طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (11) تأميم شركة قناة السويس

بيان
بمجرد أن يأتي ذكر تأميم شركة قناة السويس العالمية، تجد نغمة واحدة تتردد بصوتين مختلفين وتتضمن لوم عبدالناصر على قراره بتأميم شركة قناة السويس، وأنه كان يتوجب عليه الانتظار حتى عام ١٩٦٨ وهو عام انتهاء إمتياز إستغلال قناة السويس.

وبالتوازى مع هذا الرأى ينطلق رأى مفاده أن قرار تأميم شركة قناة السويس كلف مصر أموالا طائلة تبلغ ملايين الجنيهات تم دفعها كتعويضات لحملة أسهم شركة قناة السويس.

ولتفنيد هذه الآراء سنتناول أولا نقطة تعجل ناصر بتأميم شركة قناة السويس.

ولعل أكبر دليل كشفت عنه الوثائق البريطانية مؤخرا بمقتضى قانون رفع السرية بعد مرور الفترة الزمنية التى تحددها بريطانيا واثبتت هذه الوثائق بوضوح أن بريطانيا لم تقرر أبدا إعادة قناة السويس لمصر عام ١٩٦٨.

وبعيدا عن هذه الوثائق نعود بالذاكرة إلى عام ١٩٠٩ حيث صرح وزير الخارجية البريطانية اللورد كيرزون تصريحا حاسما بشأن قناة السويس حيث قال بالحرف الواحد: “إن قناة السويس هى العامل الحاسم لأى عمل أو تواجد بريطانى خارج حدودنا ولابد من بقاء قناة السويس تحت الهيمنة البريطانية”.

ولم يمر وقت طويل على هذا التصريح بل تم ترجمته سريعا في عام ١٩١٠  (أى بعد عام واحد من هذا التصريح )  حيث تقدمت شركة قناة السويس بطلب إلى الحكومة المصرية لمد إمتياز قناة السويس لمدة أربعون عاما إضافية تتنتهى في عام ٢٠٠٨ مقابل أربعة ملايين من الجنيهات تدفعها الشركة للحكومة المصرية على أربعة أقساط.

ويذكر المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى كتابه: “محمد فريد رمز التضحية والإخلاص” أن مشروع مد إمتياز قناة السويس لمدة أربعون عاما إضافية ظل في الخفاء لمدة عام.
وكانت حكومة بطرس غالي تعتزم تمريره بسرعة في الخفاء ولكن الزعيم محمد فريد حصل على نسخة من المشروع ونشرها في جريدة “اللواء” وقاد حملة شرسة أجبرت الحكومة والخديوى عباس حلمى الثانى على إحالة المشروع إلى مجلس النواب والذى رفضه فى النهاية.

وعلى صعيد آخر قام الاقتصادى محمد طلعت حرب بتأليف كتاب بعنوان: “قناة السويس” ، أوضح فيه تاريخ ضياع حصص مصر من الأسهم والأرباح مع إلزام الحكومة المصرية بدفع معاشات موظفى شركة قناة السويس.

المثير للدهشة هو موقف رئيس الوزراء بطرس غالي الذى هدد علنا أعضاء مجلس النواب الذين رفضوا مشروع مد الامتياز واحتد على الجميع، وكان يريد تمرير المشروع بأى ثمن فكان الجزاء العادل قتله على يد الثائر إبراهيم الوردانى.

وفى الجزء الرابع من “موسوعة قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة” يذكر د.مصطفى الحفناوى دليلا قاطعا على عدم نية بريطانيا إعادة قناة السويس لمصر عام ١٩٦٨ حيث ردد ماذكره له الوزير البريطانى المفوض فى مصر أثناء إجتماعه مع د. مصطفى الحفناوى أن بريطانيا فى مقدمة حكومات الغرب المعنية بالإدارة المشرفة على قناة السويس ومصير هذه الإدارة عند إنتهاء أجل الإلتزام فى ١٦نوفمبر ١٩٦٨ وأن الأربعة عشر عاما الباقية من أجل الإلتزام لاتكفى الحكومة المصرية لإعداد إدارة مصرية تقوم بتسيير الملاحة فى قناة السويس مستقبلا.

