العضوية المستحيلة.. مالذى يمنع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟!
من سوريا: أشرف التهامي
قبل يوم واحد على عقد قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريحات جديدة وقديمة في الوقت نفسه، بما يخص طلب انضمام السويد إلى أقوى حلف عسكري في العالم، بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
وقال الرئيس أردوغان: “تركيا مع توسعة (الناتو)، جرى توقيع مذكرة ثلاثية العام الماضي مع السويد وفنلندا، ونفذت الأخيرة تعهداتها ودخلت في نيسان الماضي الحلف، في حين لا تزال مرحلة انضمام السويد متواصلة ويتم الحوار بين المؤسسات بشكل شفاف”.
وأضاف أردوغان: “منذ أكثر من 50 عاماً تركيا تنتظر أبواب أوروبا، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي باتوا أعضاء في حلف “الناتو”. أقول لهذه الدول هنا، وسأقولها في القمة، تعالوا وافتحوا الأبواب أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ونحن نفتح الباب أمام السويد للانضمام إلى الحلف كما فتحنا الباب أمام فنلندا، وهذا ما قلته للرئيس الأميركي جو بايدن بالمحادثة أمس، وما سأقوله في القمة”.
اتفاق مقابل مكاسب
بعد ساعات فقط من تلك التصريحات، أعلن عن اتفاق يقضي بموافقة تركيا على تحويل ملف انضمام السويد لحلف الناتو للتصويت عليه في البرلمان التركي مقابل دعم ستوكهولم جهود إحياء عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وتحرير تأشيرة دخول الأتراك إلى بلاد الاتحاد، والتعاون في مكافحة الإرهاب.
كانت مفاوضات الدخول إلى الاتحاد الأوروبي معطلة منذ عدة سنوات، حتى أن الرئيس التركي ذكر أكثر من مرة أن هناك عرقلة مقصودة من طرف الأوروبيين لمنع انضمام تركيا إلى الاتحاد.
ويبدو أن القبول التركي المفاجئ بعضوية السويد في حلف الناتو، يشير إلى العديد من المكاسب التي من الممكن أن تحصل عليها أنقرة، من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، بما يخص تحريف ملف مفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبي، وتحرير التأشيرة، وملف طائرات إف 16 مع واشنطن، وإن كان ذلك على حساب العلاقة مع روسيا.
ومن المرجح أن تركيا لن تحصل على عضوية الاتحاد الأوروبي بتلك البساطة، خصوصاً أن هناك كثيراً من العوائق التي يضعها الاتحاد أمام خطوة بهذا الحجم.
ورغم ضعف الاتحاد الأوروبي وتراجع دوره مقارنة بالسابق خصوصاً بعد انسحاب بريطانيا منه، فإنه بعد غزو روسيا لأوكرانيا أعاد ترتيب أوراقه الداخلية.
ولعل اتفاق تركيا وروسيا بخصوص نقل الغاز وتحويل تركيا إلى محطة نقل غاز أساسية إلى أوروبا قادر على خلق كثير من الفرص التي عجزت تركيا عن تحقيقها مع أوروبا واتحادها على مدى سنوات.
ما أهمية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟
تسعى أنقرة منذ عقود للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بما في ذلك من أهمية اقتصادية وتجارية كبيرة ستعود على تركيا، إلى جانب القوة الأمنية والسياسية خصوصاً أن الأخيرة أحد أقوى أعضاء حلف “الناتو”.
وفيما لو حصل هذا الانضمام – الذي يبدو مستحيلاً حتى الآن – سيصبح كل مواطن تركي مواطناً في الاتحاد الأوروبي، وسيتمكن المواطنون الأتراك من دخول الاتحاد الأوروبي عبر بطاقة الهوية الشخصية من دون استخدام جوازات سفرهم، وستصبح اللغة التركية لغة رسمية في الاتحاد، وسيخضع العمال لقانون العمل في الاتحاد الأوروبي والذي يضمن لهم التجوال والعمل بحرية في كل دول الاتحاد، يمكن استعاضة تركيا عن عملتها المحلية باليورو وتحقيق مكاسب كبيرة ولا سيما ربطها بأكبر تكتل اقتصادي في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
تقديم تسهيلات أكبر للمستثمرين من دول الاتحاد لإقامة مشاريع في تركيا، وتسهيلات مشابهة للمستثمرين الأتراك الذين يودون دخول السوق الأوروبية.
ما هو تحرير التأشيرة؟
وقعت الدول الأعضاء في مجلس أوروبا بما في ذلك تركيا اتفاقيةً عام 1957 تمنح مواطني تلك الدول الحق في حرية التنقل. وبذلك قامت الغالبية العظمى من دول مجلس أوروبا بإنهاء طلبات التأشيرة الإلزامية بشكل متبادل. وكان المواطنون الأتراك قادرين أيضاً على السفر في جميع أرجاء أوروبا من دون تأشيرة حتى عام 1980.
