د. مجدي هاشم يكتب: أزمة الكهرباء والأداء الحكومي
طبقا للإحصائيات الرسمية بلغت إجمالي صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال 7.4 مليون طن عام 2022 بزيادة قدرها 0.8 مليون طن عن العام السابق 2021.
إلا أن عائدات مصر من تصدير الغاز راحت فجأة تتراجع حتي وصلت إلي نسبة 75.6% بنهاية الربع الأول من هذا العام مقارنة بنفس الفترة في العام الماضي 2022، وراحت تواصل تراجعها إلي درجة أن مصر لم تصدر أي شحنات خلال يونيو 2023، مما اضطر الحكومة المصرية أن تعلن توقف صادراتها من الغاز وحتي أكتوبر 2023. وسقطت الطموحات والآمال وسط دهشة الجميع.
وأعلن وزير البترول أن إيقاف تصدير الغاز المصري يرجع إلي موجة الحر الشديدة التي أدت إلي زيادة استهلاك محطات الكهرباء من الغاز، وهو ما قد يظن معه أن الحكومة آثرت ألا تصدر الغاز لتغطي احتياجات محطات الكهرباء التي ارتفعت نتيجة لارتفاع درجة الحرارة وحتي لا يعاني المصريين من انقطاع محتمل للكهرباء في حالة عدم توافر الغاز اللازم لتشغيل المحطات. ولكن إذا كان هذا الظن صحيحا -وهو ليس كذلك- فلماذا قامت الحكومة بتخفيف الأحمال وقطع التيار الكهربائي.
بينما أكد وزير الكهرباء علي أن الشبكة القومية للكهرباء لا تواجه أية مشكلات، وأن الأزمة الحالية تكمن في نقص كميات الوقود اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء والتي تبلغ 145 مليون قدم مكعب يوميا يمثل الغاز 135 مليون قدم مكعب و10 مليون قدم مكعب مازوت.
إذن فالأزمة الحالية هي أزمة نقص الغاز وليس الكهرباء، وترجع إلي أن حقل “ظهر” قد انخفض انتاجه إلي نحو 2.1 مليار قدم مكعب يوميا بعد أن كانت انتاجيته عام 2021 نحو 2.74 مليار قدم مكعب يوميا. وتذهب بعض التفسيرات لانخفاض انتاجية “ظهر” أن البئر تعرض للإرهاق منذ عام 2021 نتيجة استخراج الغاز بكميات عالية مما تسبب في حدوث تشققات في جسم البئر أدت إلي تسرب المياه إلي داخله بكميات كبيرة وانخفاض الضغط داخل البئر مما أثر سلبا علي إنتاجيته. وهي أزمة فنية طارئة لا تشين الحكومة ولا نظام الحكم ووارد حدوثها في مصر أو في غيرها من البلدان سواء المتقدمة أو النامية، وتسعي الحكومة إلي إيجاد حلول لها، فلماذا لم يعلن وزير البترول الحقيقة؟.
وهذا السؤال يعكس الأسلوب الذي تتعامل به الحكومة مع الأزمات وآخرها أزمة الغاز الحالية، وهو أسلوب يفتقر إلي الحس السياسي وعدم الشفافية وفي النهاية ينتهي بتحميل أعباء الأزمة للشعب الذي لم يتسبب في حدوثها والذي ما عاد يحتمل أي ضغوط وأحمال جديدة. فإيقاف تصدير الغاز المصري لا يرجع إلي موجة الحر الشديدة كما أعلن وزير البترول، فعدم التعامل بشفافية وعدم مصارحة الشعب بالأسباب الحقيقية للمشاكل تفتح الباب علي مصراعيه لانتشار الشائعات والسخرية والطعن في كفاءة الحكومة، وكأن الحكومة لا تدرك أننا في زمن لم يعد ممكنا فيه إخفاء الحقائق.
وكذلك فأن هذه الحكومة لم تراع أن البلد مقبل علي انتخابات رئاسية وأن الأطراف المناهضة للرئيس تستغل مثل هذه القرارات في اكتساب أصوات الناخبين، وهي القرارات التي تلقي علي كاهل الشعب أعباء جديدة، وأن الكياسة السياسية تقتضي عدم تحميل الناس بأعباء جديدة بل محاولة دعمهم، وأن يصبح مستقرا في ذهن الحكومة أن تحميل الناس بأعباء جديدة أصبح خط أحمر لضمان استقرار المجتمع.
فالقرار الأخير بقطع التيار الكهربائي عن المواطنين لتخفيف الأحمال لم يكن القرار الصائب من ناحية الكياسة السياسية فكان يمكن تلافيه ببدائل أخري يقع تأثيرها علي شرائح محدودة من الناس وليس علي عموم الشعب كتحديد مواعيد مبكرة لإغلاق الكافيهات والمطاعم التي أصبحت منتشرة بكثافة كبيرة في جميع الأحياء وتحت الكباري وفي محطات الوقود.
ولايخفي كذلك دورالأصوات المدافعة عن الحكومة، والتي تنبري للدفاع عن قراراتها الحكومة وتكيل الاتهامات لكل من ينتقد قرارتها وتنتهي بأن تكيل السباب للمواطنين وتصفهم بالجحود وإنكار الإنجازات وأنهم لا يريدون أن يتحملوا أعباء التنمية، وهذا غير صحيح فليس من ينتقد قرارات الحكومة بناكر لكثير من الإنجازات التي تمت. إن تعدد الآراء وتنوعها دليل علي صحة المجتمع وعافيته، وأنه مجتمع عفي لا يشيخ.