لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: هل أصبحت أوديسا الهدف الجديد في الحرب الروسية الأوكرانية؟!

بيان

مر على الحرب الروسية الأوكرانية أكثر من 500 يوم، يوم أن بدأ القتال في 24 فبراير 2022 وهذه الحرب، رغم أنها حرب محدودة بين دولتين، لكنها أثرت على كافة دول العالم، خاصة في النواحى الاقتصادية. وفى صباح كل يوم، يسأل العالم متى ستنتهى هذه الحرب؟ ومتى يعود السلام إلى العالم، ويعود الاقتصاد إلى ما كان عليه. ويختفى التضخم وغلاء الأسعار والبطالة؟.

ولكن يبدو أن الأحداث لا تسير كما يحب البشر، حيث تتصاعد أعمال القتال كل يوم، وتجعلنا ننظر إلى النفق المظلم. هل له نهاية سعيدة هل هناك طاقة نور أو طاقة أمل؟ وخلال فترة الشتاء الأخير كان كل طرف من الأطراف المقاتلة يخطط للفترة القادمة حيث بدأ الجانب الروسى في تنظيم دفاعاته في المناطق التي استولى عليها من أوكرانيا وتمثل 20% من الأراضى في مناطق لوجانسك ودونيتسك وزابورجيا وخيرسون، وبالطبع شملت خطة دفاعية كاملة بالخنادق والمواقع وأماكن عمل الاحتياطية ومناطق قتل الدبابات وخطوط نيران متكاملة وطرق للمناورة للقوات للقيام بهجمات مضادة في حالة الاختراق.

وأعتقد أن الروس بارعون في مثل هذا النوع من أعمال القتال.

على الجانب الآخر، كانت القوات الأوكرانية تخطط لهجوم الربيع المضاد لاستعادة الأراضى التي استولت عليها روسيا بعد أن تلقوا الدعم العسكرى المباشر من أمريكا ودول حلف الناتو تتمثل في بطاريات الباتريوت الأمريكية المضادة للصواريخ البالستية والطائرات والدبابات الأمريكية M1A1 والدبابات الألمانية ليوبارد والدبابات الإنجليزية تشالنجر والعربيات المدرعة، برادلى، وغيرها من الذخيرة، حتى وصلت إلى إمداد أوكرانيا بالذخائر العنقودية المحرمة دوليا من الولايات المتحدة. وأخيرا، الطائرات الأمريكية F16.

وفى البداية كنت أتوقع، وذكرت ذلك هنا، وفى معظم القنوات الإخبارية، أن هذا الهجوم المضاد ليس من المنتظر أن يحقق نجاحا كبيرا، وبالفعل بدأ الهجوم المضاد الأوكرانى، وكما توقعنا لم يكتب له النجاح. وكان تعليق الجانب الأوكرانى أنه تقدم ببطء، ولكن الواقع بالنسبة لنا كعسكريين أنه لم يكتب له النجاح لعدة أسباب أولا أن أوكرانيا ليست لها سيطرة جوية على ميدان المعركة لأن الروس في البداية نجحوا في تدمير كل وسائل الدفاع الجوى الأوكرانى وقواته الجوية. والمطارات والقواعد الجوية.

والسبب الثانى هو قوة الدفاعات الروسية التي أقامتها روسيا في فترة الشتاء، والتى تحتاج إلى ثلاثة أضعاف القوات المهاجمة، وهذا الأمر غير متوفر لدى الجيش الأوكرانى.

ثالثا أن الجيش الأوكرانى لم يستوعب بعد استخدام الأسلحة الجديدة التي تلقاها من حلف الناتو. لذلك سقطت الدبابات الأوروبية، وكانت صيدا سهلا أمام الدفاعات الروسية، لذلك بدأت أوكرانيا تستخدم الطيارات المسيرة لمهاجمة العاصمة الروسية موسكو، وكانت بالطبع مفاجأة
لنا كعسكريين.

كيف نجحت هذه الطائرات الأوكرانية المسيرة في مهاجمة مبنى الكرملين في موسكو، خاصة أن روسيا لديها أحدث وأقوى أنظمة الدفاع الجوى في العالم، كما قامت أوكرانيا باستخدام الطائرات المسيرة لمهاجمة مخازن الذخيرة الروسية في شبه جزيرة القرم، ومهاجمة الجسر الروسى الذي يربط روسيا مع شبه جزيرة القرم، أطول جسر في أوروبا، والذى يعتبر أحد مفاخر الرئيس الروسى بوتين.

وكانت ضربات الطائرات الأوكرانية في شبه جزيرة القرم موجعة لروسيا من الناحية السيكولوجية في مسألة الحرب النفسية، حيث إنها لم تحقق تأثيرا عسكريا يحقق لأوكرانيا النجاح في هجومها المضاد الذي فشل، لكنه كان لرفع الروح المعنوية للقوات المسلحة الأوكرانية وللشعب الأوكرانى ودول حلف الناتو التي أرسلت رسالة أننا كجيش أوكرانيا نستطيع أن نضرب العمق الروسى.

ورغم أن تأثير الضرب العسكرى كان محدودا للغاية، فلقد كان عملا نفسيا ضد القوات الروسية، وهنا اضطرت روسيا إلى توجيه ضربات قوية إلى أوكرانيا، بالطائرات المسيرة بدون طيار التي تهاجم يوميا، وبشراسة العاصمة الأوكرانية كييف، في رسالة للشعب الأوكرانى والهيئات الدبلوماسية في العاصمة الأوكرانية. أن القوات الروسية تحقق تدميرا كبيرا.

وجاءت الضربة الثانية القوية في اتجاه أوديسا، أكبر الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، والتى تصدر منه أوكرانيا معظم منتجاتها من القمح إلى الخارج، خاصة بعد أن فقدت أوكرانيا كل موانيها من خلال بحر آزوف بعد احتلال روسيا هذه الموانئ، ولم يتبق لأوكرانيا إلا ميناء أوديسا الضخم بإمكانياته، وميناءان صغيران، لذلك جاءت الضربات الروسية ضد أوديسا موجعة، خاصة ضد مخازن الغلال والحبوب. التي تحتفظ بها أوكرانيا قبل تصديرها للخارج.

وتزامن ضرب ميناء أوديسا مع رفض روسيا تمديد اتفاقية نقل الحبوب من أوكرانيا إلى العالم عبر ممر ملاحى مؤمن في البحر الأسود، هذا الاتفاق الذي تم في العام الماضى تحت رعاية الأمم المتحدة وتركيا. وبالتالى، أصبحت أوكرانيا عاجزة، وفى موقف لا تحسد عليه، حيث إنها لن تستطيع تصدير القمح الذي هو أساس الاقتصاد الأوكرانى، كما أن منتج القمح هذا العام لن يتم تصديره، وبالطبع سوف يدفع المزارعين الأوكرانيين إلى عدم زراعة محصول القمح العام القادم، لأن قمح هذا العام موجود لديهم، وهم غير مستعدين للتخزين لأنه في الأعوام السابقة كان الإنتاج يصدر فور جمع المحصول من هنا أصبحت أوكرانيا في مشكلة كبرى سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية الإنسانية للمزارعين الأوكرانيين.

وكان من الممكن أن يقوم الاتحاد الأوروبى بتعويض أوكرانيا اقتصاديا ولكن كيف سيتم تعويض وإرضاء هؤلاء المزارعين الأوكرانيين لذلك جاءت الضربات الروسية. ضد ميناء أوديسا، لتضع أوكرانيا في موقف مؤسف. خاصة أنه كيف سيتم إقناع المزارعين بإعادة زراعة محصول العام القادم.

وفى خطوة استباقية من الروس قامت بعمل مؤتمر القمة الروسى الإفريقى، حيث سيقوم الرئيس بوتين بدعوة الدول الإفريقية الفقيرة لتقديم الدعم لهم من الحبوب الروسية حتى لا تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية كذريعة لمهاجمة روسيا بحجة أنها تؤثر على طعام هذه الدول الإفريقية الفقيرة.

لذلك من المنتظر أن تستكمل روسيا ضرباتها الفترة القادمة ضد ميناء أوديسا لحرمان أوكرانيا من أن يكون لها منافذ بحرية على البحر الأسود، خاصة أن محاولات أوكرانيا لنقل وتصدير القمح من خلال الطريق البرى عبر بولندا لن يتحقق لها النجاح، حيث إن خطوط السكك الحديدية الأوكرانية لا يمكنها استخدام الخطوط الحديدية البولندية، لأن مسافة القضبان الحديدية مختلفة عن الدولة الأخرى، الأمر الذي سيصبح اعتماد أوكرانيا على أوديسا أمرا هاما للغاية، ويصبح هدف روسيا هو إحداث وتدمير هذا الميناء الذي سيكون الهدف القادم لروسيا في هذه الحرب.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى