مع دخول الأزمة عامها الـ «12».. فاتورة خسائر سورية جراء الإرهاب حتى 2023 (1من2)
من سوريا: أشرف التهامي
الأزمة السورية واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في العالم؛ نظرًا لتعدد أطرافها ما بين أطراف محلية، وإقليمية، وأخرى دولية، وتعدد وتباين مصالح كل طرف إلى حد التشابك وأحيانًا التعارض.
وبالرغم من قرب دخول الأزمة عامها “الثاني عشر” وبدت مؤشرات تُنذر بقرب انتهائها إلا أنه مازال الصراع قائمًا منذ اندلاعه في 2011م إلى الآن، ويزداد المشهد السوري تعقيدًا يومًا بعد يوم، وتزداد حدة الأزمة الإنسانية بمرور الوقت، فمازال الشعب السوري تحت وطأة القصف والدمار الذي خلفته الحرب؛ التي أدت لنزوح ملايين اللاجئين لدول الجوار بتشابك مصالح القوى المتنازعة و تعقيدها.
وترجع حالة عدم الاستقرار وديمومة الصراع التي تشهدها سوريا إلى العديد من الأسباب؛ فبالنظر لطبيعة الحرب في سوريا سنجد أنها خليط غير متوازن من الحرب الإقليمية والدولية والحرب بالوكالة ، فالصراع القائم في سوريا ليس تعبيرًا عن صراع مستقل قائم بذاته، وإنما يمثل وجهًا من أوجه صراع مركب متعدد الأطراف تتداخل فيه مصالح إيرانية، وروسية، وتركية، وأمريكية، وإسرائيلية، فضلًا عن مصالح القوى المحلية الكردية، والسنية، والشيعية، والقوى الدخيلة والمستحدثة (كالتنظيمات الإرهابية) ؛ لذلك يمكن توصيف الصراع في سوريا على أنه صراع بين قوى إقليمية ودولية أشعلته قوى وعوامل داخلية تمثلت شراراتها في إندلاع موجة الاحتجاجات الشعبية الموجهة والممولة من الخارج في 2011م والتي جاءت متأثرة بموجة الاحتجاجات التي عمت الدول العربية وأُطلق عليها أحداث الربيع العربي المزعوم.
قطاع النفط
سوريا تعلن خسارة نحو 112 مليار دولار من قيمة النفط بسبب “الاعتداءات” الأميركية.
في 2022/12/15 أعلنت وزارة الخارجية السورية، عن قيمة الخسائر التي لحقت بقطاع النفط في البلاد بسبب “الاعتداءات” الأميركية و”الميليشيات” المرتبطة بها (في إشارة إلى قسد الإنفصالية)، والتي بلغت نحو 112 مليار دولار.
جاء ذلك ضمن رسالتين موجهتين من الخارجية السورية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، قالت فيه أن إجمالي خسارة البلد من قطاع النفط بلغ “111.9 مليار دولار”، متهماً بذلك الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية الإنفصالية بـ”النهب المنظم” للنفط والقمح والموارد الأساسية والثروات الباطنية للشعب السوري.
وقالت الخارجية إن “قيمة الخسائر المباشرة لاعتداءات قوات الاحتلال الأميركي والميليشيات والكيانات الإرهابية التابعة له بلغت 25.9 مليار دولار، تتوزع على 19.8 ملياراً خسائر سرقة النفط والغاز والثروات المعدنية و3.2 مليارات خسائر تخريب وسرقة المنشآت و2.9 مليار الأضرار الناجمة عن قصف طيران (التحالف الدولي) غير الشرعي لمنشآت النفط والغاز”.
وأردفت: “في حين تجاوزت الخسائر غير المباشرة 86 مليار دولار، وهي تمثل قيمة فوات الإنتاج من النفط الخام والغاز الطبيعي والغاز المنزلي والمشتقات النفطية والثروات المعدنية نتيجة انخفاض الإنتاج عن المعدلات المخططة في ظروف العمل الطبيعية، وبالتالي فإن إجمالي قيمة خسائر قطاع النفط في سورية بلغ 111.9 مليار دولار”.
