حكايات الانتحار والجنون.. تقرير الحالة النفسية للجيش الإسرائيلى

 

 

تقرير: أشرف التهامي

كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن مئات من جنود الاحتلال يعانون أزمات نفسية عقب عملية طوفان الأقصى.
وقالت الصحيفة إن لديها العديد من الوثائق عن جنود طلبوا الدعم النفسي من خارج الجيش، إثر تعرضهم لصدمات نفسية حادة، فأصبحوا يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة متمثلة في نوبات بكاء وكوابيس واكتئاب.
وبحسب الصحيفة فإن عددا من الخبراء الذين يتعاملون مع الصدمات حذروا من أن العديد من الجنود غير مهيّئين للعودة إلى الخدمة في غياب خطوات فعالة لتزويدهم بالدعم العاطفي.
ونقلت الصحيفة عن خبير في الصدمات أن الجيش لا يتخذ أي خطوات فعالة لمنع الصدمات، وينتظر أن يطلب الجنود المساعدة. وقد رفض الجيش هذه الانتقادات قائلًا إنه حشد مئات من ضباط الصحة النفسية في وحدات مختلفة.
في وقت مبكر من صباح يوم 7 أكتوبر، بدأ نظام الصحة العقلية التابع للجيش الإسرائيلي في تقديم الإجابات والدعم للجنود الذين مروا بأحداث صعبة، حتى أثناء المخاطرة بحياتهم في بعض الأحيان.

وحسب مصادر إسرائيلية ينتشر على طول ساحات القتال المئات من الأفراد العسكريين، النظاميين والاحتياطيين، الذين يعملون 24 ساعة في اليوم من أجل هدف واضح هو الحفاظ على أداء الجنود بكامل طاقتهم في الوقت الحاضر من أجل منع ما بعد الصدمة في المستقبل.

أشعل النار فى نفسه

في الثّاني عشر من أبريل 2021 أضرم جنديّ احتياط إسرائيليّ (26 عاماً) النّار في نفسه أمام قسم التأهيل التابع لوزارة الدفاع في بيتح تكفا؛ وبحسب الإعلام الإسرائيلى، فالجنديُّ يُدعى إسحق صعيديان، وكان قد وصل إلى قسم التأهيل يحملُ زجاجتين تحتويان على مادّة قابلة للاشتعال سكبها على نفسه، وأشعل النار.

وكان الجنديّ قد تعرّض لصدمة نفسيّة قويّة خلال مشاركته في الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة عام 2014، بعد عمليّة للمقاومة الفلسطينيّة في حيّ الشجاعيّة.

وذكر أصدقاء الجنديّ وكذلك رئيس اتّحاد ذوي الإعاقة الإسرائيليّ أنّ الجنديّ لم يكن يتلقّى حتّى اللحظة العلاج النفسيّ الذي يتناسب ووضعه الصحّيّ من قبل قسم التأهيل، إذ لم يتلقّ غير 25% من فوائد الإعاقة النّاتجة عن المشاركة في عملٍ عسكريّ.
وتبعت الحادثة تصريحاتٍ من وزير الدفاع آنذاك بيني جانتس، وكذلك رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو، إضافة إلى الرئيس الإسرائيلي؛ تَعِدُ بالتحقيق في الحيثيّات والظّروف التي دفعت بجنديّ الاحتياط السّابق إلى إحراق نفسه أمام وزارة الدفاع والذي كان قد تمّ تشخيصه باضطراب الكرب التالي للرضح.

متلازمة اضطّراب الكرب التّالي

بحسَب جمعيّة العلاج الأميركيّة النفسيّة، يتم تعريف اضطّراب الكرب التّالي للرضح (PTSD: Post-Traumatic Stress Disorder)، بأنه متلازمة نفسيّة تحدُثُ للأشخاص الذين يعيشون أو يشهَدون أحداثاً صادمة مثل الكوارث الطبيعيّة، أو الحوادث الخطرة، أو الأعمال الإرهابيّة، أو الانخراط في عملٍ عسكريّ، أو التعرّضُ للاغتصاب أو التهديد بالموت.