والحل الوحيد هو تشكيل لجنة دولية تحل محل شركة قناة السويس وتنتظر بريطانيا أن تتقدم مصر بمحض إرادتها واختيارها لتدعو الدول الكبرى إلى عقد إتفاق لتنظيم هذا الأمر.

ورّد د. مصطفى الحفناوى على الوزير المفوض البريطانى بأن هذا الاقتراح غير مقبول على الإطلاق وأكد على ملكية مصر للقناة مع ضرورة التفريق بين ملكية قناة السويس وبين إدارتها.

ورّد الوزير المفوض البريطانى بأن كل دولة تتنازل عن قسط من سيادتها لخدمة المصالح العالمية، وأننا تنازلنا عن جزء من سيادتنا ولايوجد مايمنع مصر من التنازل عن قدر من سيادتها على قناة السويس.

وبعد مناقشات طويلة رّد د. مصطفى الحفناوى بأنه ليس هناك إلا حلا واحدا وهو أن تدار قناة السويس بمعرفة الحكومة المصرية.

وفى يوم ٢٨ يونيو ١٩٥٤رفع د. مصطفى الحفناوى تقريره إلى الحكومة المصرية وذكر فيه تحديدا أن “الدول الغربية تبيت لشىء يتم إعداده من الآن”.
وكان رئيس الحكومة المصرية فى هذا الوقت هو جمال عبد الناصر الذى تولى رئاسة الوزراء فى ١٧ابريل ١٩٥٤ وبعد عامين بالضبط تم تأميم شركة قناة السويس.

اقرأ فى هذه السلسلة:

طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (10) ثورة يوليو ١٩٥٢

طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (9) إعتماد خورشيد

وكان د. مصطفى الحفناوى قد حصل على العقد الأصلى لشركة قناة السويس وينص على أنها شركة مساهمة مصرية، وأرسل هذا العقد إلى وزارة الخارجية المصرية.

وانتقل الى كتاب: “قناة السويس والأيام التي هزت الدنيا” ، وتحديدا في الصفحات أرقام ١٠٠ و١٠٨ و٣١٩ يذكر مؤلف الكتاب المهندس عبدالحميد أبوبكر أنه ثبت من وثائق الحكومتين البريطانية والأمريكية استحالة تسليم شركة قناة السويس لمصر عام ١٩٦٨.

وأكد المهندس عبدالحميد أبوبكر أن شركة قناة السويس كانت تخطط بحلول عام ١٩٦٨ أن يكون جميع الموظفين والمرشدين والفنيين المصريين والأجانب قد احيلوا إلى المعاش حتى لاتجد مصر من يدير قناة السويس.

كما دأبت شركة قناة السويس على الإعتماد في أعمال الصيانة والتشغيل على مقاولين أجانب فقط فى عمليات تطهير القناة وتموين السفن والأنوار الكاشفة مع تخطيط الشركة لتسليم المعدات البحرية التى تشمل الأوناش والورش والقطارات واللانشات لمصر عام ١٩٦٨ فى حالة سيئة وخردة.

كما قامت الشركة بتهريب كل الأوراق والمستندات الخاصة بالشركة في مصر إلى باريس مع الاستمرار في خفض رسوم عبور قناة السويس وزيادة قيمة المصروفات وأصول الشركة لتعجيز الحكومة المصرية عن المتابعة والاستعداد لتسلم قناة السويس عام ١٩٦٨.

وكانت شركة قناة السويس تعتمد على نص عقد الامتياز الذى يلزم مصر بدفع قيمة المعدات والآلات والمهمات التابعة للشركة عند استلام القناة عام ١٩٦٨ والتى سيتم تقدير قيمتها المادية بمعرفة الشركة دون حق مصر فى الاعتراض وإلا فستطول المفاوضات دون تسليم مصر للقناة.