طالع المزيد:
– أمريكا تبيع مقاتلات إف-16 لتركيا وتؤكد دعمها
– رئيس الوزراء دفع حساب المشروبات باليورو.. كرواتيا انضمت لعملة الاتحاد الأوروبى
وبعد انقلاب 12 أيلول 1980، بدأت عدة دول أوروبية في طلب تأشيرات دخول للمواطنين الأتراك بدعوى فرار بعضهم إلى أوروبا.
ومع اتفاقية 18 آذار 2016 بما يخص اللاجئين، تم تحديد مسار العمل المكون من 72 بنداً. وقامت تركيا بالفعل وفقاً لتقييم الكتلة بالإيفاء الكامل بـ 65 من معايير مسار العمل الـ 72 في 4 أيار، وقدم التقرير اقتراحاً تشريعياً إلى البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي للشروع في تحرير التأشيرات للمواطنين الأتراك. وكان من المتوقع أن يتمتع الأتراك بالحق في السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي من دون تأشيرة مع بداية عام 2017، إلا أن ذلك علق ولم يتم تنفيذه.
وتطالب تركيا منذ ما يقارب العقدين بتحرير الفيزا أسوة بدول البلقان (مقدونيا، ألبانيا، صربيا، البوسنة والهرسك، الجبل الأسود) الذين تم تحرير التأشيرة بالنسبة لهم.
وتغطي عملية تحرير التأشيرة فرصة الدخول من دون تأشيرة لمدة ثلاثة أشهر لجميع المواطنين الذين يحملون جوازات سفر بيومترية إلى منطقة شنغن (26 دولة).
ويعد حق الإقامة لمدة 90 يوماً في دخول الأجانب من دون تأشيرة قاعدة عامة ، ويتم تطبيق القاعدة نفسها في تركيا.
قصة طويلة
ولكن تركيا تتفاوض على الانضمام إلى الاتحاد الأوروربي بعد تقديمها لطلب الانضمام الرسمي منذ 14 نيسان 1987، ومع ذلك بقيت تصطدم بالعديد من المعوقات التي قد تمنعها بالنهاية من الوصول عضوية الاتحاد الأوروبي، لأسباب سياسية من الدول الكبرى بالاتحاد.
كانت تركيا من أوائل الدول التي انضمت، بعد الأعضاء المؤسسين العشرة، إلى مجلس أوروبا في عام 1949. وأصبحت تركيا في عام 1992 عضواً منتسباً إلى اتحاد أوروبا الغربية وبقيت فيه حتى عام 2011.
وقّعت تركيا في عام 1995 على اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي واعتُرف بها رسمياً مرشحة للعضوية الكاملة في قمة هلسنكي للمجلس الأوروبي في 12 كانون الأول عام 1999.
بدأت المفاوضات المتعلقة بحصول تركيا على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي في 3 أكتوبر عام 2005. اتسمت العملية بالبطء الشديد، إذ فُتح ستة عشر فصلاً فقط من بين الفصول الـ35 اللازمة لإكمال عملية الانضمام إلى الاتحاد، وأُغلق واحد منها بحلول أيار عام 2016.
وكان المقصد من صفقة اللاجئين الموقعة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في بداية عام 2016 تسريع المفاوضات المتعلقة بانضمام تركيا إلى الاتحاد بعد فترة طويلة من الركود، والسماح للأتراك بالسفر إلى أوروبا من دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة دخول، لكن ذلك لم يحصل.
توقفت مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2016 بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، واتهم الاتحاد الأوروبي تركيا بانتهاك حقوق الإنسان وانتقدها، بالإضافة إلى انتقاد جوانب القصور في سيادة القانون في البلاد.
في عام 2017، تحدث مسؤولو الاتحاد الأوروبي عن انتهاك السياسات التركية المخطط لها لمعايير كوبنهاغن المؤهِّلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي 26 حزيران عام 2018، صرح مجلس الشؤون العامة في الاتحاد الأوروبي بأن “المجلس يلاحظ تحرك تركيا بعيداً عن الاتحاد الأوروبي. ومن ثم فإن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قد وصلت إلى طريق مسدود”.
ما هي المعوقات السياسية أمام عضوية تركيا؟
ورغم أن تركيا لديها من المقومات السياسية والاقتصادية والسكانية الكثير حتى تكون عضواً أكثر بكثير من دول دخلت الاتحاد الأوروبي بعد مدة وجيزة من تفكك الاتحاد السوفييتي مثل دول البلطيق “إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا” أو بلغاريا وكرواتيا وقبرص، وحتى الدول المرشحة للعضوية مثل صربيا أو البوسنة والهرسك.
