المخدر الأكثر انتشارا في مخيمات اللاجئين العرب بأوروبا
إعداد: أشرف التهامى
“من الصعب لي أن أشرح كيف بدأت، ولماذا، تعرفت إلى هذه المادة في “الكامب”، لا أتناولها كما في السابق لكنني لا زلت عالقا بها”.. هكذا تحدث الشاب السوري سعيد (اسم وهمي) ذو السادسة والعشرين عاما من عمره، وهو لاجئ في اليونان عن رحلته المستمرة منذ سنتين مع عقاقيره “المفضلة” كما يصفها، إنها إحدى أنواع الحبوب التي لم تنل شهرة على غرار منافستها ترامادول من حيث التأثير ، لكنها سجلت مكانا في السنوات الأخيرة ضمن لائحة الأصناف الدوائية القابلة لإساءة الاستخدام أو المسببة للإدمان.
عقار Lyrica، والذي ذاع صيته في السنوات الأخيرة، كمخدر لجأت إليه أوساط المدمنين، على الرغم من المخاطر الصحية التي تسببه إساءة استخدامه ، في حين كانت فئة الشباب اليافعين (أقل من 30 عاما) هم الأكثر استهلاكا له، بحسب دراسة نشرتها الجمعية الطبية البريطانية B.J.
ليريكا.. خيار موجود داخل مخيمات أوروبا
يعيش سعيد في مخيم يقع على أطراف أثينا، وكانت المرة الأولى التي تناول فيها عقار “ليريكا” قبل أكثر من عام كما يقول، ويضيف: “البداية كانت في تناول حبوب ليريكا من عيار 150 مل وأنه لا يزال مستمراً، مع تخفيف الكمية مقارنة في السابق “كنت أتعاطى حبوب كبتاجون في السابق، بعد وصولي إلى اليونان بدأت بأخذ ليريكا، أتعاطى يومياً من 3 إلى 4 حبات، لأنها تعطيك شعورا بالراحة والهدوء، لتتقبل المشكلات براحة وبلا تعب”.
“يباع ليريكا في الكامبات (معسكرات اللاجئين) أيضاً، في كامب مندليزا التابع للشرطة اليونانية مثلا، يتم تهريب ليريكا بعد طحنه ليباع مع أكياس السكر.. غالبا ما تتم إذابته مع الشاي وشربه”، كما يقول سعيد.
حكاية جورج
يدلّنا الشاب السوري جورج (اسم وهمي – 24 عاما) على غرفة “الديلر” داخل أحد مخيمات مقاطعة فريزلاند الهولندية، “الديلر” هو البائع الذي يؤّمن لزبائنه ما يحتاجونه من أصناف المخدرات.
يقول جورج “فى أي وقت تستطيع الحصول على ليريكا. جربتها مرة واحدة.. شعور جديد ومختلف بالسعادة.. بتضلك ريلاكس”.
من هولندا أيضاً داخل إحدى المخيمات الدائمة لاستقبال طالبي اللجوء، يصف شاب سوري آخر (22 عاماً) شعوره عند تناوله حبة من ليريكا “كأنني دخنت ست أو سبع سجائر حشيش.. ريستوخ (كلمة هولندية تعني استرخاء) عالآخر”. ويضيف “لست مدمنا عليها فقد تناولتها مرات قليلة فقط.. أذبناها وأصدقائي في مشروب الطاقة”، أما عن سعرها وطريقة الحصول عليها فبحسب الشاب هناك من يقوم ببيعها داخل “الكامب” بسعر يتراوح من 2 إلى 5 يورو “حسب الزبون”.
عوامل نفسية لإساءة استخدام ليريكا
يفضل خبراء النفس والصحة استخدام مصطلح إساءة الاستخدام عوضاً عن الإدمان، ويحددون العديد من العوامل التي تؤثر في تماسك الشخصية وتغير في طبيعتها ما يقودها إلى الإدمان.
تواصلنا مع د. درغام السفّان، وهو استشاري في الطب النفسي مقيم في ألمانيا، وله عدة كتب في المجال النفسي والصدمات، عن عقار “ليريكا” وإساءة استخدامه، والدلالات النفسية بالنظر للحالات التي تناولها التقرير باعتبارهم لاجئين هربوا من أهوال الحرب، مع التأكيد بأن الإدمان ليس حكرا على مجموعة محددة، إن كانوا لاجئين أو حتى يافعين.
وأوضح استشاري الطب النفسي بداية أن الإدمان مرتبط بتفاعل المادة مع الشخصية نفسها، ويلخص العوامل النفسية التي قد تساهم في الدفع نحو الإدمان بالتالي:
– الشخصية الاكتئابية.
– اضطرابات القلق بأنواعه.
– الصدمات النفسية الناتجة عن الحرب.
– الاعتقال والتعذيب.
– التعرض للكوارث الطبيعية.
عادل (اسم وهمي – 30 عاما) وهو شاب سوري يحمل الجنسية الألمانية أساء استخدام ليريكا لفترة وجيزة في السنة الثانية من لجوئه في ألمانيا، ويرى أن انتشار “ليريكا” دون غيرها يكمن في “سعرها المنخفض، وربما مفعولها القوي ساعد في انتشارها أيضا”.