الخارجية السورية شددت على مواصلة الولايات المتحدة لـ “ممارساتها العدوانية وانتهاكاتها الجسيمة لمبادئ القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، من خلال استمرار وجود قواتها بشكل غير شرعي على أجزاء من الأراضي السورية في الشمال الشرقي وفي منطقة التنف”.
واتهمت الولايات المتحدة والتشكيلات العسكرية الإرهابية المرتبطة بها على الأرض بمواصلة “نهبها المنظم للنفط والقمح وغيرهما من الموارد الأساسية والثروات الوطنية للشعب السوري”.
واعتبرت الخارجية السورية “صمت مجلس الأمن والأمانة العامة” عن إدانة ممارسات الولايات المتحدة “أمراً غير مقبول”.
ونقلت الخارجية ضمن رسالتيها على لسان المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بآثار الإجراءات الانفرادية على التمتع بحقوق الإنسان إلينا دوهان أنها أكدت في زيارتها لدمشق الشهر الماضي على أن “الإجراءات القسرية المفروضة على سورية تصل إلى مستوى جرائم الحرب، وتزيد معاناة الشعب السوري، وتمنع أي جهود للتعافي المبكر وإعادة الإعمار”، مطالبة بـ”وجوب رفعها فوراً”.
وزارة الخارجية السورية طالبت الأمم المتحدة بـ”التحرك العاجل لوقف انتهاكات الولايات المتحدة وحلفائها للقانون الدولي وأحكام الميثاق وضمان التعويض عنها وإنهاء الوجود غير الشرعي للقوات الأميركية”.
كما دعت إلى إعادة حقول النفط والغاز التي “تحتلها” تلك القوات المغتصبة إلى الدولة السورية والرفع الفوري لعقوبات قيصر “القسرية”، من أجل “إتاحة الظروف المناسبة لعودة آمنة للاجئين إلى سوريا”.
دمشق تدعو الولايات المتحدة الكف عن “قرصنة” النفط السوري
دعت وزارة الخارجية السورية،في22/4/2023 الولايات المتحدة الأميركية الكف عن “قرصنة” النفط السوري، مطالبة واشنطن بسحب قواتها من الأراضي السورية “فوراً”.
جاء ذلك في تغريدة للوزارة على تويتر، السبت (22 نيسان 2023)، قالت فيه “تابعت قوات الاحتلال الأميركي خلال الأسابيع الماضية نهبها للنفط والثروات السورية الأخرى إلى تركيا”.
وأضافت أن “هذه التصرفات الأميركية التي تتسم باللصوصية تتناقض مع القانون الإنساني الدولي وتؤدي إلى إفقار الشعب السوري وإطالة معاناته”.
وزارة الخارجية السورية، ذكرت أن “سوريا تدين مرة أخرى هذه التصرفات وتطالب الإدارة الأميركية بوقفها ودفع التعويضات للشعب السوري”، عازية ذلك إلى أنه “لا يجوز للولايات المتحدة القيام بدور القراصنة وقطاع الطرق”.
وطالبت سوريا، الولايات المتحدة بـ “وقف دعم الإرهاب والميليشيات الانفصالية والانسحاب من الأراضي السورية المحتلة فوراً”.
الثلاثاء (9 آب 2022)، اتهمت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية، الولايات المتحدة الأميركية بـ”سرقة” 66 ألف برميل نفطي يومياً بالمنطقة الشرقية من البلاد، مبينةً أن “إنتاج النفط خلال النصف الأول من العام الجاري بلغت نحو 14.5 مليون برميل”.
وبحسب بيان الوزارة، فإن “كمية إنتاج النفط خلال النصف الأول من العام الجاري بلغت نحو 14.5 مليون برميل بمتوسط إنتاج يومي 80.3 ألف برميل يتم تسليم 14.2 ألف برميل منها يومياً إلى المصافي”.
فيما اتهمت الوزارة القوات الأميركية والمتعاونين معها (قسد الإنفصالية) بـ”سرقة ما يصل إلى 66 ألف برميل يومياً من الحقول المحتلة في المنطقة الشرقية”.
بيانات الوزارة تفيد بأن قطاع النفط والثروة المعدنية تكبد خلال الحرب السورية “خسائر في الأرواح منها 235 شهيداً و46 مصاباً و112 مخطوفاً كما بلغ إجمالي الخسائر المباشرة وغير المباشرة فيه نحو 105 مليارات دولار منذ بداية الحرب وحتى منتصف العام الجاري (2022)”.
