أمل محمد أمين تكتب: ليس كمثله حتى مع الأطفال
بيان
على الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم ولد يتيم الأب والأم إلا أنه كان نموذج الحنان والرحمة يختلف عن مجتمعه والبيئة التي عاش فيها في كل شيء.
كان أكثر ما يميزه عن غيره إعطاءه الحنان والحب والرحمة لكل من حوله وخاصة الأطفال وهو شيء لم يعتد عليه الرجال في البادية.. والصحراء تحيط بهم قلما ما يقبلون أبنائهم بل يقتلون بناتهم خوفا من العار وجاء الرسول ليكون مثل الماء الذي أصاب أرض جافة فبث فيها الحياة من جديد..
وأخذ رسول الله على عاتقه تغيير عادات قومه الغليظة والجافة وأن يعلمهم اللين والرحمة بمن أضعف وأقل شأنا ومن أضعف من الأطفال؟!
وقد كان الظلم في المعاملة من الأمور السائدة في الوقت ولاحظ سيدنا محمد بعينه الآثار السلبية للتفرقة بين الذكر والأنثى ووصى علي المساواة في المعاملة بين الأبناء في كل شيء حتى في القبلة والحب وان كان أوصى بزيادة الحنان للفتاة وفي هذا حكاية يرويها أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخده وجاءت ابنة له فأجلسها بين يديه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ألا سويت بينهما. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء”.. انها قصة قصيرة إلا أنها تحمل قيم ومعاني إذا طبقت في المجتمع غيرت شكله تماما، فا لرسول صلى الله عليه وسلم يطلب ببساطة أن يغير الرجل من المشاعر داخل قلبه وأن يحب البنت مثل الولد وحبذا إذا اعطاها اكثر، وهي حقيقة أثبتها علم النفس بعد سنوات طويلة من الدراسة أن الفتاة تحتاج من حنان أبوها أكثر من الولد وأن هذا يجعلها قوية الشخصية ولا يسهل التأثير عليها أو التلاعب بها، لكنها نصيحة قالها النبي الأمي منذ آلاف السنين لأن علمه وحكمته كانت مستمدة من الله القرآن.
والمتتبع لسنة النبي والباحث فيها يرى كم أحب أولاده فقد بكى على إبراهيم والقاسم عندما ذهبت روحهما إلى بارئها ، وفتن الرسول بأحفاده إلى درجة أنه إذا صعد الحسن والحسين على ظهره لم يكن ينزلهما حتى ينتهي من لعبهما إلى درجة أن الصحابة كانوا يعتقدون أنه جاءه الوحي، لكن في الحقيقة أنه مستمتع بلعبه مع أحفاده.
يقول أنس بن مالك حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُمازح الأطفال ويُداعبهم؛ فقد كان حفيديه الحسن والحسين -رضي الله عنهما- يدخلان معه -أحياناً- إلى المسجد، ويقفزان على ظهره عند السجود، فيُطيل سجوده حتى ينهيا لعبهما؛ حتى يظنّ الصحابة أنّ قد أوُحي إليه أو أصابه أمر ما؛ فيجيبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد صلاته: كلُّ ذلكَ لم يكُنْ، ولكنَّ ابْني ارْتَحَلَني، فكرِهْتُ أنْ أُعْجِلَهُ حتَّى يَقضيَ حاجتَهُ.
وربما كان النبي محمد عليه أفضل الصلاة من القلائل الذين دعوا لابنائهم وقالوا لهم أحبك في هذا العصر لأن البيئة المحيطة التى عاشت فيها القبائل العربية كانت جافة وفقيرة ولا تحمل الكثير من المشاعر او الحنان بل القسوة والغلظة وكان هذا هو سر حب الناس لرسول الله لانه كان يحث على الرحمة والحنان بأفراد العائلة الصغير والكبير.
وقد يتبادر إلى الذهن أن رجل بقامة الرسول لا يملك من الوقت لكي يلعب مع أحفاده لكنه كان إنسان في خلقه آية قبل أن يكون قائدا ومعلما ويظهر هذا جليا في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع حفيديه، وحبه لهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع حفيديه الحسن والحسين رضي الله عنهما معاملة حسنة، ويظهر ذلك من خلال تقبيله لهما، ووضعهما في حجره، والالتزام بالذهاب إليهما، والاقتطاع من وقته لتحقيق ذلك، والدعاء لهما، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يديه، وفي حجره فقلت : يا رسول الله أتحبهما ؟ قال : وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما”.
ولم تكن هذه المعاملة قاصرة على الطفلين بل أيضا على حفيدته أُمامة بنت أبي العاص رضي الله عنها عندما توفيت والدتها زينب رضي الله عنها، فكان يأخذها معه في بعض الأحيان للصلاة، وإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، فعن أبي قتادة رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.
كان ومنها مداعبة الأطفال، والعطف عليهم، وملاطفتهم، وإدخال السرور على قلوبهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، قال: أحسبه، قال: كان فطيما، قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه، قال: “أبا عمير ما فعل النغير” قال: فكان يلعب به”. والنغير: “طائر يشبه العصفور وسمي نغيرا والجمع نغران” ، وهو: طائر كان يلعب به.
وكان يسمح للسيدة عائشة رضي الله عنها باستقبال صديقاتها واللعب معهم وتبادل الأحاديث
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على باب حجرتي، والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، أنظر إلى لعبهم” وفي هذا الحديث درس كبير في تربية الأطفال، وتشويقهم، والتودد إليهم بما يحبونه، والاستعانة بذلك لتشجيعهم على أداء واجباتهم الدينية والدنيوية؛ ليكبروا مدركين لحقوقهم وواجباتهم.
ولم تكن أفكار النبي عن الأطفال وأفعاله تحث على الرحمة بهم فقط بل تملي على الجميع واجب تقدير الأطفال واحترامهم ومنحهم حقوقهم، فالنبي صلى الله عليه كان يقدر الأطفال ويعاملهم معاملة حسنة، ويربيهم على الاحترام، ويعطيهم حقهم، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بِقَدَح، فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: “يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ”، قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدا يا رسول الله، فأعطاه إياه”. والغلام هو ابن عباس رضي الله عنهما..
ويمكن أن ترى في السيرة النبوية سلسلة متصلة لكيفية تنشئة الأطفال فهو يحذر صلى الله عليه وسلم من الكذب على الأطفال، فعن عبد الله بن عامر، أنه قال: دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم “وما أردت أن تعطيه” قالت: أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة”.
وهذا يؤصل لخلق الصدق في الطفل فإذا رأيت أهلك يصدقون القول ستكون النتيجة أن الطفل يكبر وهو لا يعرف للكذب طريقا.
وكما كان صلى الله عليه وسلم حريصا على إعطاء الأطفال الحب والحنان كانت له العديد من النصائح والتعليمات الضرورية لبذر المسؤولية في داخلهم وتربيتهم ووعظهم وتوجيههم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع”.
هذه بعض النماذج من معاملة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال التي تبين من خلالها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل الأطفال معاملة خاصة، ويوصي الإحسان إليهم، والشفقة عليهم، والرحمة بهم، والعدل بينهم في الهدايا والعطايا، والدعاء لهم بالخير والبركة، والتجاوز عن الكثير من أخطائهم.