ليلى حسين تكتب: جنود على جبهة الإبداع (1) فايزة شرف الدين وروايتها «تحت الأرض»

ديوان

أخذتنا فايزة شرف الدين إلى دنيا السحر ،  بما تملك من قدرة على الوصف العميق الدقيق والاستغراق في التفاصيل التي تسمح ببناء اللوحة المكانية و الزمانية والشعورية ، حيث تتعدد وتتنوع مشاعر الجزر والمد في مواقف متلاحقة من الغربة والوحدة ، والخوف حد الرعب.

تعددت المشاهد و آهات الوجد و تباينت مابين عشق عاصف وغيرة.. ما بين السجن والمعاناة و الحرية ، ما بين الفقر وحياة الستر وأوج الرفاهية ، و انفراج زاوية الحياة والرزق من حيث لا يحتسب.

في فصول السرد الممتع الشيق الذي تحكمه لغة راقية رشيقة تأسرنا الكاتبة بشدة في متوالية تتعاقب فيها الأحداث ما بين قمم وقيعان .. تتصدرها بقوة القطة الناعمة التي أنقذها المجند من بين الصخور ، تتصدر القطة السرد الممتع بوهج عينيها الذي يحمل معجما من الأسرار ، والرهبة،  القطة “سمسمة” تحرك دفة السرد ، تذهب بنا إلى عالم الجن ، العشق هو السلطان في مملكة تحكمها جماليات وأسس وقوانين وعهود لها قيمتها واحترامها يلتزمون بها .. تتحول سمسمة إلى شهنار الأنثى العاشقة تكاد تحرقها نار الولع ، تارة تعيش تحت الفراء الناعم لترقب العالم من فوق الأسطح أو من أسفل السرير أو من زاوية الحجرة ، لتتابع الحبيب وتشتعل و تقلب حياته رأسا على عقب ، تحاصره بجسدها الفاره المرمري وشعرها الهائم الذهبي.

شهنار تراود بطل الحكي و نار الغيرة تعصف بها ، خلال محاولاتها للنيل من الإنسي المحبوب  وتحقيق رغبات العشق المحموم ، تحاول وتراقب وتناور ، تنتظر أن ينسى ويخلف الوعد الذي قطعه مع ملك الجان ، يا ويله لو يتزوج اخرى غير زوجته ، أو ينسى قراءة التعويذة السحرية قبل خلوده إلى النوم ، فيصبح الوعد قابلا للنفاذ ويكون مصيره الحياة مع شهنار في ممالك الجن ، بعيدا عن أهله و أحبابه على الأرض.
عالم المعشوق “سعد” مفعم بالقلق و الفزع رغم المشاريع و التحقق المادي و الثراء الحياتي الذي اخترق باريس والشانزليزيه ولندن.

إنه العشق المدمر حين تتخلص شهنار من الزوجة الثانية لتحقق مآربها و حلمها الذي انتظرته  طويلا بانكسار مع هذا الإنسي.
قضى الله أمرا بعد إصابة شهنار الهدف ، فتتشبع مشاعرها حد الملل مع  الإنسي المحبوب ، فتتنازل عنه ، تطلق سراحه ، ليمارس وجوده الآدمي و تستقر حياته مع “جميلة” أم أولاده و تبدأ رحلة استقرار بعدما توج الشعر الفضي رأسه ، ويظل التساؤل يرهق عقولنا في مساحات من فيض الدهشة.
هل يمكن أن يتزوج الجني إنسية ، هل تعشق الجنية إنسيا و تكفل له مساحة من السعادة؟!.

عالم الغيبيات مازال يبهرنا ، و ننسج منه كثيرا من الخيال الإبداعي ، عالم الجن و الملائكة والسحر يسيطر على حياتنا مهما نالت عقولنا من العلم والخبرات .. عالم الرواية كون يضج بالرهبة و الفضول والرغبة ، يطرق بقوة نوافذ وأبواب الخيال والواقع متدفقا بالأوجاع والموت أو جامحا مسربلا بالإبداع بوصف بالغ الدقة والروعة والجمال و علامات الاستفهام هكذا استغرقنا وقتا “تحت الأرض” مع المبدعة الفارقة فايزة شرف الدين.

اقرأ أيضا فى هذه السلسلة:

عبير أحمد تكتب: جنود على جبهة الإبداع (1) محمد فتحى المقداد

زر الذهاب إلى الأعلى