يشار إلى أن حقل العمر، يعتبر أكبر حقل نفطي في سوريا، ويخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية الإنفصالية، وينتج الحقل 10 – 30 ألف برميل يومياً، كما يضم شركتين للغاز الطبيعي والكهرباء، ويقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات على بعد حوالي 10 كم شرق مدينة الميادين في محافظة دير الزور.
قطاع الآثار التراث
يولي المجتمع الدولي اهتماما كبيرا بالضربة العسكرية المحتملة ضد سوريا وبالضحايا الذين يتساقطون يوميا جراء الحرب على الإرهاب الدائرة هناك، بالمقابل لا تحظى الخسائر المادية بما في ذلك تدمير المواقع الأثرية باهتمام كبير.
ويعتبر تدمير الإرث الثقافي في سوريا خسارة كبيرة للإنسانية وهو ما جعل المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، يونسكو، إرينا بوكوفا، تدعو إلى ضرورة مراعاة البعد الثقافي للأزمة في سوريا وأن ذلك لا يعني غض الطرف عن المعاناة الإنسانية للشعب السوري: “تدمير الإرث الثقافي هو جزء من الكارثة الإنسانية في سوريا”.
وبحسب تقارير منظمة اليونسكو، قد تعرضت مواقع التراث الثقافى الستة المعتمدة فى سوريا للخطر بشكل رسمى منذ عام 2013، وتم الإبلاغ عن تعرضها للتلف حتى مارس 2016، فهذه المناطق تمثل محورا لكثير من تاريخ المنطقة الغنى الطويل، وإلى جانب ذلك فإن المواقع الأثرية القديمة مثل العاصمة الرومانية القديمة بصرى، الآشورية تل الشيخ حمد، إيبلا ومارى من العصر البرونزى، دورا يوروبوس، مجمع القلعة كراك ديس تشيفاليرس فى القرون الوسطى، كما تعرضت المدن القديمة فى شمال غرب سوريا، بين حلب وإدلب، للتلف.
فى أغسطس 2015، أعلنت الأمم المتحدة إن صور الأقمار الاصطناعية تؤكد تدمير معبد قديم فى مدينة تدمر الأثرية الواقعة وسط سوريا، وكانت تقارير سابقة قالت: إن معبد بل الأثرى فى تدمر، الذى يرجع تاريخ بنائه إلى أكثر من 2000 سنة، تعرض لتفجير كبير نفذه مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية ،الإرهابي وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية أنه لم يبق شيء من هيكل المعبد، وأكدت تدمير المبنى الرئيسى لمعبد بل، فضلا عن صف من الأعمدة إلى جواره مباشرة.”
ونتيجة الأحداث السورية، تعرضت قلعة الحصن تدمير أجزاء كبيرة من الجدران، والأبراج، حيث تعرضت القلعة التاريخية إلى أكثر من عملية قصف، مما تسبب فى أن برجين من أبراج القلعة باتا مهددين بالسقوط نتيجة تضرر بنائهما، كما تدمرت بعض الأجزاء الرومانية من القلعة التى تحوى المدرج.
قام تنظيم “داعش” الإرهابى بتدمير واجهة المسرح الرومانى والتترابيلون فى مدينة تدمر الأثرية فى يناير عام 2017، ونقلت الوكالة السورية عن مصادر محلية داخل مدينة تدمر قولها إن مسلحى “داعش”الإرهابيين فخخوا واجهة المسرح الرومانى والمصلبة (التترابيلون) المؤلفة من 16 عمودا فى الشارع الرئيسى بالمدينة الأثرية وفجروها ما أدى إلى تدميرها.
تصفحوا هذا العرض للأضرار التي لحقت بالتراث السوري.
قلعة الحصن
أسست قلعة الحصن الشهيرة على يد أخوية فرسان القديس يوحنا المعروفة بفرسان المشافي بين العام 1142 و العام 1271، وهي تقع على المرتفعات في جوار مدينة حمص. وأدرجت القلعة عام 2006 على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وهي واحدة من أهم القلاع الصليبية التي بقيت محافظة على بنائها. وكانت القلعة من أهم المحطات السياحية في سوريا قبل أن تتحول في مرات عديدة ومنذ يونيو/حزيران 2012 إلى مسرح للمواجهات. وحسب مصادر عديدة ومتطابقة فإن المعارضين المسلحين قاموا بإستهداف القلعة ..