وسبق أن قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مناظرة تلفزيونية لها عام 2016 “لن تصبح تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي أبداً”.
فإن هناك العديد من التحديات التي تواجه تركيا، وفق مركز “الأناضول لدراسات الشرق الأدنى” فقد كانت المعضلة القبرصية التي شكلت عقبة كبيرة أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، إذ تـم استخدامها كحجة لعرقلة نيل تركيا لعضوية الاتحاد، خصوصاً بعد أن أصبحت قبـرص اليونانية عـضواً فـي الاتحـاد الأوروبي في كانون الأول 2004. وبعد حصول تركيا على الضوء الأخضر في قمة “بروكسل” في كانون الأول 2004 بالبدء في مفاوضات الانضمام في الثالث من تشرين الأول 2005، وقعت تركيا بروتوكول أنقرة في 29 تموز 2005، يوسع اتحادها الجمركي الموقع مع الاتحاد في 1963، ليشمل الأعضاء العشرة الجدد ومن بينهم قبرص اليونانية، ولكن في الوقت نفسه أصدرت الحكومة التركية بياناً أكدت فيه أن هذا التوقيع لا يعني الاعتراف بقبرص اليونانية.
كما تشكل القضية الأرمنية عائقاً أساسياً أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد بـسبب الضغوط التي يمارسها اللوبي الأرمني الموجود في أوروبا والولايات المتحدة للاعتراف بالمجازر التي ارتكبت ضد الأرمن، واتهمت بها الدولة العثمانية.
ويتم أيضاً تكرار طلبات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالأقليات في تركيا، ولكن لا يمكن اقتراح حل صريح لهذا الشأن بسبب المناهج المختلفة التي تسعى إلى وضع سياسة من أجل الأقليات، إضافة إلى تمتع كل دولة بمواصفات خاصة بها بحسب المشكلات التي تواجهها.
ماذا عن الإسلام؟
وحين نتحدث عن المعوقات لا بد من الإشارة إلى العامل الديني والديموغرافي في تركيا والذي يبدو أنه يخيف الأوروبيين، خاصة أن ارتفاع عدد سكان تركيا إلى أكثر من 85 مليون نسمة، يجعلها أكبر عضو في الاتحاد تليها ألمانيا بنحو 84.5 مليون نسمة.
وهذا يعني أنه يحق لتركيا الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان الأوروبي ويجعلها من الأعضاء الفاعلين فيه، وبالتالي سيكون هناك أكبر عدد من النواب الذين قد يطرحون القضايا الإسلامية على المائدة الأوروبية.
ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة حديثة تشير إلى عدد المسلمين اليوم في أوروبا، غير أنه ووفقاً لتقديرات مركز الأرشيف الألماني للإسلام (معهد دي)، فإن عدد المسلمين في القارة العجوز يبلغ 53 مليون مواطن يشكلون 5.2% (لو تمت إضافة القسم الأوروبي لتركيا).
في حين ذهب مركز بيو الأميركي للأبحاث إلى أن عددهم في دول الاتحاد الأوروبي فقط يقدر بنحو 25.8 مليون شخص في 30 دولة يشكلون 4.9% من سكان أوروبا في 2016، كاشفاً أن تلك النسبة قد تصل إلى 8% بحلول 2030، وهذا يعني أن انضمام تركيا قد يرفع عدد المسلمين في الاتحاد إلى ما بين 16 إلى 20%.
الشرق والغرب
وبالنظر إلى العلاقة التركية الأوروبية، نلاحظ أن البعد الحضاري المتصل بثنائية الشرق – الغـرب الحاضرة في كل زوايا الرؤية الأوروبية، فالاتحاد الأوروبي ليس مجرد كتلة بشرية أو مساحة جغرافية أو منظمة لها مصالح استراتيجية، اقتصادية وسياسية، يقـول غـونتر فيرهوغن المسؤول السابق لشؤون توسيع الاتحاد: “هو مجموعة من القيم والأفكار، وعلـى تركيا كونها هي الراغبة في الانضمام إلى الاتحاد أن تختار بين هذه القيم وقيمها التقليدية”.
ولا يمكن إغفال عامل الهجرة التي ستدفع بأعداد هائلة من العمال الأتراك من أصحاب الدخل المحدود إلى بعض دول الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا وغيرها لتحسين مستوى معيشتهم، وبالتالي ظهور إمكانية انتشار السلع التركية الرخيصة في دول الاتحاد ومنافستها للصناعات المحلية.
يرى المعارضون لانضمام تركيا بأن انضمامها سيؤدي إلى اقتراب أوروبا مـن حدود منطقة يعدونها أكثر المناطق خطراً تشمل سوريا والعراق وإيران وأرمينيا وأذربيجان وجورجيا، فضلاً عن العلاقات التركية المتوترة أصلاً مع بعض البلدان المجاورة لها.