حسابات داعش من اضطرابات دير الزور والسويداء السورية
تقرير: أشرف التهامي
مازالت دير الزور والسويداء السورية تعيش قلاقل واضطرابات في مناطق تقع ضِمن نطاق انتشار ونشاط تنظيم الدولة “داعش” الإرهابي الأمني والعسكري، فى الوقت الذى تشهد فيه البلاد مستجدات ميدانية غير مسبوقة منذ سنوات ، جدت عليها أحداث دير الزور والسويداء منذ منتصف أغسطس 2023، وهو ما قد يؤثر على خريطة الفاعلين المحليين، بما فيهم تنظيم الدولة “داعش”.
الموقف في دير الزور.
تتركّز مواجهات دير الزور التي اندلعت بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) الانفصالية في ريف المحافظة الشرقي الذي يُسجَّل فيه عادة أعلى نشاط لخلايا لتنظيم داعش في مناطق شرق الفرات. كذلك تنشط خلاياه بين الفترة والأخرى في بادية السويداء التي تشهد مدنها وبلداتها احتجاجات غير مسبوقة ضد الدولة السورية، مما يجعل التنظيم بالقرب من ساحة الحدث والتأثير المتبادَل والتفاعل معه.
فيلاحظ أنّ خلايا داعش أوقفت بشكل شِبه كامل نشاطها العسكري والأمني في مناطق الاضطرابات مع استمرار استهدافها لقسد الانفصالية خارج تلك المناطق أي في الرقة والحسكة وغربي دير الزور.
فالتنظيم لم يُوسّع من استهدافه لقسد الانفصالية والمتعاونين معها في دير الزور خلال فترة المواجهات، كذلك لم يَقُم باتخاذ أي خُطوة أو إعلان موقف -رسمي-من العشائر العربية التي استمرت مشيختها بالتعامل مع التحالف الدولي والتعويل عليه لتحصيل أهدافها من الحراك. بعكس المتوقع.
ونظراً لخبرته في المنطقة التي تُعرف بتعقيد المشهد من ناحية التحالفات والمواقف، من الواضح أنّ داعش اختار الانتظار والمراقبة لمآل المواجهات بين الطرفين؛ بالتالي لم يُوجّه أي رسائل داعمة للعشائر أو تؤثّر سلباً على حراكها، رغم أنّ أنصار التنظيم الارهابي-المحليين-ناشدوا العشائر للتعاون معه واستغلال الظروف المواتية لإخراج قسد الانفصالية من دير الزور، إلا أنّ أنصاره -الخارجيين-كانوا أَمْيَل للشماتة بالعشائر ومصيرها الراهن.
الموقف في السويداء
وعلى الرغم من أنّ السويداء تتبع تنظيمياً في هيكلية التنظيم قاطع حوران، والذي يضمّ محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة. وخلايا التنظيم الارهابي ما تزال تنتشر في الريف الشرقي بالسويداء، وتنفّذ عمليات مستمرّة ضد قوات الجيش السوري والمتعاونين معه في درعا القريبة منها. إلا أنه لم يقم بتنفيذ أيّة عملية ضِمن الحدود الإدارية للمحافظة خلال فترة الاضطرابات، ولم يستثمر حالة عدم الاستقرار لتعزيز نشاطه فيها الذي تراجع إلى العدم منذ بداية عام 2023،
وغالباً ما يتعامل التنظيم في الجنوب السوري – قاطع حوران – مع احتجاجات السويداء على نحو مختلف عن الوضع في دير الزور – قاطع البركة؛ بسبب حالة من اللامركزية بين المنطقتين على مستوى القيادة ونشاط الخلايا الداعشية.
وموقف “داعش” الحيادي وسياسة النأي بالنفس عن الاضطرابات الجارية في سورية مرتبط بجملة من الحسابات؛ فاستهدافه السويداء لن يُحقق له الغاية السياسية التي يسعى اليها وهي الدعاية والدعم المحلي واستنزاف اطراف النزاع، لكنه غالباً لن يُفوّت فرصة توسيع نشاطه في بادية المحافظة إنْ أتاح التحالف الدولي (مشغله الأصيل ) له المجال كما كان يحدث سابقاً، خصوصاً أنه لا ليس لديه أي فرصة للتفاوض مستقبلاً مع مشيخة عقل الطائفة الدرزية.
وعلى خلاف ما سبق تأتى حالة دير الزور؛ حيث يساعد “داعش” موقف الحياد حالياً على التفاوض مع جهات من المجتمع المحلي فيها لتوسيع نشاطه سواءً بغرض استهداف قسد الانفصالية أم تجميع المعلومات أم تحسين الموارد.
كما أنّ تدخُّل “داعش” في دير الزور قد يُعرّضه للاستنزاف؛ كون الجيش السوري و حلفائه الروس و الايرانيون يراقبون الوضع الراهن عن كثب وبالتالي سيوجهون المجهود العسكري والأمني ضد خلاياه.
والنتيجة أن التنظيم لم يُغيّر من سياسته تجاه مختلف الجهات المتنازعة في دير الزور والسويداء، سواء من ناحية تصنيفه للعشائر أو استهدافه لقسد الانفصالية – بمختلف مكوناتها العرقية – أو استهدافه لقوات الجيش السوري والمتعاونين معه في الجنوب السوري.
وأخيرا فأن الظروف الميدانية والاضطرابات فرضت علي “داعش” خيار الانتظار، ومن الممكن الضغط لاحقاً على الجهات المتنازعة في الشرق السوري بما يحقق له بعض المصالح اللوجستية والماليّة.