جنازة مهيبة للمغنية الإيرلندية التى أسلمت وصلوا عليها فى المركز الإسلامى.. ما القصة؟
سردية يكتبها: عاطف عبد الغنى
خرج عشرات الآلاف من الإيرلنديين إلى شوارع العاصمة دبلن لوداع المغنية الإيرلندية الراحلة شُهدة أو شهيدة، وكانت تسمى فى السابق سينيد أوكونور، قبل أن تعلن إسلامها فى عام 2018 وتغير اسمها، وعادت خلال الساعات القليلة الماضية سيرة المغنية إلى صدارة “الميديا” الغربية، التى تعاملت معها على أنها ضحية للاكتئاب، والاضطرابات النفسية، وحاولت بعض وسائل الإعلام التشكيك فى الطريقة التى لقيت بها وجه ربها، والقول بأنها ماتت منتحرة، على الرغم من أن جسدها خضع للتشريح لكن تقرير الطب الشرعى لم يظهر بعد.
أعلنت أوكونور سنة 2018 اعتناقها الإسلام، وأعلنت أنها غيرت اسمها إلى “شُهدة”، لكن قبل هذه الخطوة كان هناك تاريخ طويل من المعاناة والعذاب، والشهرة، والثراء، والمجد لابد أن نلقى عليه الضؤ.
ما القصة؟
فى 29 يوليو الماضى تم الإعلان عن وفاة المغنية الشهيرة وكاتبة الأغاني الأيرلندية سينيد أوكونور عن عمر ناهز الـ (56) عاما، ونقلت هيئة الإذاعة الوطنية الأيرلندية “آر تي إي RTE” نعي عائلة المغنية للعالم، وجاء فيه: “ببالغ الحزن نعلن وفاة محبوبتنا سينيد”، وطالبت العائلة ما وصفتهم بـ “أصدقاء الراحلة بـ “احترام خصوصيتها في هذا الوقت الصعب للغاية”، ولم يكن معنى الطلب، إلا ألا يلوك لبعض سيرتها التى حاولوا تشويهها بشتى تالطرق بعد اعتناقها الإسلام، وإشهار الأمر للجميع.
وعلى الرغم مما سبق فقد تعامل الجميع فى الغرب مع المغنية الراحلة على أنها “سينيد أوكنور، وليس من خلال اسمها بعد اسلامها “شهيدة”.
وتبارى المسئولون ووسائل الإعلام الغربية والجميع لم يستطع تجاهل تاريخها فى النجاح والشهرة كمغنية، فى نعيها، وتأبينها، وفى هذا الصدد أصدر الرئيس الإيرلندي مايكل دي هيجينز بيانا عقب وفاتها جاء فيه: “إن تدفق الحزن والتقدير لحياة وعمل سينياد أوكونور يوضح الأثر العميق الذي أحدثته على الشعب الأيرلندي”، بحسب صحيفة إندبندنت البريطانية.
وأضاف الرئيس الإيرلندي: “تضمنت التجربة الفريدة لسينياد ، ضعفا كبيرا مصحوبًا بمستوى رائع واستثنائي من الإبداع ، اختارت تقديمه من خلال صوتها وموسيقاها وأغانيها”.
فيما علق رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فاردكار عبر تويتر “أنا آسف جدا لسماع نبأ وفاة سينيد أوكونور”، مضيفا “كانت موسيقاها محبوبة في جميع أنحاء العالم وموهبتها لا مثيل لها ولا تضاهى”.
وقالت عنها الناقدة والمؤلفة الأمريكية نيل مينو “هذه الأغنية كانت تجري في دمنا”.
الجنازة
وأمس الثلاثاء، أقيمت جنازة خاصة للراحلة، وسارت الآلاف التى خرجت لتوديعها الوداع الأخير عبر المدينة الساحلية حيث كانت تعيش، واصطفت الحشود تذرف الدموع في الشوارع وعزفوا موسيقاها ، بالإضافة إلى موسيقى بطلها بوب مارلي ، بحسب صحيفة “التايمز” اللندنية.
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) فى وصف الجنازة: “تجمع أكبر حشد خارج المنزل الذي عاشت فيه على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية ، حيث صفق لها من قبل الكثيرون وانضموا للغناء معها عام 1990 بعنوان “لا شيء يقارن بك” حيث توقفت الحشود أمام منزلها السابق”.
فيما حاولت صحيفة “التايمز” تذكير القراء بنشاطات المغنية الراحلة قبل اعتناقها الإسلام، وقالت إنها كرست نشاطها طوال مسيرتها المهنية ، تاركة وراءها لافتات Black Lives Matter و Gay Pride و “الترحيب باللاجئين” خارج منزلها.