المدينة القديمة وقلعة حلب
تحمل حلب الواقعة على مفترق طرق تجارية عديدة بصمات مختلف الشعوب التي تعاقبت عليها منذ الألفية الثانية قبل المسيح ومنهم الإغريق والرومان وفيما بعد العثمانيون. وشيدت قلعة حلب الضخمة، وهي رمز للمدينة، في القرن الثاني عشر الميلادي، وفيها آثار مساجد وقصور وحمامات تشهد على قوة نفوذ العرب في تلك الفترة. وخارج أسوار القلعة، تضم أحياء “باب الفرج” في شمال غرب المدينة و”الجديدة” في الشمال وأحياء أخرى في الجنوب والغرب معالم دينية مهمة ومساكن جميلة. وبقيت حلب لفترة في منأى عن النزاع قبل أن تعرف أولى أعمال العنف حين قرر المقاتلون المعارضون شن هجوم حاسم عليها في 20 يوليو/توز 2012. وبعد شهر استهدفت القلعة بقذيفة، وأكلت نيران الحريق أسواق المدينة القديمة و تتحمل الفصائل الارهابية مسؤولية هذه الأضرار.
الجامع الأموي بحلب
يشكل الجامع الأموي بحلب، مع القلعة والمدينة القديمة، مجموعة مسجلة ضمن التراث العالمي للإنسانية. وتضرر الجامع الذي يعود للقرن الثالث عشر، جراء المواجهات والقصف. وبعد تسعة أشهر على بداية أعمال العنف في حلب، دمر جزء كبير من أكبر جامع في المدينة من قبل الفصائل الإرهابية.
تدمر
كانت تدمر، معقل الملكة “زنوبيا” فيما مضى، من المحطات السياحية الرئيسية في سوريا. وكانت تدمر قبلة لمحبي علوم الآثار من كل أنحاء العالم والذين يقصدونها للتمتع والإعجاب بآثار المدينة القديمة الكبيرة التي كانت من أهم المراكز الثقافية في العالم. وتقع تدمر في الصحراء، شمال شرق دمشق، وبقيت لمدة طويلة في منأى عن النزاع. لكن في بداية 2013، طالت أعمال العنف المنطقة. وتضرر معبد بعل في المواجهات من قبل المقاتلين الإرهابيين.
كما حذرت منظمات غير حكومية في مرات عديدة من أعمال النهب التي تهدد الموقع الأثري.
قلعة المضيق
تقع قلعة المضيق قرب مدينة أفاميا الأثرية وهي تابعة لمحافظة حماة. ولحقت بالقلعة العائدة للقرون الوسطى أضرار كبيرة جراء النزاع، في أبريل/نيسان 2012 حين قصفها المقاتلون الإرهابيين.
أعمال النهب
إضافة إلى التدمير الذي لحق بالمعالم الأثرية جراء المواجهات، حذرت منظمات الدفاع عن الإرث الثقافي من أعمال نهب مشابهة لما وقع في العراق عام 2003 أو في مصر عام 2012. وأبلغت العديد من المتاحف السورية عن أعمال سرقة، وبالخصوص في حمص التي كانت تعيش وضعا مأساوياً بداية الازمة. وتم إعلام المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الأنتربول) بعملية سرقة فسيفساء قديمة ذات قيمة كبيرة وقعت في مطلع 2012 في متحف محاذ لآثار أفاميا في شمال غرب البلا.د.
بصرى
مسرح بصرى الأثري هو معلم آخر شهير من التراث الثقافي السوري، وبقي هذا المسرح يحتضن عروضا حتى وقت قريب. إتخذ منه المقاتلون الإرهابيون معقلا. وعلقت على جدران معبد روماني مجاور للمسرح لافتات قماشية تحمل شعارات مؤيدة للمعارضة المسلحة الإرهابية. وفي يوليو/تموز 2012، قالت ماتيلد جيلان وهي عالمة آثار فرنسية وباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا وفي المعهد الفرنسي للشرق الأدنى ، لفرانس 24 إن المقاتلين الإرهابيين “تبينوا أن هذه الوسيلة قد تمكنهم من لفت الانتباه الدولي.”