وهكذا يتضح من العرض السابق المدموغ بالأدلة استحالة إعادة قناة السويس لمصر عام ١٩٦٨.

………………………..

والآن أنتقل إلى النقطة الثانية وهى الاتهامات الكاذبة التى تم توجيهها إلى قرار التأميم وأنه كلف مصر دفع تعويضات ضخمة لحملة أسهم شركة قناة السويس، قدرها البعض بمئات الملايين من الدولارات.

ولابد فى البداية أن أذكر أن دخل قناة السويس قبل قرار التأميم كان يبلغ ٣٥ مليون جنيه سنويا، وكان نصيب مصر منها مليون واحد فقط كانت الشركة تماطل في دفعه لمصر.

ونتج عن قرار التأميم اندلاع حرب السويس عام ١٩٥٦ ، وبعد انتهاء العدوان انطلقت جهود تطهير القناة لإعادتها للملاحة.

وأعلن الزعيم جمال عبد الناصر عدم قيام مصر بدفع جنيها واحدا من هذه التكاليف.

وبالفعل تم تمويل مبلغ ثمانية ملايين ونصف المليون دولار بقرض من عشرة دول أعضاء بالأمم المتحدة وتم سداد هذا القرض من حصيلة رسم إضافى تدفعه السفن العابرة بواقع ٣% وتم سداد المبلغ كاملا.

وفى يوم ٢٤ إبريل ١٩٥٧ أعلنت مصر بعد فشل العدوان الثلاثي أسس تعويض حملة أسهم شركة قناة السويس وتضمن الإتفاق النهائى بين مصر وشركة قناة السويس تحت إشراف البنك الدولى عن البنود التالية:
أولا:
تحصل مصر على ملكية أصول شركة قناة السويس وقيمتها ٥٨.٢ مليون جنيه مصرى مع عدم التزام الحكومة المصرية بسداد أية ديون على شركة قناة السويس خارج مصر لأى جهات اعتبارية أو أشخاص.
ثانيا:
تتنازل مصر عن إستعادة أصول شركة قناة السويس خارج مصر وقيمتها ٨مليون جنيه مصرى وتتحمل مصر مرتبات ومعاشات العاملين بالشركة.
ثالثا:
فرض مبلغ تعويض جزافى على مصر لصالح حملة الأسهم قدره ٢٨.٣ مليون جنيه تم خصم خمسة ملايين جنيها منها حصلته الشركة في باريس بعد قرار التأميم ليصبح مبلغ التعويضات ٢٣.٣ مليون جنيه يتم تسديدها
على خمسة أقساط سنوية تبدأ في يناير ١٩٥٩ وتنتهى في يناير ١٩٦٤.

واشترطت مصر قبل سداد هذه التعويضات أن تفرج بريطانيا عن ١٣٠مليون جنيه مصرى تمثل المبلغ المتبقى لمصر لدى بريطانيا من الأرصدة الاسترلينية التى نتجت عن إستخدام بريطانيا للمرافق المصرية خلال الحرب العالمية الثانية.

واشترط الرئيس جمال عبد الناصر ذلك للإسراع بسداد أول قسطين من التعويضات.
وبالفعل رضخت بريطانيا وسددت مبلغ ١٣٠مليون جنيه لمصر عام ١٩٦٠، وتم سداد اقساط التعويضات فى مواعيدها المحددة.
وبنظرة فاحصة للموقف نجد أن تعويضات قيمتها ٢٣.٣مليون جنيه قد تم خصمها من مستحقات مصر المقدرة بمبلغ ١٣٠ مليون جنيه كانت بريطانيا تماطل في سدادها نقدا.

وهو مبلغ لايذكر بالمقارنة باستعادة مصر لقناة السويس والحصول على كامل دخلها السنوى.

……………………………………………………………………………………..طارق صلاح الدين

– الموضوع فصل من الكتاب المعنون بـ: ” عبدالناصر بلاتشويه” الجزء الأول، لكاتبه طارق صلاح الدين.

زر الذهاب إلى الأعلى