الفرق بين الحرب بالوكالة (حرب العصابات) وحرب الجيوش التقليدية
إعداد: أشرف التهامي
نادرًا ما اندلعت حرب في منطقة الشرق الأوسط بين جيوش تقليدية انتهت بانتصار أحدها على الآخر منذ عقود، فغالبية تلك هذه الحروب كانت تدور بين جهتين عسكريتين غير تقليديتين، أو جهة تصنّف على أنها جيش دولة، وأخرى يطلق عليها جماعة مسلحة، كتلك الحاصلة في غزة الفلسطينية اليوم.
وبحسب ما جاء في نص المادة الأولى من لائحة “لاهاي” لقوانين الحرب الموقعة عام 1899، فقد تختلف هذه الحروب من حيث موازين القوى والطبيعة الاستراتيجية، لكن القوانين التقليدية تفرض على أي جهة عسكرية يقودها شخص معين يلقي أوامر على مجموعة من الأفراد الآتى:
1- أن يحملوا شارة يمكن أن تميزهم عن بعد.
2- أن يكونوا مسلحين بشكل علني.
“حرب العصابات” والحرب بالوكالة
على مدار السنوات الماضية عُرفت أنواع عديدة من الجماعات المسلحة، أو الميليشيا كما يطلق عليها اصطلاحًا، وانتشرت في دول عديدة من الشرق الأوسط وآسيا، وحتى القارتين الأمريكيتين.
وأصبحت الحروب التي تنخرط بها جماعات مسلحة تقليدية يطلق عليها اسم “حرب العصابات” التي تتسم بعمليات كر وفر على نطاق صغير من قبل مقاتلين مسلحين بأسلحة خفيفة يستغلون عدة عوامل وهي:
1- الخداع.
2- المفاجأة.
3- القدرة على الاندماج في السكان المحليين والتضاريس.
ومع ضلوع دول عديدة بدعم جماعات مسلحة، لتقاتل عنها بالوكالة في مناطق جغرافية بعيدة أو قريبة منها، تجمعها معها المصالح السياسية، أو الاقتصادية، أو ربما الجغرافية، أو جميعها، انتشر ما يعرف بـ”حرب الوكالة”، وتطور هذا الشكل حتى أصبح يحمل جانبًا قانونيًا على غرار“فاغنر” الروسية، أو “بلاك ووتر” الأمريكية.
“حزب الله” مثالًا
في مجلة “الاستراتيجية العسكرية” كتب بريت فريدمان الضابط في قوات مشاة البحرية الأمريكية مقالًا، اتخذ فيه من “حزب الله” اللبناني مثالًا على حرب الجماعات، أو حرب العصابات.
طالع المزيد:
– 5 سيناريوهات تحدد مصير المجموعات المسلّحة الأجنبية في مناطق المعارضة السورية
ويرى فريدمان أن القوات المسلحة لهذا التنظيم استخدمت ضد القوات الإسرائيلية جنوبي لبنان عام 2006 تكتيكات حرب العصابات، وتحديدًا عمليات الاختطاف والهجمات الصاروخية.
وعندما رد الجيش الإسرائيلي، مفترضًا أن “حزب الله” لا يستطيع التعامل مع القوات التقليدية والهجمات المدرعة، كان مقاتلو “الحزب” مستعدين جيدًا في مواقع دفاعية قوية، ورفضوا التخلي عنها بدلًا من ذلك.
فعلى سبيل المثال يرى الكاتب أنه “المناورة واسعة النطاق” لا معنى لها في ساحة المعركة الحديثة ضد جهة فاعلة غيردولية، خلال ما يسمى حرب العصابات، إذ يمكن لأي جماعة مسلحة غير دولية أن تتجنبها ببساطة.
