ما بال نساء غزة وأطفالها؟!.. أحوالهم أهوال فى ظل مستبد لا يفرق بين أم و جنين
كتبت: رنا أحمد سالم
بينما كانوا يدفنون أمهم.. ويدثرونها بالتراب الذي ربما هو أرأف بحال بدنها الهالك من ذلك القصف الإسرائيلي الذى أودي بحياتها، اجتمعت أسرة المرأة المتوفاة، برجل يحمل جنين أنثى ذات ستة أشهر.. باحثاً لها على قبر صغير يحوى جسدها الذي لم ينعم بفرصته في الحياة قط.
الرجل الذى يحمل الجنين المتوفى هو شقيق المرأة التى خرج من أحشائها هذا الجنين الذى لم يكتمل نموه.. ولم تنعم صاحبته بنسمة هواء يلامس بدنها فلقد أجهضتها أمها فى مواجهة قصف إسرائيلي عنيف استهدف منزلها في رفح جنوب قطاع غزة، وأصابها بذعر شديد جفف الدماء في عروقها وأجهض جنينها لافظة إياه من رحمها لئلا تأتي إلى عالم به من الفزع ما لن يحتمله قلبها الصغير الذي لربما كان ليتوقف على أثر قصف طاغي من قبل أن يتثني له أن ينبض من الأساس.
الخال يبحث لجنين شقيقته المجهض عن قبر صغير، يدثره فإذا به يلتقى تلك الأسرة التى انبرى أفرادها يدعونه لدفن الجنين فى حضن أمهم مرددين: “في حضنها في حضنها.. حطها في حضنها.. هاي حنونة”
وشاء الله أن يدفن الجنين الأنثى.. في أحضان أم هي ليست بأمها، وقبل أن تلامسها أحضان الأم الحقيقية لها.. وعلى أي حال فذلك الحضن أرحم بالجنين من بطش ذلك القصف المستبد الذي لا يفرق بين أم وجنين.
دفن الجنين في أحضان الوالدة الهالكة، وهاهم الأهل والأحباب يغادرون مطمئنين لأجلهما، فهما بين يدي الرحمن الرحيم ، ولم يعد ثمة خوف عليهما بل الخوف كل الخوف لمن يعيش فوق الأرض وليس أسفل ترابها.
نساء عدة في قطاع غزة فقدن عائلاتهن .. أحبائهن .. أزواجهن .. منازلهن .. وفلذات أكبادهن.
وما بين نقص الماء و الزاد، وحتى وقود الطهى والغاز، لم يعد يتثني للأمهات أن تمنحن أبنائهن أقل حقوقهم في أمومتها بأن تطهي لهم طعاماً يشبع بطونهم.
وما بين نقص الأدوية، وغياب الصرف الصحي المناسب و الحمامات النظيفة التى تحد من انتشار الأمراض والأوبئة والمعدية .. تتقلب تلك النساء في إناء العدوان الطاغي فوق نار القصف المتأججة والتي تندلع في كل وقت وحين لتكرههم على النزوح من منازلهن وبينهن حوامل إلى ملاجئ يأملن أن يحصلن بها على أمان لا وجود له.
طالع المزيد:
– الأمم المتحدة: الأطفال والنساء أكثر ضحايا القصف الإسرائيلى على غزة
اسمها هداية تلك المرأة الحامل التى لجأت إلى قسم الولادة بمستشفي الشفاء قبل احتلال قوات العدوان له وإخلائه.. والتى كانت قد أكرهت على هجر منزلها بعد قصفه، ولجأت إلى مدرسة ليس بها من أدني مظاهر العيش الآدمي شئ.. الحمامات لم تكن نظيفة.. وصارت تفر من مدرسة إلى مدرسة بينما يطاردها وحش القصف الإسرائيلي الكافر .. حتى فاجئها مخاض ولادة طفلها في ظروف غير آدمية.