سألنا أحد العاملين رفض ذكر اسمه في منظمة Die Johanniter المعنية بإيواء اللاجئين في ألمانيا، عن رصده لإساءة استخدام “ليريكا” فاكتفى بالقول إن “ليريكا من بين الأنواع المنتشرة في مخيمات اللاجئين.. باستثناء مخيمات القادمين الجدد إلى ألمانيا”.. مضيفا “لا أعتقد أنها منتشرة بكثرة هناك”.
السر في بريجابالين ونظام المكافأة
Lyrica هو الاسم التجاري لمادة بريجابالين الكيميائية والتي توصف لمرضى الصرع واعتلال الأعصاب، ويصنفها الأطباء كمضاد للاختلاج.
توجد بريجابالين في أصناف دوائية أخرى، وتؤثر هذه المادة بشكل مباشر على نظام المكافأة في الدماغ الذي يعطي بدوره أمرا بإفراز مادة الدوبامين والتي تمنح بدورها شعورا بالرضا والسعادة، هذا النظام هو مجموعة من الهياكل العصبية مسؤولة عن الحوافز والمشاعر المبنية على المتعة.
وشاع في السنوات الأخيرة إدمان بعض الناس على عقار ليريكا، وهو الاسم التجاري لمادة بريجابالين، وهو دواء مضاد للصرع الجزئي تحديدا. وما يتصل بآلام الأعصاب. لجأت إليه أوساط المدمنين الذين كانوا يتناولون مادة الترامادول بعد فقدانه وغلاء أسعاره للتشابه في التأثير بينهما”،
ويقول د. السفان توجد مادة بريجابالين في أنواع دوائية أخرى، لكن ما هو سر شهرة ليريكا؟ يجيبنا د. السفّان “قد تزيد شركة ما من فعالية حبوبها، ما قد يجعلها شائعة أكثر من غيرها، ليريكا نوعان: حبوب الـ 100 مل وحبوب الـ 150 مل”.
إساءة الاستخدام
في عام 2004 أوجدت شركة “فايزر” الأميركية حبوب Lyrica، بعد عام منح الاتحاد الأوروبي الموافقة على الدواء، أطلقت في عام 2008 وكالة الأدوية الأوروبية EMA تحذيرا باحتمالية إساءة استخدام Lyrica، لاحتوائه على بريجابالين المسبب للإدمان، واشترطت استخدامه ببروتوكول المراقبة المرمز إليه بـ IV، طورت الشركة المصنعة Lyrica عدة مرات، كان آخرها في عام 2019، حيث زادت من فعالية الحبة الواحدة للتقليل من عدد الجرعات لدى المرضى الذين يتناولونه.
أفكار انتحارية
وتحذر وكالة الغذاء والدواء الأميركية من الأدوية المضادة للصرع، وتؤكد على تأثير مادة بريجابالين باعتبارها قد تزيد من الأفكار والسلوكيات الانتحارية، بالإضافة إلى تأثيرها على الصحة الجسدية واحتمالية أن تتسبب بانتفاخات حول الرقبة والرأس واليدين وصعوبات في التنفس.
“يتشارك ليريكا وترامادول بالتأثير رغم انتمائهما لفئات دوائية مختلفة” ، وفى التالى بعض آثار “ليريكا” السلبية على صحة المدمن، وفق د. السفان:
فقدان الذاكرة قصير المدى
سرعة في الانفعال
تقلب في المزاج
تقطع في النوم
غثيان وتشنجات
ضعف في العضلات ومشكلات في التوازن
التعافي من إدمان ليريكا
يؤكد الخبراء أن طريق التخلص من إدمان مادة بريجابالين التي تحتويها ليريكا يأخذ وقتا وجهدا واحتمالية أن تواجهه بعض المخاطر، ينبه كذلك د. درغام السفان إلى ضرورة أن “تتم العملية خارج المنزل. لا بد من معالجة الإدمان في مركز طبي متخصص، بسبب الأعراض الخطيرة لإيقاف تناول الدواء”.
يقول سعيد إنه بدأ يستعد لترك ليريكا نهائياً لكنه يريد أن يخوض هذه المعركة وحده، أو كما يقول:
“”نعم. أفكر في تركها. أعاني حاليا من قلة النوم، وجع في الرأس، خمول دائم لأنني أحاول إيقاف تعاطي المخدرات”.
الحروب وعدم الاستقرار
وأخيرا: يبقى عقار Lyrica واحدا من بين عشرات الأصناف الدوائية القابلة لإساءة الاستخدام، وبينما تعلو الأصوات المحذرة من إساءة استخدام العقاقير الدوائية، لا يبدو ذلك مجدياً في ظل زيادة عدد الأشخاص المدمنين على المخدرات في العالم بنسبة 45% في الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2021، بحسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، في حين لعبت الحروب وحالة عدم الاستقرار دورا رئيسيا في توسع وازدهار صناعة وتجارة الحبوب الكيميائية بشكل غير شرعي كسوريا وأوكرانيا وأفغانستان.