حرب العصابات من المنظور الأمريكي
وبحسب نتيجة دراسة نشرها موقع وزارة العدل الأمريكية حول حرب العصابات، فإنها تعتبر امتدادًا للسياسة، عن طريق الصراع المسلح، وهدفها هو الثورة. (رابط الدراسة كاملة من هنا)
https://worldcat.org/title/4769418714
خلصت الدراسة إلى أن حرب العصابات “سلاح طبيعي” يعمل على إفقار واستغلال الناس في جميع أنحاء العالم لتحقيق “الثورة”، وبالتالي تزايد الحركات المشابهة في إفريقيا وآسيا والدول العربية وأمريكا اللاتينية.
ووصفت الدراسة مقاتلي حرب العصابات على أنهم “حزبيون، سياسيون، مدنيون مسلحون، أسلحتهم الرئيسة هي علاقاتهم بالمجتمعات التي يقاتلون من أجلها”.
ويعتقد مؤلف الدراسة التي صدرت في سبعينيات القرن الماضي، أن قوة المقاتلين تتمثل في:
1- قدرتهم على الحركة.
2- المرونة.
3- مصادر القوى العاملة التي لا نهاية لها.
4- حقيقة أن الوقت يعمل لمصلحتهم.
مما تجعل من هذا النمط من الحروب يشبه “البرغوث في هزيمة الكلب الأقوى من خلال المثابرة”.
وتوضح تحليلات الصراعات في كوبا والصين وفيتنام وأيرلندا وأماكن أخرى المفاهيم والاستخدامات السياسية لـ”الإرهاب” في حرب العصابات، والدور الرئيس الذي تلعبه هو:
1- التضاريس.
2- استراتيجية حرب العصابات في المناطق الحضرية.
وبناء على تجارب إخفاقات لحركات حرب عصابات سابقة في اليونان والفلبين ومناطق أخرى، فإن قطع الاتصال الشعبي والدعم يمكن أن يقضي عليها.
ضمور الجيوش التقليدية
يعتقد الضابط الأمريكي بريت فريدمان أن هناك الكثير من القلق بشأن “ضمور الجيوش التقليدية” التي تشارك في حملات مكافحة التمرد.
وأشار إلى أن البعض يحذر من أن مثل هذه الجيوش سوف تفقد المهارات الأساسية اللازمة لهزيمة التهديدات التقليدية لأنها تركز على قتال العصابات، لكن التكتيكات الجديدة التي تعلمتها الجيوش التقليدية ضد المتمردين سوف تنتقل إلى ساحة المعركة ضد الجيوش المحترفة.
الفريق جون ليجون، قائد قوات مشاة البحرية الأمريكية بين عامي 1920 و1929 وأحد قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى، أرجع نجاح وحدات مشاة البحرية في أوروبا خلال تلك الحرب إلى المهارات التي تعلموها في قتال المتمردين في هاييتي وسانتو دومينغو في السنوات التي سبقت الحرب، بحسب ما أورده في مذكراته التي نشرها تخت عنوان “ذكريات أحد جنود البحرية”.
ويرى فريدمان أن الاعتقاد بأن مهارة الجيش في التكتيكات الجيدة ستضمر عندما ينخرط فعليًا في ممارسة التكتيكات الجيدة هو فكرة لا معنى لها، ويعتقد أن تفادي كمائن “طالبان” بالنسبة للجيش الأمريكي هو تدريب أفضل من المناورات المدرعة.
“استراتيجيات الاستنزاف أو الإبادة”
وبحسب ما نشره فريدمان في مجلة “الاستراتيجية العسكرية” تختلف الطرق لا الغايات بالنسبة للجماعات والجيوش التقليدية، إذ يرى أن التكتيكات التي يستخدمها الجنود والمتمردون هي في الأساس نفس الشيء، لكن الاختلاف الوحيد يكمن في الطرق التي يتم بها استخدام تلك التكتيكات.
وعلى سبيل المثال، عند استخدام التكتيكات في توظيف “استراتيجيات الاستنزاف أو الإبادة”، تتبع الجيوش التقليدية عادة استراتيجيات الإبادة بينما تتبع جيوش “حرب العصابات” استراتيجيات الاستنزاف أو الإرهاق، لكن الوسائل هي نفسها تقريبًا، فيما تختلف الطرق التي تحددها الغايات.