وأعراض المتلازمة تظهر على شكلِ استرجاعٍ قهريّ لذكرياتٍ صادمة للأحداث التي شُوهِدَت أو الأحداث التي ارتُكِبَت، أو على شكل كوابيس، أو نوبات قلق وذعر مُفاجئة.
بينما يُفسّر المركز الوطنيّ الإسرائيليّ للصدمة وضحايا الحرب والإرهاب (Natal)، اضطّراب الكرب التّالي للرضح، على أنّه “عند التعرّض لحدثٍ صادم، يملء النّظام النفسيّ/ العاطفيّ بمحفّزاتٍ أكثرَ ممّا يستطيعُ التّعامل معه، وتظلّ تلك المحفّزات في النّظام بشكلها الخام، غيرُ مُعالجة وأحياناً تعودُ وتشقُّ طريقها غصباً إلى الواقع في شكلها الأصليّ.

ونتيجة لعودتها يعيشُ الشّخصُ الأحداث الصّادمة في شكليها العاطفيّ والجسمانيّ مرّة أخرى كما لو أنّها تحدُثُ توا، كلّ الصّور، الرّوائح، الصّخب والذّكريات التي شكّلت جزءاً من التّجربة الصّادمة تعودُ لتطغى على وجود الشّخص الذي يشعرُ كما لو أنّه يتعرّضُ لاعتداءٍ مفاجئ.

وبما أنّ هذه التّجربة القهريّة غير المُسيطر عليها هي في حدّ ذاتها تُشكِّل تجربة صادمة، يلجأ الضّحايا إلى بذل كلّ جهدهم لتجنّب أيّ شيء يمكنهُ تذكيرهم بالأحداث الصّادمة، خالِقين بذلك دائرة مُغلقة من التجنّب والمُراوغة؛ وتلك الدّائرة هي صُلبِ ما يُدعى باضطّراب الكرب التّالي للرضح (PTSD)”.

طالع المزيد:

مشاهد حية من اشتباكات كتائب القسام ضد الجيش الإسرائيلى.. شاهد

وتحاول الأرقام الصّادرة عن قسم الصحّة النفسيّة في الجيش الإسرائيليّ، أن تغطى على الحقيقة، حيث تظهر أنّ نسبة الجنود الذين يطوّرون متلازمة اضطراب الكرب التّالي للرضح في الجيش الإسرائيليّ هي من بين أكثر النّسب انخفاضاً عالميّاً؛ فعلى الأقلّ هناك جنديّ واحد من بين 12 يُظهرُ أعراض المُتلازمة، فمثلاً، تمّ تشخيص 1.5% فقط من الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في الحرب الإسرائيلية على لُبنان العام 2006،  وقام 3% من الجنود الذين شاركوا في الحرب بطلب مساعدة نفسيّة لكنْ لم يتمّ تشخيصهم بالمتلازمة.

بروباجندا الجيش الذي لا يٌقهر.

وتظهر التقارير الصحفيّة ، إشكاليّات بُنيويّة خلفَ هذه الأرقام الرّسميّة التي يُصدرها الجيش الإسرائيليّ والتي تظهرُ على أنّها أقربُ لأن تكون جزءاً من بروباجندا “الجيش الذي لا يٌقهر”، نفسيّاً مثلما لا يقهر عسكريّاً.

وصرّح عدد من أصدقاء الجنديّ إسحق لقناة “كان” أنّ هناك العديد من حالات الانتحار والاكتئاب الشّديد بين الجنود الإسرائيليين الذين انتهوا من أداء خدمتهم العسكريّة؛ بعضهُم لم يتمّ الاعتراف بهم أصلاً كمرضى نتيجة لخدمتهم العسكريّة، وبعضهُم الآخر تمّ تشخصيهم بأنّهم كانوا يعانون من هذه المتلازمة قبل بدء خدمتهم العسكريّة مثل الجنديّ الذي أحرق نفسه.

حالة أخرى

وفى حالة أخرى، يقولُ أور إيلون (24 عاماً)، الجنديّ السابق في الجيش الإسرائيليّ، والذي تمّ تشخصي إصابته بالمتلازمة: ” أطلقتُ النّار على شخصٍ لأوّل مرة في حياتي قبل بلوغي 19 عاماً، وهناك من ماتوا بين ذراعيّ ، بعد ثلاث سنواتٍ على تسريحى من الخدمة العسكريّة قبل انتهائها ببضعة شهورٍ بسبب تدهور حالتى النفسيّة أثناء أداء الخدمة العسكريّة، “بدأت أصبحُ مجنوناً”.

وواصل إيلون: “كنت أحرق الأشياء، أضرب أمّي، أصحو وأنا أتبوّل في فراشي، أرى صوراً، أشمّ أشياء، أتذوّق أشياء، كان الأمر مرعباً”.

