د. هاني الجمل يكتب: سد النهضة والتعنت الأثيوبي
بيان
جولة جديدة من المفاوضات الوزارية بين مصر والسودان واثيوبيا حول سد النهضة تنتهي في أديس أبابا دون أي تقدم، الأمر الذي يثير من جديد العديد من الأسئلة حول مستقبلنا المائي وهل نملك بالفعل بدائل لإرغام الجانب الاثيوبي على احترام حقوق مصر المائية؟
ويأتي فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات متزامنة مع تصريحات قوية لوزير الخارجية سامح شكري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال إن إثيوبيا تمادت في ملء وتشغيل سد النهضة في خرق واضح للقوانين الدولية، وأن مصر تأتي على رأس قائمة الدول القاحلة، وتشهد انخفاضاً شديداً للفرد من المياه، مؤكداً رفض القاهرة لأي إجراءات أحادية في إدارة الموارد المائية العابرة للحدود. وبلغة أكثر وضوحاً قال سامح شكري” إن مصر تعتمد على نهر النيل بنسبة 98%، وليس هناك مجالٌ للاعتقاد الخاطئ بإمكانية فرض الأمر الواقع عندما يتصل الأمر بحياة ما يزيد على مائة مليون مصري.”
وفي تعقيبه على فشل المفاوضات الأخيرة في أديس أبابا قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري ” إن الجولة التفاوضية المنتهية لم تسفر عن تحقيق تقدم يُذكر، حيث شهدت توجهاً إثيوبياً للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة وكذا الترتيبات الفنية المتفق عليها دوليا التي من شأنها تلبية المصالح الإثيوبية اتصالاً بسد النهضة دون الإفتئات على حقوق ومصالح دولتي المصب”.
ولا شك أن التعنت الأثيوبي يلقي بظلال من الضبابية على مستقبل الأمن المائي للمصريين خاصة بعد الانتهاء من المليء الرابع للسد والمقدر بنحو 41 مليار متر مكعب من المياه، والتحذيرات من امكانية حدوث انهيار له بسبب زلزال بقوة 5 درجات حدث في إريتريا القريبة منه.
ففي تصريحات ” مخيفة ” للدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية والري بجامعة القاهرة، أكّد أن الكارثة المتوقعة ستكون مثيرة للرعب، مقدّراً حجمها ب 10 آلاف ضعف أكبر من تأثير السدود الليبية، وهذا التصاعد يُشكل تهديدًا خطيرًا لنحو 20 مليون سوداني يعيشون على ضفاف نهر النيل الأزرق. وتساءل شراقي عن الوضع إذا وصلت سعة سد النهضة إلى الحد الذي يستهدفونه والبالغ 74 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل ارتفاعًا كبيرًا دون إجراء دراسات دقيقة تدعم هذه الزيادة. وأكّد أنه لولا السد العالي لتوقفت الزراعة في الدلتا والصعيد هذا العام، موضحاً أنه أنقذ مصر من الجفاف في الثمانينيات، وأن السد اختير كأحد أهم 10 مشروعات في القرن العشرين.
ومن الواضح أن اثيوبيا ضربت طوال السنوات المنصرمة عرض الحائط بالمجتمع الدولي وباتفاق المبادئ الموقع عام 2015، ولم تعر أدنى انتباه إلى المطالبات بتقديم ضمانات حول صلاحية هذا السد من حيث البناء، والمنطقة الجغرافية المقام عليها، وما يمكن أن يجعل منه قنبلة مائية لا تبقي ولا تذر حال انهياره.
وبلغة أكثر وضوحاً نقول إن النوايا المبيّتة من قِبل إثيوبيا لمصر والسودان واضحة ولا تغيب عن أعين المصريين جميعاً، فالهدف الأبعد لأديس أبابا، التي تقف وراءها قوى إقليمية ودولية مقطوع بكراهيتها للعالم العربي، هو الوصول إلى مرحلة ” تسليع المياه”، ومن ثم بيعها إلى دولتي المصب.
خلاصة القول.. إذا كان ملء السد الإثيوبي في كل الأحوال وبهذه الأحادية يعد انتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية التي تحكم المشروعات المقامة على الأحواض المشتركة للأنهار الدولية، بما فيها نهر النيل، الذي تنظم استغلال موارده اتفاقيات ومواثيق تلزم إثيوبيا باحترام حقوق مصر والسودان المائية وتمنع الإضرار بها، فغن الأهم الآن هو كيف السبيل لتحقيق هذه المواثيق؟ وللحديث تكملة إن كان في العمر بقية.