لم تكن هي وحدها من تعرضت لذلك بل والعديد من النساء الحوامل اللاتي اضطرت بعضهن للجؤ إلى عمليات ولادة قيصرية بدون تخدير مرغمات على أن يخضن كل لحظة ألم ، ونزع روح جديدة من أحشائهن بلا مخدر.. ولا مسكن، بلا رحمة.. ناهيك عن اللاتي كن يضعن مواليدهن في الشوارع وسط الأنقاض لتبدأ حيوات فلذات أكبادهن بينما تلفظ حيوات أخرى أنفاسها الأخيرة أسفل تلك الأنقاض.
وضعت نساء غزة مواليدهن في الملاجئ أو المخيمات التى لا يتوفر بها صرف صحي مناسب ما كان يؤدي إلى انتشار المرض و العدوى بل و لم تكن حتى تتوفر المياه لأجل تلكم النساء الحوامل فكانت منهن من تعاني من الجفاف ومن يضرب المرض كليتيها، أو تصيبها الإلتهابات، ونادراً ما كانت الواحدة منهن تحصل على الطعام الضرورى، ولذلك أنجبن رضعاً ضئيلي الجسد هزيلي الصحة، وحتى الكسوة لم تتوفر لهؤلاء المواليد الذين اتوا إلى الدنيا.
ومن جملة المآسى هناك حكاية تلك الطبيبة، غادة أبو عيدة التي فقدت إحدى أبنائها شهيداً، بينما أصيب أبنائها الآخرون فى القصف، وتسلمتهم الأم بنفسها فى دوامها في المستشفي الإندونيسي الذى تعمل به، شهيداً وجرحي.
الطبيبة أبت أن تبرح المستشفى الذى تعرض للقصف، بل وأصرت على أن تواظب علي عملها في إنقاذ الأرواح بيد أنها لم تستطع إنقاذ روح طفلها الذي كان قد وفد إلى المشفي قتيلاً شهيداً برفقة إخوته الجرحى، ولحظتها لم يعد قلبها المكلوم يعلم أينبض من أجل إنقاذ أبنائها الباقين أم يتوقف عن النبض ويرحل برفقة شهيدها وفلذة كبدها؟!!
لم تكن تلك الطبيبة .. تلك الأم .. هي الوحيدة التى فقدت فلذات أكبادها .. بل هناك أخريات كثر، منهن أماً فقدت إبنتها التى تزوجت حديثاً منذ شهرين .. وكانت حامل عندما فقدت حياتها على إثر غارة إسرائيلية على حي الشيخ رضوان على قطاع غزة.
وهناك أيضا تلك الأم التى فقدت أبنائها، وماتوا جياعاً على حد قولها، ونقتبس من كلامها بينما إنهارت كل دفاعاتها ولم يبقى سوى صرخة تخرج من صدرها فتتبارى ودوى قصف سلب روحها من روحها، وهى تردد: “بيكفي يا عالم .. بيكفي ظلم إحنا ناس غلابة .. يشهد عليا الله الولاد ماتوا بدون ما ياكلوا !! “.
أما تلك المرأة المسنة التى أبت أن تفر من منزلها إلى الملجأ، حيث تجد أماناً زائفاً في أرض لا تعرف الأمان .. فلقد عرض عليها أحد الشبان أن يساعدها فى الوصول إلى ملاذ آمن بعيداً عن منزلها ، لكنها أبت العرض، وقالت ” لا يما هي هنا داري.. وين اروح؟.. يما اديني قاعدة” ومكثت العجوز في منزلها إلى أن تم قصفه.. رحلت الحاجة – على حد قول الشباب الذين كانوا يرغبون في إنقاذها – برفقة جدران منزلها الذي رفضت أن تهجره وحيدة، وأصرت أن تظل وفية لها إلى أن يحيل أجلهما سوياً، وقد كان .
نساء عدة يعانين نقص أبسط أساسيات العيش في قطاع غزة.. نساء قد استحلن في غمضة عين إلى أرامل .. وأمهات للشهداء .. نساء مسنات بينما عمرهم الحقيقى يشير إلى أنهن فى ريعان الشباب.. نساء فقدن أرواحهن .. منازلهن .. أمانهن .. آدميتهن .. لكن لم يفقدن قط إيمانهن بالله.. وإيمانهن في غد عادل قد يأتي.. بلا قصف.. ولا دماء .. ولا أنقاض.. غد عادل قد يأتي.. بلا إسرائيل .