لكنّ إيلون لم يتمكّن من الحصول على اعترافٍ رسميّ من قبل وزارة الدفاع الإسرائيليّة بحالته الصحّية إلّا بعد ثلاث سنواتٍ، وتلك خطوة ضروريّة لتمكينه من الحصول على الرّعاية الصحّية المجّانية والملائمة لوضعه النفسيّ.

يؤكد إيلون: “إنّهم يريدونك أن تستسلم، يجعلونك تخوض الكثير من الأشياء في سبيل الحصول على ذلك الاعتراف”.

حالة ثالثة

غير إيلون، هناك بين جور (39 عاما) ً، والذي تطوّرت لديه المتلازمة، بعدما قتلَ رجلاً فلسطينياً وكان عليه الضّغطُ على الحكومة الإسرائيليّة وقسم الصحّة في وزارة الدفاع لسنواتٍ قبل حصوله على اعترافٍ رسميّ بوضعه النفسيّ.

يقول بن جور: “لقد شخّصني المعالج النفسيّ بالـمتلازمة، وأنا في الجيش، ولكنّ الأمر تطلّب ثماني سنوات لإثبات تلك الحالة الصحّية، وقد حاولوا الإفلات من مسؤوليّتهم، وكانوا يقولون لك: ماذا يعني أنّك قتلت شخصاً؟ هذا ما درّبناك لتفعله”.

 التخلّي عنهم

وفي تقرير أعدّته صحيفة “الجارديان” البريطانيّة، يتهم عدد من الجنود السّابقين في الجيش الإسرائيليّ الحكومة الإسرائيليّة بـ”التخلّي عنهم” بعد أدائهم واجبهم الوطنيّ”، تجاه إسرائيل.

أرقام إحصائيّة ومعالج نفسى

والأرقام الصّادرة عن الجيش الإسرائيليّ بخصوص مدى انتشار متلازمة الـ (PTSD)، هي أرقام إحصائيّة لا تعكِسُ واقع المرض النفسيّ في الجيش الإسرائيليّ.

إنّها (الأرقام)، جزء من مُقاومة آليّة متأصّلة داخل المؤسسة العسكريّة الإسرائيليّة الرّسميّة لنفيّ أيّ حقيقة أخرى غير الحقيقة الرّسميّة التي تقولُ إنّ الجيش الإسرائيليّ هو الجيشُ الذي لا يٌقهر، وإنّه في الوقت نفسه، هو جيش الشّعب الذي يُقاتل من أجل قضيّة واضحة وعادلة في الآن ذاته؛ حِماية الشّعب الإسرائيليّ.

وتلك الرّواية تتعارضُ مع سؤال المُعالج النفسيّ الإسرائيليّ داني بروم، مؤسّس منظّمة (Metiv)، وهي المركز الإسرائيليّ لعلاج الصّدمات النفسيّة؛ والذي يقول: “النّاس تخرجُ من الجيش وتقول إنّ الحكومة دفعت بِنا إلى الهاوية، ما الذي نُقاتل من أجله؟!”.

وبحسب تقرير صحيفة “الجارديان”؛ فإنّ أحد التفسيرات المعقولة لمنطق مقاومة الاعتراف من قبل المؤسسة العسكريّة الإسرائيليّة بحالات اضطّراب الكرب التالي للرضح، يعود إلى أنّ اعترافاً كهذا سيكونُ اعترافاً من قبل الجيش بخطأ بنيويّ في عقيدته الأمنيّة والعسكريّة. فالمُتلازمة، مُضافاً إليها أشكالٌ أخرى من الأمراض النفسيّة داخل الجيش الإسرائيليّ، ستكونُ الثّمن المُنفصل، الذي يتم دفعه نتيجة لـ 3 أسباب :
1- شنّ حروبٍ ثلاث خلال عقدٍ واحد فقط على قطاع غزّة.
2- نتيجة لاستمرار سياسة الاحتلال العسكريّ للمناطق الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة.
3- إضافةً إلى الاتّهامات التي وجّهت للجنود الإسرائيليين بإطلاق النّار بشكلٍ متعمّد على المدنيين المحتجّين على حدود قطاع غزّة أثناء مسيرات العودة.