دورا أوربوس
تقع دورا أوروبوس في أقصى الجنوب الشرقي لسوريا، غير بعيد عن الحدود العراقية. ويلقب هذا الموقع الأثري بـ “بومبي الصحراء”، ويحتضن آثار مدينة بدائية تعود للقرن الرابع قبل الميلاد وتعاقبت عليها شعوب مختلفة من مقدونيين وإغريق ورومان. والكنيس اليهودي هو المكان الذي يحظى بأكبر قسط من الدراسات التي تنجز حول الموقع. وتتواصل إلى اليوم حفريات بدأت في 1920. وتعرض متحف الموقع ومركز البحوث لعمليات نهب في يوليو/تموز 2012
الدمار يطال مواقع سوريا الأثرية واليونسكو تدق ناقوس الخطر
لم تسلم المواقع التاريخية السورية من الدمار بسبب الحرب. وأمام الأضرار الكبيرة التي تلحق بالتراث الثقافي السوري تطالب اليونسكو أطراف النزاع بحماية المواقع الأثرية والحفاظ عليها، لأنها جزء مهم من تراث الإنسانية وحضارتها.
دمار ونهب
من جهته يعبر فرانسيسكو باندارين، نائب المدير العام لليونسكو، عن قلقه العميق من الأضرار التي خلفتها الحرب على المآثر التاريخية السورية. ويقول بهذا الخصوص في مقابلة مع DW “الوضع في سوريا كارثي جدا وأسوء مما يمكن تصوره”.
وتتعدد الأضرار التي طالت التراث الثقافي في سوريا: فمن جهة تعرضت المدن الأثرية ومنشئاتها للدمار جراء الاشتباكات المسلحة، ومن جهة أخرى تم تدمير المباني التاريخية في بعض المدن مثل حلب وحمص. وكمثال على ذلك احتراق سوق حلب الذي ظل منذ 4000 عام ملتقى للتجار من مختلف أنحاء العالم.
وحلب واحدة من بين ست مدن سورية مصنفة ضمن لائحة التراث الثقافي العالمي من طرف اليونسكو، بالإضافة إلى البلدة القديمة في دمشق وبصرى الشام والقرى القديمة في شمال سوريا وقلعة الحصن، التي يرجع تاريخها إلى عهد الحروب الصليبية، وقلعة صلاح الدين وأطلال واحة تدمر. وقد عانت هذه المواقع الأثرية بدورها من ويلات الحرب الأهلية السورية مما جعل اليونسكو تضيفها مؤخرا إلى قائمة التراث العالمي المهدد بالدمار.
وعلاوة على الأضرار التي تطال هذه المباني جراء القصف، فإنها أصبحت أيضا هدفا للصوص، حيث تم حتى الآن سرقة محتويات ستة متاحف على الأقل. لكن لحسن الحظ، تم الاحتفاظ بـ 77 ألف تحفة أثرية في مكان آمن حتى لا تتعرض بدورها النهب.
حفريات غير مشروعة وانتشار الجريمة المنظمة
كما تتسبب الحفريات غير القانونية في تدمير المواقع الأثرية. وهو ما يعتبره باندرين مشكلة كبيرة “فعندما يتم تدمير مئذنة الجامع الأموي في حلب فإنه يمكن إعادة بنائها من جديد يوما ما، أما إذا قام بعض الأشخاص بسرقة قطع أثرية، فإننا لن نحصل عليها مجددا”.
من جهتها تؤكد مديرة الحفريات في المعهد الألماني للآثار في دمشق، كارين بارتل، بأن جميع الباحثين التابعين لمعهدها غادروا سوريا منذ بداية الاضطرابات السياسية عام 2011. وتضيف بأنه منذ 2011 لا يوجد باحثين أجانب للآثار في عين المكان.
وفي مقرها الجديد في الأردن تحصل بارتل على معلومات حول الوضع من زملائها السوريين وأيضا عن طريق الإنترنت. وتقول في رسالة إلكترونية بعثتها إلى DW “المواقع الأثرية التي يشرف عليها معهد الآثار الألماني لم يطلها النهب، لكنها تعود وتؤكد على وجود “تخريب كبير للتراث الثقافي في سوريا”.
