رفعت رشاد يكتب: الخوف

بيان

“الخوف” يكفى عنوان هذا المقال للكاتب الكبير رفعت رشاد لتقرأه (المقال).. وهو منشور بصحيفة “الوطن” ونعيد نشره هنا دون كلام كثير فى تقديمه، فقط نؤكد أنه مقال مشوق ويستحق القراءة.

الخوف آفة من أخطر الآفات التى تزعج الإنسان فى كل العصور. والخوف أنواع منها ما هو مادى حقيقى كأن تلسع النار يدك، ومنها ما هو معنوى أو داخلى لا يدركه إلا من يشعر به، كأن يخاف أحدنا من الامتحان أو من منافسة ستجرى أو من عاقبة لارتكاب خطأ ما.

فى كل الأحوال فإن الخوف حقيقى وهو يضر بالإنسان ضرراً شديداً فيجعله مشتت الذهن فاقداً متعة الحياة إلى أن ينتهى الشعور به فيسترد الإنسان حالته بعد المعاناة التى مر بها.

يبدأ الخوف مع الإنسان منذ الصغر، فالطفل يخاف الوحدة والظلام، والصبى يخاف أن تسرق دراجته، والشاب يخاف نتيجة الامتحان أو فقدان حبيبته، والموظف يقلق على درجته المالية أو علاوته، ويخاف الفلاح الآفات الزراعية، والمرأة تخاف أن يذبل جمالها، وهكذا يوجد الخوف لدى كل الناس بأنواع ودرجات مختلفة.

لكن الخوف لا يقتصر على الأفراد، بل يمكن أن تجتاح موجة خوف شعباً ما فنجد هذا الشعب أو ذاك يخاف من الحرب أو يخشى تزايد الفقر وفى هذه الحالة يسيطر الخوف الجماعى على الناس ويمكن أن تنتقل مشاعر الخوف عبر أجيال مثل أن يصبح لدى شعب ما عقدة تجاه شعب آخر يكون قد انتصر عليه فى الحرب أو عدة حروب متتالية فيصبح لدى الشعب المهزوم عقدة وخوف شديد من تكرار الهزيمة وتخور عزيمته فلا يفكر فى المقاومة أو الثأر.

من أنواع الخوف الخطيرة، الخوف الذى يفقد العقل ويتبع فيه الإنسان غريزته فقط أو ما لقن أن يتبعه، فقد نخاف شيئاً لا مبرر للخوف منه فهو لن يؤذينا، لكنها الغريزة وكذلك التربية التى تعودنا على سلوك معين تجاه أمور معينة.

يقول «داروين» عن مشاعر الخوف عند الإنسان: «إن الغريزة لا تسمع صوت العقل إذا ما قال بانعدام الخطر”.

ذهبت يوماً إلى حديقة الحيوان ووضعت وجهى ملاصقاً لزجاج بيت الثعبان، وعزمت ألا أتراجع إذا أقبل يضربنى، لكن سرعان ما انهارت عزيمتى عندما ضربنى الثعبان من وراء الزجاج، فقفزت خطوات إلى الوراء، ولم يكن لإرادتى وعقلى حيلة عندما تصورت الخطر الذى لم أجربه من قبل».

يعتقد الناس أن الخوف من الثعبان وغيره غريزى يولد مع الإنسان، لكن التجارب أثبتت أن الخوف شعور مكتسب، ينشأ من سماع القصص المخيفة عنه كما أثبتت الأبحاث أن الطفل حديث الولادة لا يتأثر بالانفعالات وبالتالى لا يدرك مشاعر الخوف ولا تؤثر فيه.

ومن مشاعر الخوف الخطرة، تلك المشاعر التى يشكلها الإنسان داخل نفسه ويعتقد أنها العامل الحاسم فى مصيره، كأن يخاف الموظف غضب رئيسه عليه إذا ما اعتقد أنه أخطأ فى أمر لا يحبه رئيسه وهو فى هذه الحالة يعانى بشدة خوفاً من نتائج غضب رئيسه عليه.

وتحكى قصة روسية عن موظف ذهب إلى حفلة فى دار الأوبرا وتصادف أن كان الجالس أمامه رئيسه فى العمل الذى لا يعرفه من الأصل لأنه موظف نكرة. خلال جلوسه عطس الموظف فتناثر الرذاذ على قفا رئيسه الذى أبدى استياءه ونظر خلفه لائماً الموظف.

ورغم أن رئيسه لا يعرفه إلا أن الموظف ظل يتألم ويعانى معاناة نفسية شديدة وأصر على أن يذهب إلى رئيسه ليعتذر له رغم أن الرجل نسى الأمر، ولكن الموظف ذهب إليه فى منزله ليعتذر لكنه سقط ميتاً من الخوف.

كثيراً ما يقتلنا الخوف بدون أن يكون هناك داعٍ لذلك، فالخوف لم يولد معنا، لكننا خلقناه بأنفسنا.

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: قضايا الأسرة فى الحوار الوطنى

رفعت رشاد يكتب: من غشنا فهو منا

زر الذهاب إلى الأعلى