ما سبق يفسر رفض المؤسسة العسكريّة للاعتراف بأنّ الوضع العسكريّ على الأرض التي خلقتهُ المؤسّسة نفسها، هو نفسهُ الوضع الذي يدفعُ فعلاً بالجنود الإسرائيليين إلى “الهاوية”، ويُفاقم من تدهور حالتهم الصحّيّة النفسيّة وصولاً إلى طرح السّؤال عمّا يفعلونه “هُنا”.

من الإنكار إلى التدخّل

تتعامل المؤسسة العسكريّة الإسرائيلية مع متلازمة اضطراب الكرب التالي للرضح ضمن منطقَين:
الأوّل: منطقُ الإنكار الذي حتّى في ظلّ وجود التصنيف الطبّي في حدّ ذاته، إلّا أنّ سلوك المؤسسة العسكرية يوحي بأنّها تفضّل عدم الاعتراف بتدهورٍ حقيقيّ على مستوى الصحّة النفسيّة في الجيش الإسرائيليّ.
فهي تنظُرُ إلى هذه الأعراض وحالات الاكتئاب بوصفها مجرّد إرهاق نفسيّ لا حالة صحّية جدّية تتطلّبُ تفسيراً وبحثاً فيما وراء الأسباب الظاهرة، بحثاً قد يصلُ حدّ بحث ومُساءلة العقيدة العسكريّة الأمنيّة في إسرائيل وهيمنتها على الدّولة والمجتمع في إسرائيل. فالافتراضُ الأساس عند المؤسسة هو إيمان الجنديّ بالعقيدة الصهيونيّة إيماناً مُطلقاً، وذلك يتنافى وإمكانية تطويره لأيّ شعورٍ بالصدمة جرّاء قتاله من أجل تلك العقيدة، وذلك يعني نفيُ وجود الصّدمة من الأساس والتعامل معها – إن تمّ الاعتراف بها- على أنّها نتيجة ظُروفٍ سابقة أو لاحقة على الخدمة العسكريّة، لا بسبب الخدمة العسكريّة نفسها.
المنطقُ الآخر: الذي تستخدمهُ المؤسسة العسكريّة للتعامل مع متلازمة الـ (PTSD)، هو منطقُ التدخّل العلاجيّ النفسيّ الوقائيّ السابق على العمل العسكريّ.

بحسب تقرير لصحيفة: “الجيروزاليم بوست The Jerusalem Post” الإسرائيلية، فالتقنية تعملُ على تحسين الأداء الذهنيّ للجنديّ من خلال رفع مستوى انتباهه للأخطار المُحتملة في البيئة التي يكون فيها؛ وذلك يعملُ على إعداده للفعل العسكريّ بالتّوازي مع تخفيض احتماليّة تطويره لمتلازمة (PTSD).

يقول البروفسور يائير بار حاييم الذي أعدّ الدّراسة بالاشتراك مع دكتور إيلان فالد، وخبراء من جيش الاحتلال الإسرائيلي: “قُمنا بمراقبة أعداد كبيرة من المُشاة في الجيش الإسرائيليّ ابتداء من تدريبهم الأساس وحتّى أدائهم على الأرض”، “واكتشفنا أنّ الجنود أنفسهم الذين كانوا يتجنّبون الانتباه إلى الأخطار المُحتملة هم أنفسهم الذين كانوا أكثر عُرضة لتطوير متلازمة PTSD لاحقاً”.

