير يستحى أن يشترى اللحم من الجزار، وهو من الأصل لا يعبر أمام محل الجزارة، فلا حاجة للشرح عن أسباب ذلك، فكلنا نعلم أن زيارته للجزار غير مجدية، فهو لن يشترى كمية من اللحم تتناسب مع مقادير التسويق عند الجزار.
المواطن الفقير يبحث عن مكان يشترى منه كمية أقل بسعر أرخص، وهذا المكان غالباً ما يكون بعيداً عن مسكنه حتى لا يعلم الجيران أنه اشترى نص كيلو لحم أو اشترى «إكسسوارات» الماشية أو بعض العظم الملتصق به بعض الشغت لعمل شوربة للعيال.
كيف يمكن أن نحل هذه المشكلة، مشكلة نقص قدرة المواطنين على الشراء وفى نفس الوقت مشكلة تقييم قيمة المواطن على أساس حجم وكمية ما يشتريه من السلعة؟
الحل فى تغيير ثقافة المجتمع وثقافة الفرد. أن نقنع الناس، من خلال التوعية الممنهجة، بأن يغيّروا من عاداتهم وأن يشتروا ما يحتاجون.
لكن ذلك يتطلب من السلطات أن تدفع فى هذا الاتجاه بتغيير آخر، أن تغير من أوزان وأحجام السلع المباعة، فإذا كنا نشترى اللحم بالكيلو، فلماذا لا يكون الشراء بالرطل؟ الرطل نحو ثلث كيلو تقريباً، فإذا كان المواطن لا يخجل من طلب كيلو من سلعة ما لأن الكيلو وحدة كاملة من الأوزان فإنه لن يخجل إذا طلب رطلاً لأنه وحدة كاملة من الأوزان.
فإذا ذهب المواطن للفكهانى أو الجزار فإنه يطلب الكمية التى يحتاجها «بقلب جامد».. سيؤدى ذلك إلى خفض كميات الاستهلاك وخفض نفقات الشراء بما يخفف العبء عن الجميع بما فى ذلك الثروة الحيوانية والفاكهية والخضراوية، ولا بأس لو أنه تم تغيير العبوات لتكون أقل وبسعر أقل بما يتناسب مع الأوزان الجديدة.
لا بد من تغيير الثقافات وتنمية الوعى والإدراك.