طالع المزيد:
– جرائم داعش بحق السكان المدنيين في سورية والعراق (2).. فتوى التعامل مع الآثار
وبالتعاون مع ممثلين آخرين لمراكز البحوث الأثرية، قامت بارتل بإطلاع اليونسكو على المواقع المهددة بالنهب، خصوصا في ظل تعرض الكثير من المواقع الأثرية للسرقة.
وتظهر صور الأقمار الصناعية التي التقطت لأطلال أفاميا قبل وبعد الحرب حجم الدمار الذي طال هذه الأطلال. ويبدو المكان وكأنه تعرض للقصف، لكن الحفر الموجودة هناك هي نتيجة للحفريات غير القانونية. وقد أطلقت الحكومة السورية حملة باسم “سوريا وطني”، تدعو من خلالها المواطنين إلى حماية المواقع الأثرية.
من جهته يؤكد فرانسيسكو باندرين بأن أعمال التخريب هذه ليست عفوية ولا يد لسكان المنطقة المحليين فيها، وإنما هي “جريمة منظمة تقف وراءها عصابة”. فهناك سوق كبيرة لتجارة التحف المهربة. وعن إمكانية التصدي لهذه الأعمال الإجرامية يقول باندرين “نحن غير قادرين على إيقاف هذه الجرائم، فإمكانيتنا ضعيفة. لكننا لن نستسلم وسنحاول مواجهة ذلك”.
الحياد السياسي لحماية الثراث الثقافي
قامت اليونسيكو بتطوير برنامج لمنع المزيد من الدمار ووجهت نداء إلى أطراف النزاع للالتزام بمعاهدة 1954 التي تنص على الحفاظ على التراث الثقافي في حالة الحرب، وكانت سوريا أيضا من الدول التي وقعت على هذه الاتفاقية.
وبالرغم من صعوبة الالتزام بهذه الاتفاقية في خضم تبادل إطلاق النار، إلا أن الحكومة السورية عبرت عن استعدادها لمنع تدمير التحف الثقافية. ويتعاون المدير العام للآثار والمتاحف، مأمون عبد الكريم، مع اليونسكو ويزودها باستمرار بتقارير حول وضع المآثر الثقافية في سوريا. وفي أحد تقاريره طالب عبد الكبير باتخاذ موقف محايد وبالالتزام بالحياد السياسي من أجل حماية التراث الثقافي السوري.
وحسب باندرين فإن الحكومة السورية كلفت عبد الكريم بالتفاوض مع المسلحبن الإرهابيين بخصوص حماية المواقع التاريخية. وقد طالبهم بحماية الآثار الثقافية في الأماكن الواقعة تحت سيطرتهم ولم يستجيبوا لهذه الدعوة.
غير أن محاولة تأمين حماية دائمة للمواقع الأثرية تبوء في بعض الأحيان بالفشل لأسباب تنظيمية. فعلى سبيل المثال لا يسمح الوضع المضطرب في البلاد بتحويل الأموال إلى الأشخاص الذين يحرسون الآثار. كما أن حماية 10 آلاف موقع أثري يبقى أمرا صعبا من الناحية العملية.
جهود كبيرة لكنها غير كافية
ومن الإجراءات الأخرى التي تقوم بها اليونسكو لحماية التراث الثقافي السوري هي التعرف على التحف الأثرية التي قد يتم تداولها في السوق السوداء. بالإضافة إلى ذلك تتعاون اليونسكو مع شركاء دوليين مثل الإنتربول والشرطة والجمارك في الدول المجاورة. وهي تدابير شبيهة لتلك التي كانت موجودة في العراق وأفغانستان ومصر وليبيا.
وبفضل هذه الجهود تم العثور على بعض التحف الأثرية السورية وإرجاعها إلى مكانها. وتشجع هذه النجاحات، رغم قلتها، اليونسكو لمواصلة عملها في المنطقة كما يقول باندرين “لا يمكننا تغيير الوضع القائم في سوريا، وما نقوم به هو مجرد غيض من فيض، لكن رغم ذلك من الضروري مواصلة ما نقوم به”.
.. وللحديث بقية: