محمد أنور يكتب: حياة ثم موت ثم بعث
فتحت الأبحاث العلمية والكشوف الحديثة آفاقا جديدة من الوقائع والحقائق التي يمكن أن نقول في ضوئها ؛ إن وجود الروح – ككائن مستقل وبقائها بعد فناء الجسم – لم يعد قضية وجدانية ،بل أصبح حقيقة يمكن إثباتها بالدليل التجريبى.
بحث البروفيسور دوكاس في الجوانب النفسية والفلسفية من نظرية الحياة بعد الموت ،وعلى الرغم من أنه لا يؤمن بالحياة بعد الموت – كعقيدة دينية – إلا إنه يعترف بأن هناك شواهد تؤكد بقاء الحياة بعد الموت بعيدا عن كونه عقيدة دينية ويقول بعد ذكر تجارب البحوث الروحية: لقد قام رهط من أذكى علمائنا واكثرهم خبرة لمطالعة الشهادات المتعلقة بالمسألة ،وفحصها بنظرة نقد ثاقبة ،وقد توصلوا اخر الأمر إلى أن هناك شواهد كثيرة تجعل فكرة بقاء الروح نظرية معقولة ،و ممكنة الحدوث…
يقول الدكتور دوكاس؛ يتضح من هذا أن عقيدة بقاء الحياة بعد الموت التي يؤمن بها الكثيرون منا كعقيدة دينية،ليس من الممكن أن تكون واقعا فحسب ،بل لعلها وربما هى الوحيدة من عقائد الدين الكثيرة التي يمكن إثباتها بالدليل التجريبي.
يعتبر نكران البروفيسور دوكاس لقضية الحياة بعد الموت رغم اعترافه بها كحقيقة واقعة ،انما هو محاولة منه لإشباع أنانية نفسه ،فالحقيقة أنه ما دامت الحياة ستستأنف وجودها بعد الموت فلا مجال لقبول أى تفسير سوى ذلك التفسير الذي يقدمه الدين.
أثبتت البحوث الروحية أنها لا تثبت البقاء المحض للروح فحسب ،و إنما تثبت بقاء عين الشخصيات التي كنا على علم بوجودها قبل موتها فلو كانت الروح مظهرا من مظاهر الجسم لكان من الواجب أن تخضع هذه الروح لقوانين الزمان والمكان مثل خضوع الجسم لها.
تثبت التجربة قطعيا أن هذا غير صحيح بالنسبة للروح دون الجسم ،فأن الذى لا يؤمن قبوله هو أن الروح وجودا غير الجسم مختلف من نوعيته ،ومنفصل في وجوده ،ان علاقة الجسم بالروح تختلف تماما عن علاقة النغمة الموسيقية بآلتها، فإذا كانت الروح مظهرا من مظاهر الجسم فقط وجب أن تطرأ عليها التغيرات بمجرد حدوث التغيرات على الجسم ،تماما كما تتأثر ماكينة بأكملها بمجرد أن ينكسر أحد تروسها ،ولكن هذا لا يحدث فيما يتعلق بالروح ،فالروح إذن شىء آخر غير الجسم ،ولها وجودها المستقل.
وصف أحد العلماء الوجود الإنساني بشئ مستقل لا يتغير رغم خضوعه للتغيرات المستمرة ،ويقول أن الشخصية هي عدم التغيير في عالم التغيرات ، ولقد أصبح من المسلمات الآن أن الأفكار التي يختزنها اللاشعور تبقى فيه حتى نهاية الحياة.
ويقول فرويد أن قوانين المنطق ،بل أصول الأضداد أيضا لا تحول دون عمل اللاشعور ؛ وأن الامانى المتناقضة موجودة فيه جنبا إلى جنب دون أن تقضي واحدة منها على الأخرى ؛ ولا شئ في اللاشعور يشبه أن يكون رفضا لشئ من هذه المتناقضات.
يؤكد الفكر أن الإدراك والتعقل ليس من خواص المادة ،فالمادة ليست إلا شيئا دون حس ودون حياة ودون عقل ؛ إن المادة لا شأن لها بالافكار الدقيقة والعلوم والفنون ،بل هناك جوهر لطيف آخر هو المسؤول عن هذه المعجزات ،وذلك الجوهر هو الروح.