أما موقع مجلة “بيبول….” فقد كان أكثر موضوعية، حين قال عن الجنازة إنها لمسلمة ، وأضاف: “أشرف على جنازتها كبير الأئمة في المركز الإسلامي بأيرلندا ، الشيخ عمر القادري.
وأشار كبير الأئمة فى تأبينه ، الذي نشره عبر مواقع التواصل ، إلى إيمانها ، وكيف كان يمكنها “تقليل دموع المستمعين بسبب صدى صوتها الآخر” ، وقدرتها على جمع المستمعين في جميع أنحاء العالم معًا.
وأضاف الشيخ القادري: “كان صوت سنيد يحمل معه مسحة من الأمل ، والعثور على الطريق إلى الوطن”.
وتابع: “عانت سيناد أكثر من نصيبها من المشقة والشدائد”. “كلما غنت وتحدثت عن آلامها ، وكذلك عن الخطايا المنتشرة في المجتمع التي شهدتها ، كلما كان صوتها وكلماتها يتردد صداها لدى المستمعين ولمس قلوبهم”.
المسيرة
حسب مصادر إعلامية غربية، ولدت سينيد أوكونور في 8 ديسمبر 1966 في العاصمة الإيرلندية دبلن، وعاشت طفولة صعبة، إذ تعرّضت في سنوات صغرها إلى إساءات “جنسية وجسدية ونفسية وروحية وعاطفية ولفظية”.
وقبل احترافها الغناء، تم القبض عليها عدة مرات على خلفية اتهامها بالسرقة، وذلك قبل إرسالها إلى “إصلاحية” تابعة للكنيسة، حيث شجعتها راهبة في تنمية شغفها بالموسيقى من خلال شراء جيتار لها.
من الشوارع والحانات إلى المجد والشاشات
ومن شوارع وحانات في دبلن، بدأت الغناء، ودفعتها الحاجة إلى إسماع كلمتها وسط الضجيج السائد على إعلاء صوتها، حتى إذا بلغت العشرين، انتقلت إلى لندن وسجلت ألبومها الأول عندما كانت حاملاً بطفلها الأول.
وعندما بدأت مسيرتها فى عالم الغناء، وبعد نجاح ألبومها الأول الذى حمل عنوان: “الأسد والكوبرا”، وصدر عام 1987، وتلاه بعد ذلك بثلاث سنوات ألبوم “لا أريد ما حصلت عليه” الذي ضم أغنية “لا شىء يقارن بك” التي كانت عاملاً رئيسياً في شهرتها العالمية، والأغنية من تأليف الفنان الأمريكي برنس، ومن خلالها تصدرت الساحة الغنائية العالمية في بدايات التسعينيات.
تطرقت أوكينور في أعمالها إلى مختلف الأنماط، من الموسيقى الأيرلندية التقليدية إلى موسيقى البلوز والريجي، فذاعت شهرتها ، وعندما طلبت منها شركة الإنتاج التى تعمل معها اعتماد مظهر أنثوي أكثر، أثار ذلك استياءها، وكان ذلك فى عام 2014، وحينها صرحت لصحيفة “ذي ديلي تلجراف” قائلة: “لقد دعوني لتناول الغداء وقالوا إنهم يرغبون في رؤيتي أرتدي تنانير قصيرة وأحذية ذات كعبٍ عالٍ وبأن أترك شعري ينمو”.
وبعد فترة وجيزة من هذه المجادلة طلبت أوكينور من مصفف شعر يوناني شاب أن يحلق رأسها، وقالت عن هذا الأمر: “لم يكن يريد أن يفعل ذلك، لقد كاد يبكي، أما أنا فقد كنت سعيدة بالأمر”.
واعترفت أوكونور في عام 2013: “أعتقد أن عليّ القول إن الموسيقى أنقذتني، لقد كنت أمام خيارين: السجن أو الموسيقى، وكنت محظوظة”.
ومنحها مظهرها المختلف برأسها الحليق ونظراتها الثاقبة وصوتها الرقيق نجمة في جميع أنحاء العالم، ودائماً ما كانت تقدم حفلات استُنفدت كل تذاكرها.