تطوير العلاج

يُقدّم للجنديّ المشارك في التّدريب موادّ محفّزة لفظيّة وصوريّة تشملُ التي توحي بالتّهديد وأخرى محايدة؛ ويُطلبُ منه تحديد الأهداف التي تظهرُ على الشِاشة بجانب هذه المحفّزات البصريّة واللفظيّة لمدّة عشر دقائق، أربع مرّات شهريّاً. وقد أجرِيت هذه الاختبارات على 800 جنديّ مشاة إسرائيليّ منذُ بداية العام 2012. وفي العام 2014، عندما بدأت الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة، شارك الجنود الذين خضعوا لهذه التجارب بجانب جنود آخرين لم يخضعوا لها في الحرب التي استمرّت أكثر من 50 يوما على قطاع غزّة. وبعد أربعة أشهر، أعاد البروفسور بار حاييم وزملاؤه اختبار الجنود الذين شاركوا ولم يُشاركوا في تجربتهم، وتبيّن أنّ 2.6% من أولئك الذين خاضوا التّجربة المُحوسبة طوّروا متلازمة PTSD، بالمقارنة مع 7.8% من أولئك الذين لم يشاركوا في التجربة. وتعليقاً على نتائج التّجربة، يقول بار حاييم: “إنّه من النّادر تطوير علاج الإدراك السلوكيّ ليُصبح أداة تدخّل وقائيّة فعالة”، و”هي أخبار رائعة أن نكون قادرين على تحسين القوّة الذهنيّة للجنديّ الإسرائيليّ وتجنّب خطر متلازمة الـ PTSD، وذلك يضَعُ الجيش الإسرائيليّ في مقدّمة حقل العلاج الوقائي على مستوى عالميّ”
تعملُ تجربة بار حاييم إذاً على رفع قُدرة الجنديّ الإسرائيليّ على الأداء العسكريّ ذهنياً وجسمانياً بالتّوازي مع تقليل احتماليّة تعرّضه لأيّ صدمة نفسيّة لاحقاً؛ على افتراض أنّ الصّدمة النفسيّة هي نتيجة نقص في الانتباه لدى الجنديّ سابق على الفعل العسكريّ في حدّ ذاته؛ أي، تحويل نُقطة النّظر من النّظر في أخلاقيّة الفعل العسكريّ في حدّ ذاته والعواقب النفسيّة المترتّبة على جرائم الحرب الإسرائيليّة في قطاع غزّة والضفّة الغربيّة، إلى النّظر في ميكانيكيات عمل العقل الإنسانيّ والعمل على التّلاعب فيه وتدريبه ليكون آلة قتل أكثر فعاليّة وإنساناً أقلّ أخلاقيّة، وبالتّالي أقلّ عرضة للصدمة النفسيّة

 بعد طوفان الاقصى!

كشفت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي في، 27/10/223 ، عن زيادة حادة في عدد الجنود، الذين طلبوا المساعدة النفسية في أعقاب عملية 7 أكتوبر، وجاءت معظم الطلبات من الجنود الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، في الوحدات المختلفة من فرقة غزة والقيادة الجنوبية التي تعرضت للعملية المفاجئة، ومن وحدات أخرى حيث يوجد جنود تم أسر أو قتل أفراد من عائلاتهم.
وفى إجراء أولي، تم تسريح الجنود من الخدمة من مختلف التشكيلات الذين عانوا من الصدمة إلى منازلهم، وبعد ذلك جرت محادثات هاتفية واجتماعات مع القادة بشأن العودة إلى الخدمة.
وطُلب من الجنود مشاركة مشاعرهم، وبعد الفحص الأولي والمحادثات مع المستشارين التنظيميين والمسؤولين النفسيين، تقرر تصنيف أولئك الذين يعانون من اضطرابات نفسية كبيرة، ومن ثم الإحالة إلى تلقي رعاية من قسم الصحة العقلية.
ويقول الجنود وأولياء الأمور، إن هناك عبئًا كبيرًا جدًا على نظام الصحة العقلية التابع للهيئة الطبية، بسبب الزيادة الحادة في طلبات المساعدة.
وقال أحد الجنود الذين كانوا في إحدى المواقع العسكرية التي تعرضت للعملية، إن شاهد إصابة و قتل الجنود والقادة من الوحدة، وأضاف: “لقد نجوت بمعجزة، لا أستطيع النوم، كل الصور لا تستطيع الخروج من رأسي، أشعر بالحاجة المستمرة إلى التحدث  لإخراجها مني، لن أعود إلى هناك، الأصدقاء لا يريدون التحدث عن الأمر، والقادة أنفسهم مصدومون من الوضع. في البداية أجروا محادثات معنا، لا شيء جدي”.
وفي وقت لاحق، تحدث الجندي عن الوضع الصعب في الطوابير قبل الدخول للرعاية النفسية، وأضاف “عندما يعطونك تحويلة، لا يوجد فقط هناك ازدحام والجميع ينتظرون في طابور طويل، بل يبدو أنهم لا يعرفون حقًا ما يجب عليهم فعله”.
وختم حديثه، بالقول: “بحثنا في إمكانية العودة إلى الوحدة، لكنني شخصيًا قلت لن أعود، فلا توجد فرصة”.
وقال أحد أهالي الجنود: “أنا على دراية بمجال ما بعد الصدمة، ومن الواضح أن هذا عدد كبير جدًا من الجنود الذين تعرضوا لنوع من الصدمات، والذين شاهدوا، وقاتلوا، وعانوا من كابوس، أو الذين تعرض أصدقائهم للأذى”.

زر الذهاب إلى الأعلى