د. ناجح إبراهيم يكتب: دم البعوض وفقه الأولويات

بيان

• من فقه الأولويات رفض الرسول إدخال الحجر في البيت الحرام رغم أنه هو الأفضل والأصح مقدما تآلف قومه ووحدتهم وتماسكهم علي ذلك حتى عقد البخاري لذلك باباً في كتابه اسماه العدول عن الأفضل للجائز لحاجه,فقد قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” لعائشة: “لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنظرت أن أدخل الحجر في البيت وألزق بابه بالأرض”, فقد خاف من فتنة قومه واضطرابهم أو ظن بعضهم أنه يريد أن يستأثر بهذا الشرف لنفسه دونهم بعد أن أصبحت له الكلمة العليا, فعدل من الأفضل للجائز تأليفاً للقلوب ودرءً لمفسدة الشقاق المجتمعي.
• فقد قدم الرسول”صلى الله عليه وسلم” الإيمان علي العمل الصالح, وقدم العلم علي العمل, والفرض علي النفل, والكيف علي الكم, والفهم علي الحفظ, وقدم الراجح علي المرجوح, والفاضل علي المفضول, وفرض العين علي فرض الكفاية.
• والعبادات الاجتماعية التي يتعدي نفعها مثل الإصلاح بين الناس ورعاية الأيتام والمعوقين علي العبادات الفردية النافلة, ومحاربة الكبائر والموبقات والاهتمام بالواجبات المضيعة علي محاربة المكروهات والصغائر.
• وكذلك تقديم إخفاء التطوعات أولى من إظهارها “إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ” وتقديم الفرض علي الواجب والواجب علي السنة والسنة المؤكدة علي المستحب, والقربات الاجتماعية علي القربات الفردية, والطاعات المتعدى نفعها إلي الآخرين علي ما يقتصر نفعه علي فاعله, وعمل الحاكم العادل في رعيته وشعبه علي تطوعه بنوافل العبادات حتى قيل “يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة”.

• قيل للشيخ الغزالي ما حكم تارك الصلاة؟ فقال حكمة أن تأخذه معك إلي المسجد, أي بدلاً من الأخذ والرد في حكمه والاختلاف فيه أفعل الأفضل والأحسن والأرقى وهو أن تأخذه معك إلي المسجد وتنشغل بدعوته للصلاة بدلاً من تكفيره أو تفسيقه.
• مشكلتنا جميعاً في معايير الأولويات وتغييب فقهها, حتى صرنا نكبر الصغير, ونصغر الكبير,ونعظم الهين ونهون الخطير, ونؤخر أوائل الأمور, ونقدم أواخرها, ونكترث للصغائر ونهون الكبائر, فترى الرجل يسبح كثيراً ولا يتحرز من المال أو الدماء الحرام, فيأخذ الرشوة مثلا دون استحياء, ونهتم بالنوافل علي حساب الفرائض, ونقدم مصالح الجماعات والأفراد علي مصالح الدولة أو الأمة, ونقدم الحرب علي السلام والصراع علي الوئام.
• فقه الأولويات يجعلك تقدم الأصول علي الفروع ولا تحول السنة إلي فرض, ولا الخطأ إلي خطيئة ولا الخطيئة إلي كفر.
• فقه الأولويات هو الذي جعل الرسول”صلى الله عليه وسلم” يرد من يريد أن يجاهد معه ليرعى والديه “أحي والداك” قال الرجل: “نعم” فقال له ففيهما فجاهد “وقال لآخر: “ارجع إلي والديك فأحسن صحبتهما”.
• فقه الأولويات هو الذي يجعلك تفرق بين الكفر والظلم, وبين الكفر والفسق, وبين الكفر الأكبر والأصغر, وبين معصية آدم ومعصية إبليس, وبين معصية الشهوة وإثم الكبر, وبين معاصي القلب والجوارح, فمن كانت معصيته في الشهوة ترجو له خيراً ومن كانت معصيته في الكبر فلا ترجو منه خيراً, معصية آدم كانت في الشهوة فتاب وتاب الله عليه ومعصية إبليس كانت في الكبر فلم يتب.
• غياب فقه الأولويات هو الذي جعل أهل العراق يسألون ابن عمر عن حكم دم البعوض فأجابهم مستنكراً, قتلتم ابن بنت رسول الله وتسألون عن حكم دم البعوض.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى