طارق صلاح الدين يكتب: لماذا كان تشويه عبدالناصر واجبا؟! (1)
بيان
أربعة سنوات كاملة كان لابد من مرورها بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر حتى يعطى أنور السادات الإذن بإنطلاق حملات تشويه عبدالناصر مستثمرا انتصار أكتوبر ١٩٧٣ فى هذا التشويه بالطرق المتواصل على هزيمة يونيو ١٩٦٧ وتحميلها بالكامل لعبدالناصر وتناسى السادات تماما دور جمال عبد الناصر في إعادة بناء القوات المسلحة وخوض حرب الإستنزاف وبناء حائط الصواريخ الذى يعتبر كلمة السر في نصر اكتوبر والذى بمجرد خروج الجيش المصرى عن نطاق حمايته حدثت ثغرة الدفرسوار وماتبعها من تداعيات.
كان لابد من إنطلاق حملة تشويه عبدالناصر فالسادات طول الوقت يضع نفسه في مقارنة مع عبدالناصر ولايجد طريقا للفوز في هذه المقارنة إلا بالنيل من كل مايتعلق بعبدالناصر.
حشد السادات كل أسلحة تشويه عبدالناصر وانطلقت كتيبة كاملة تتكون من مصطفى أمين وانيس منصور ومصطفى محمود وتوفيق الحكيم وصالح جودت وغيرهم ولم يجدها السادات كافية لتحطيم عبدالناصر فاعطى إشارة إنتاج سلسلة أفلام سينمائية تصبغ عصر عبدالناصر بكل ألوان التعذيب وانطلق الجميع يتبارون فى الإبداع وكان لزاما إضافة خلطة الجنس لزيادة الإثارة وبدت هذه الخلطة بوضوح في فيلم(الكرنك) وانطلقت سلسلة طويلة من الافتراءات بأفلام من نوعية(إحنا بتوع الاوتوبيس) و(حافية على جسر الذهب)و(طائرةالليل الحزين)وغيرها من القائمة الطويلة.
ووجد السادات ضرورة رهيبة فى إستدعاء جماعة الإخوان المسلمين لتساهم بجهدها الوفير في التصدى للتيار الناصرى فى الجامعات علاوة على إستثمار قدراتها الخارقة في إطلاق الأكاذيب والشائعات على عبدالناصر حيا وميتا فظهرت اقذر الأكاذيب بطفح المجارى في ضريح عبدالناصر وترديده كلمة وثن وثن اثناء وفاته وغيرها من إبداعات الإخوان المجرمين.
بدأمنهج تشويه عبدالناصر من لحظة إنطلاق ثورة ٢٣يوليو ١٩٥٢ وابدع كورال التشويه فى عزف الأكاذيب فالملك فاروق رفض مقاومة الجيش فى ٢٣يوليو ١٩٥٢ حقنا لدماء المصريين وهى أكذوبة نسفتها وثائق السفارات البريطانية والأمريكية بذكر استغاثات فاروق للتصدى للثورة وإنقاذ عرشه وقد أوردتها في كتابى عبدالناصر بلاتشويه الجزء الأول.
والملك فاروق لم يتركه عبدالناصر بل أرسل خلفه من يضع له السم في طعام العشاء ليصدق الناس ذلك لفترة قبل أن ينسف أحمد مرتضى المراغى آخر وزير للداخلية في عصر الملك فاروق هذه الأكذوبة في كتابه (شاهد على حكم فاروق).
وينطلق قطار الأكاذيب ليتهم عبدالناصر بالديكتاتورية ورفض الديمقراطية وهى أكذوبة أعاد ترديدها مدعين الثورية الجدد بعد ثورة ٢٥يناير بشعار ابدعه الإخوان المسلمين وابتلعه هؤلاء المدعين للثورية وهو شعار ((سبعون عاما من حكم العسكر ))وأن عبدالناصر هو الذى أرسى حكم العسكر.
ولامانع فى إطار أكذوبة الديمقراطية من حشر أسماء محمد نجيب ويوسف صديق وخالد محيى الدين ونعتهم بالمطاليين بالديمقراطية رغم أن خالد محيى الدين نفسه قد نفى تماما عن محمد نجيب سعيه لإرساء الديمقراطية وذلك في مذكرات خالد محيى الدين بعنوان (والآن أتكلم).
