أشرف التهامي يكتب: تشخيص النفوذ الروسي في سوريا بعد 8 سنوات من التدخُّل العسكري
بيان
8 سنوات مضت على تدخُّل روسيا العسكري في سورية. وتراجع أولوية سورية منذ سنتين في سياسة روسيا الخارجية بسبب الانشغال في الحرب الأوكرانية، مما انعكس على العديد من القضايا في سورية، والتي كانت روسيا تؤثر بشكل كبير عليها مثل:
1 -وقف إطلاق النار.
2 -العملية السياسية.
3 -العلاقة مع القُوى الخارجية.
4 -مسارات التطبيع مع الدولة السورية.
ولدعم حملتها العسكرية التي بدأت في 29 سبتمبر 2015 اعتمدت روسيا على العديد من الأُسُس الدعائية مثل:
1 -شرعية التدخُّل الذي جاء من حكومة سورية معترَف بها.
2 -مكافحة الإرهاب.
3 -استعراض واستخدام القوة المفرطة إن لزم الامرفي مكافحة الارهاب وما تحتويه من أسلحة متطوّرة.
فكان لروسيا العديد من الأهداف الاستراتيجية لتدخُّلها في سورية، وأبرزها:
1 -إعادة سيطرة الدولة السورية وسيادتها على كامل أراضي البلاد.
2 -إعادة رسم العلاقات الدبلوماسية في الشرق الأوسط.
وقد يبدو للبعض أن أهداف روسيا لا تسير على النحو الذي خطّطت له للأسباب الاتية:
1 -حيث اعترض مساعيَها منذ استعادة الجيش السوري لحلب الوجودُ الأجنبيُّ لكل من الولايات المتّحدة وتركيا، مما اضطرها إلى حصر مناطق الاشتباك وتوقيع مذكرة خفض التصعيد (2017) مع تركيا والولايات المتحدة، ورغم ما حققه هذا التكتيك من استعادة الدولة السورية السيطرة على مناطق جنوب سورية ووسطها وقضم أخرى شمال البلاد، لكنه توقّف عند حدّ بات فيه أي تقدُّم عسكري سيقود إلى الاصطدام مع القوات التركية شمالاً والقوات الأمريكية شرقاً.
2 -توقّفت عمليات القضم العسكري بعد توقيع مذكرة موسكو (2020) بين تركيا وروسيا، التي حاولت بعدها إحداث اختراق سياسي يؤدي لاستعادة سيادة الدولة السورية واستمرارها على كامل البلاد عَبْر الدبلوماسية.
3 -استكملت روسيا وركّزت جهودها لفكّ العزلة الدولية عن الدولة السورية.
4 -رعت روسيا ودعمت مسارَي التطبيع العربي والتركي مع الدولة السورية، وبرغم التقدُّم الكبير الذي تم تحقيقه في هذا الصدد خلال عام 2022 لكن سرعان ما بدأت العلاقات مع الدولة السورية عام 2023 تشهد تراجُعاً ملحوظاً ومؤثّراً، وبقيت -بالنتيجة-مناطق شرق البلاد وشمالها خارج سيطرته وتراجعت سيادتها على مناطق أخرى جنوباً.
في الواقع حاولت روسيا مراراً كسر الحواجز الميدانية في سورية، والتي صنعتها أمريكا وتركيا، فضلاً عن إيران، لكنّها أدركت عدم القدرة على ذلك؛ لأسباب تعود إلى:
1- عدم التوازُن العسكري مع تلك القوى.
2- ولإصرار كل من تلك القوى على الحفاظ على نفوذها في ظل غياب أي أُفُق لحل سياسي شامل للمسألة السورية.
لذلك تحاول روسيا حالياً الاستمرار في خفض الأعمال القتالية إلى الحدود الدنيا مع خصومها وشركائها في سورية، مع استمرار استثمار نفوذها السياسي المدعوم بقوتها العسكرية وتوظيفه لضمان تحقيق أهدافها الاستراتيجية، تباعاً ونتيجة التدخّل العسكري الشرعي في سورية تحكّمت روسيا بالشراكة مع الدولة السورية بالجوانب العملياتية المتعلقة باتخاذ القرارات الآتية:
1 – القرارات التي تقضي بشنّ معركة من عدمها وتأمين التغطية الجوية لها.