لكن لأن لا شىء يدوم فقد بدأت مسيرتها الفنية بالتراجع، منتصف التسعينات، ولم تعد ألبوماتها تثير نفس الشغف والاهتمام لدى جمهورها، وبينما كانت تخوض معركة حضانة ابنتها رويزين، صارت مشاكلها الشخصية تضغى على أعمالها الفنية، حتى أنها أعلنت اعتزالها الغناء عام 2003 ، لكنها عادت وأصدرت عام 2005 ألبوماً لموسيقى الريجي بعنوان: “Throw Down Your Arms”.
وأصدرت أوكينور ألبومها الأخير عام 2014 بعنوان: “I’m not a bossy, I’m the boss” ولاقي استحساناً نقدياً، لكن أوكونور ألغت كل حفلاتها في منتصف عام 2015 بداعي “الإرهاق”.
معاناتها الشخصية
تزوجت أوكونور 4 مرات، ورزقت أربعة أطفال وُلِد آخرهم في نهاية عام 2006، واشتهرت بمناصرتها لحقوق المرأة وانتقادها للاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة الكاثوليكية في أيرلندا.
في العام 1992، نددت بالاعتداءات الجنسية على الأطفال في الكنيسة وأظهرت ذلك علنا من خلال البرنامج التلفزيوني الأمريكي “Saturday Night Live”، وتلقت على إثر ذلك تهديدات بالقتل، وقاطعت عدة محطات إذاعية أغانيها، ولم تكن قد تكشفت بعد إعلاميا ، آلاف الحالات من الاعتداءات الجنسية على الأطفال والمراهقين التي افترفها رجال الدين في أيرلندا بين ستينات القرن العشرين وتسعيناته، وتسببت مرة أخرى في فضيحة في عام 1999 عندما أعلنت كنيسة أيرلندية منشقة سيامتها “كاهنة”.
وقبل اعتناقها الإسلام، صارت أوكونور تعبّر عن تقلباتها النفسية على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أنها أعلنت أنها حاولت الانتحار، وكان ذلك فى إعلان على صفحتها بموقع التواصل “فيسبوك” ، كما هددت شركاءها السابقين باتخاذ إجراءات قانونية ضدهم، وتحدثت عن مشاكل صحتها الجسدية والعقلية، وتطرقت إلى علاقتها المعقدة مع عائلتها وأطفالها.
وجاءت صدمتها الأخيرة في عام 2022، حين أنهى نجلها شاين البالغ 17 عاماً حياته. وشكل انتحاره صدمة كبيرة لها تركت أثراً سلبياً كبيراً على حياتها، حتى أنها بحثت عن العلاج للتخفيف من وقع الصدمة عليها.
إسلامها ودفاعها عن الحق والحقوق
في عام 2018 اعتنقت أوكنيور الإسلام، فى بحثها عن الخلاص، وغيرّت اسمها إلى “شُهداء صداقات”، ونشرت على موقع “تويتر” في أكتوبر 2018، تدوينة قالت فيها: “أعلن أنني فخورة بكوني مسلمة”، واعتبرت الإسلام “النتيجة الطبيعية لكل رحلة دين ذكية”، وأضافت “كل دراسة للكتاب المقدس تؤدي إلى الإسلام”.
وفى مقابلة إعلامية عام 2019 ، سئلت عن معنى كلمة “التحول” التى ذكرتها فى معرض الحديث عن إسلامها فقالت: “تشير كلمة (التحوُّل) إلى فكرة أنه إذا كنت ستدرس القرآن، فستدرك أنك كنت مسلمًا طوال حياتك دون تدرك ذلك، وهذا ما حدث لي“.
وأضافت: “لقد بدأت في دراسة الكتب المقدسة من ديانات مختلفة، في محاولة للعثور على الحقيقة.. عن الله.. لم أفكر مطلقًا في أنني سأعتنق أي ديانة، وتركت الإسلام حتى النهاية لأنني كنت متحاملة عليه، ولكن لاحقًا عندما بدأت القراءة، وقرأت فقط الجزء الثاني وحده من القرآن، أدركت أنني وجدت ضالّتي. لقد كنت مسلمةً طوال حياتي ولم أدرك ذلك”.
وعندما سئلت لماذ ترتدى الحجاب، أجابت: “أرتديه لأنني أحبه، بالنسبة لي، إنه عبارة عن تعريف بنفسي بأنني مسلمة وجزء من عائلة الإسلام”.
وعلى مواقع التواصل تبارى بعض النشطاء الذين حزنوا لرحيل أوكينور فى ذكر مواقفها المشرّفة تجاه القضية والشعب الفلسطيني، حيث قررت عام 2014 مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي والانسحاب من حفل موسيقي كان من المقرر أن يُقام في “إسرائيل”.