ولابد أن اتوقف هنا أمام الديمقراطية……فعبدالناصر طالب الأحزاب السياسية وفى مقدمتها حزب الوفد بتطهير نفسها وتغيير سياساتها قبل كوادرها ولكن جميع الأحزاب رفضت ذلك فاضطر عبدالناصر إلى إصدار قرار إلغاء الأحزاب.
أى ديمقراطية كان يطالب بها يوسف صديق وخالد محيى الدين؟ديمقراطية الشيوعيين التى لم يمت تطبيقها أبدا فى أى مجتمع شيوعى؟أم ديمقراطية عصر الملك فاروق؟ديمقراطية الباشاوات والاقطاعيين؟
هل كان مطلوبا من جمال عبد الناصر أن يشعل ثورة تطيح بالملك فاروق ليستبدله بمحمد نجيب؟
هل كان مطلوبا من جمال عبد الناصر أن يدعو اخر برلمان قبل ٢٣يوليو ١٩٥٢ للانعقاد؟
هل كان مطلوبا من جمال عبد الناصر السماح للإخوان المجرمين والشيوعيين بخوض انتخابات تصل بهم إلى السلطة؟
أم كان مطلوبا منه تسليم حكم البلاد إلى باشاوات حزب الوفد؟
هل كان مطلوبا من جمال عبد الناصر الإبقاء على دستور ١٩٢٣ المليء بثغرات مكنت الملك فؤاد والملك فاروق من التلاعب بالحياة البرلمانية؟
كل ذلك حدث والإنجليز لايزالون يحتلون مصر.
لقد صدق محمد نجيب نفسه واقتنع تماما أنه رئيس البلاد ولابد من التخلص من عبدالناصر ورفاقه ولكن كيف؟
لم يكن أمامه إلا الإخوان المسلمين ليتحالف معهم وليصنع أزمة مارس ١٩٥٤ التى كادت تصل بالبلاد إلى الحرب الأهلية بعد تحليق سلاح الطيران فوق ثكنات الفرسان مهددا بقصفها.
وهنا لابد من صنع أكاذيب جديدة فعبدالناصر قدم أربعة آلاف جنيه لعمال النقل لهدم الديمقراطية..وللأسف فقد اخترع هذه الأكذوبة عبداللطيف البغدادى أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة ولم ينطق بهذا الكذب إلا بعد رحيل عبدالناصر.
ويتم التعتيم على تحقيقات النيابة العامة التى اثبتت كذب هذه الإدعاءات وأنكر صاوى أحمد الصاوى رئيس إتحاد نقابات عمال النقل المشترك هذه الأكاذيب بل وذكر قيام محمد نجيب ويوسف صديق بعرض مبلغ عشرة ألاف جنيه عليه كرشوة لحشد العمال ضد عبدالناصر.
وتأتى مذكرات أحمد طعيمة لتؤكد بما لايدع مجالا للشك كذب الإدعاء بقيام عبدالناصر برشوة الأعمال بأربعة آلاف جنيه.
وبسرعة يتم إلصاق الإعتداء على الفقيه الدستورى السنهورى وضربه بجمال عبدالناصر الذى فعل كل الموبقات رغم إثبات أن الاعتداء على السنهورى تم بمعرفة رئيس البوليس الحربى أحمد أنور دون أى تعليمات من عبدالناصر وأوضح ذلك بالتوثيق الأستاذ سامى شرف فى كتابه: “سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر”.
تم تجسيد أزمة مارس ١٩٥٤ على أنها أزمة الديمقراطية التى قتلها عبدالناصر وظلت هذه الأكذوبة تتردد حتى ثورة ٢٥يناير التى يتباكى الكثيرون على ديمقراطيتها التى سلمت حكم مصر لجماعة الإخوان المسلمين الذين اذاقوا مصر سنة من أسود سنوات عمرها على الإطلاق.
فهل كان مطلوبا من عبدالناصر أن يسرع بقطار الزمن ليسيطر الإخوان المسلمين على حكم مصر عام ١٩٥٤؟وفى وجود الإنجليز رعاة حركة الإخوان المسلمين؟
واتوقف بقطار الأكاذيب عند أزمة مارس ١٩٥٤ واستأنف تفنيد أكاذيبه في المقال القادم إن شاء الله.
ديمقراطية الشيوعيين التى لم يتم تطبيقها أبدا فى أى مجتمع شيوعى!.
اقرأ أيضا للكاتب:
– طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (13) عبدالناصر لم يكن جارا لموشى ديان
– طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (12) طفح المجارى في ضريح الرئيس