2 – الإمساك بالقرار العسكري للقوات سواء من ناحية التنظيم أم التدريب. ظهر ذلك بوضوح من خلال عدم الاعتماد على الوحدات العسكرية التقليدية خلال العمليات العسكرية شمال البلاد عام 2020، مقابل اللجوء للوحدات العسكرية التي أنشأتها روسيا وتقوم بتدريبها وتسليحها باستمرار مثل الفرقة 25 والفيلق الرابع والفيلق الخامس؛ حيث توكل قاعدة حميميم المهامّ لتلك الوحدات وتخطط لها وتشرف عليها.
وكشفت العمليات القتالية قبل دخول سورية في مرحلة الجمود العسكري عام 2020 عن تراجع استخدام التكنولوجيا العسكرية الروسيّة؛ حيث استطاعت تركيا كسر حالة احتكار السيطرة الجوية لروسيا والولايات المتحدة باستخدام الطائرات المسيّرة (بيرقدار) التي استطاعت تدمير أفضل الأسلحة والمنظومات الدفاعية الروسية، مثل منظومة بانتسير الدفاعية. كذلك لم يستطع سلاحها منع إسرائيل من تنفيذ هجماتها في سورية.
ما سبق عزز من قرار روسيا القاضي بزج قواتها الخاصة بشكل محدود، وعدم الزجّ بالقوات البرية لخوض معارك تقليدية في البلاد، والاكتفاء بالتغطية الجوية لقوات الجيش السوري والقوات الإيرانية.
بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022
1 – بطبيعة الحال، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022 تقلصت القوة العسكرية الروسية، بما فيها التكنولوجيا العسكرية، مما أثّر على استراتيجيتها التي رسمتها في منطقة الشرق الأوسط حول دورها في المنطقة.
2 -بدأ نفوذ روسيا العسكري في سورية يشهد تراجُعاً محدوداً لحساب إيران التي ملأت الفراغ الناجم عن استثمار روسيا لكوادرها العسكرية التي درّبتها في سورية ونقلتها إلى جبهات أوكرانيا.
التنسيق مع القوى الخارجية في سورية
لقد أدّى تركيز روسيا على الحرب في أوكرانيا إلى تراجُع الالتزام بآليات التنسيق مع القوى الخارجية في سورية، والتي صمّمتها منذ تدخُّلها عام 2015؛ حيث زادت وبشكل غير مسبوق حوادث الاختراق لبروتوكول منع التصادُم بين القوات الأمريكية والروسية، ولم تَعُدْ إسرائيل تلتزم كثيراً بآلية الخط الساخن، وتراجع الاهتمام بالدوريات المشتركة بين القوات الروسية والتركية شرق الفرات.
مع أنّ روسيا حافظت على ضرورة الشراكة في القرار العسكري للدولة السورية، لكنها بالمقابل خسرت قدرتها جزئياً ونسبياً على التأثير في قرارها السياسي لحساب إيران؛ كنتيجة لأولوية الصراع في أوكرانيا؛ حيث ظهر ذلك في مسارَي التطبيع العربي والتركي، اللذين تراجع فيهما دور الوساطة الروسية لحد ما، والذي من شأنه، فضلاً عن حسابات أخرى، من الممكن أن يدفع دولاً عديدة لإعادة النظر في جدوى إعادة العلاقات مع الدولة السورية وأهميتها.
ختاماً.
أخيراً يواجه النفوذ الروسي في سورية تراجُعاً مستمرا ليملأه القرار السوري السيادي.
فسابقاً أي قبل اندلاع الصراع في أوكرانيا، لم تتمكن روسيا في تحويل الإنجازات العسكرية والميدانية لحد ما إلى مكاسب اقتصادية وسياسية نتيجة موقف الدول الغربية.
وحالياً تؤول الأدوات السياسية أو الآليات التي صمّمتها روسيا بالشراكة مع الدولة السورية في سورية إلى القيادة السورية والجيش العربي السوري صاحب القرار السيادي في بسط نفوذه التام على كامل الجغرافيا السورية وتآكُل التواجد التركي والأمريكي شيئاً فشيئاً، وتبدأ حقبة جديدة من الشراكة الروسية السورية لإعادة الاعمار والبناء والنهوض في كافة المجالات خاصة بعدما منحت سوريا لروسيا فرصة التواجد بالمياه الدافئة والتحكم شيئاً ما في الملاحة أمام المياه الإقليمية التركية بالبحر المتوسط ومنحها فرصة مزاحمة الولايات المتحدة الامريكية بالمنطقة.