“خصخصة الحرب”
أشار الكاتب الأمريكي شون ماكفيت، في كتابه “المرتزقة والحرب: فهم الجيوش الخاصة اليوم”، إلى أن الشركات الأمنية الخاصة التي تحارب بالوكالة عن جهات حكومية صارت تشكل أيضًا تهديدًا ناشئًا في الحروب.
وذكر أن الحروب الجديدة باتت تشكلها الشركات الأمنية، وأطلق على هذه الحالة “خصخصة الحرب”، إذ يرى أن هذه الخصخصة تشوه الحرب “بطرق مروعة”.
يعتقد ماكفيت أن الحروب تحولت إلى سلعة، وصار منطق واستراتيجيات السوق تنطبق على الحرب، على شكل سوق مفتوحة، وهو تشبيه جيد لكيفية عمل الحروب الخاصة، بحسب الكاتب، ففي السوق، كل شيء معروض للبيع ويجب مقايضته، كل شيء مباح.
كما يعتقد أن “خصخصة الحرب” تغير الحرب بطرق خطيرة، على اعتبار أن الحرب الخاصة لها منطقها الفريد، مستدلًا بذلك على أن المحاربين الذين يسعون إلى الربح ليسوا ملزمين بالاعتبارات السياسية أو الوطنية، وهي إحدى نقاط البيع الرئيسة لديهم.
ويرى الكاتب أن المحاربين بالوكالة فاعلون في السوق، ومبدؤهم الرئيس ليس قوانين الحرب بل قوانين الاقتصاد، ولهذا الأمر آثار بعيدة المدى، ما يقدم إمكانيات استراتيجية جديدة معروفة للرؤساء التنفيذيين ولكنها غريبة على الجنرالات.
وينظر الكاتب إلى الجهات الفاعلة في الحروب الخاصة على أنها شركات أمنية تشبه “فاغنر” الروسية التي ظهرت في الشرق الأوسط وإفريقيا، أو “بلاك ووتر” التي ظهرت في العراق قبل نحو عقدين من الزمن.
رؤية مختلفة
وترى كثير من شعوب المنطقة وما يطلقون على أنفسهم أحرار العالم أن حزب الله يختلف لحد كبير عن تلك الأمثلة الثى ذكرها الكاتب الأمريكي شون ماكفيت، فحزب الله هو أقوى فصيل في لبنان بفضل مقاتليه المدججين بالسلاح الذين خاضوا عدة حروب مع إسرائيل.
وازدادت قوة حزب الله بعد المشاركة في الحرب في سوريا عام 2012 دعما للرئيس بشار الأسد. فحزب الله عبارة عن حركة سياسية رغم أنه جيش غير تقليدي لكنه يستمد الدعم من الطائفة الشيعية اللبنانية.
ويضيف الكاتب أن حزب الله أنقى وأكثر تمسّكاً بالمبادئ من الأحزاب الأخرى في لبنان التي توصَف بأنّها غير كفوءة وفاسدة وغادرة.
ويواصل علاوةً على ذلك، دعا حزب الله دائماً في برامجه الانتخابية إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي، وكانت ممارساته الإدارية الجيّدة التي تتناقض بوضوح مع الأساليب القائمة على الفساد والمحاباة التي تعتمدها النخبة التقليدية في لبنان، محطّ ثناء تستحقّه فعلاً.
وأنّه الحزب المحوري في البلاد ويتمتّع بنفوذ كبير في السياسة الداخلية والخارجية. ويستطيع أيضاً أن يرسّخ فكرة أنّه لا يمكن التشكيك ببعض من خياراته السياسية بما في ذلك المقاومة المستمرّة لإسرائيل.
…………………………………………………………………………………..
الرابط المباشر لمصدر التقرير: https://worldcat.org/title/4769418714