قصة عائلة فلسطينية فصلها جدار إسرائيل العنصرى.. إعادة قراءة ومشاهدة كاملة لفيلم “200 متر”
قبل الحرب كان الجدار
ولا يُسقط الفيلم في فخ التسطيح أو المباشرة، وبعد ربعه الأول، يتحوّل السرد فى الفيلم على غرار “أفلام الطريق” Road film. لنرى رحلة بطله “مصطفى”، الذي يجسّد الجيل الذى بلغ الأربعين من العمر، وعلاقته بالجيل الأصغر، وبالتأكيد فهم أفراده لفكرة “الأرض” و”القضية الفلسطينية”.
الرحلة الصعبة
وتمضى الأحداث التى يخوض فيها مصطفى الرحلة مع رفاق الطريق: “كفاح”، و”نادر”، الذي يساعده في عبور الأراضي المحتلة بشكل غير شرعي، بهدف الوصول لابنه؛ وكذلك “رامي”، وهو مراهق، يجسّد الجيل الأصغر، الذي كثيرا ما ينتهي قتيلا بسبب تهوّره؛ إضافة لـ”آني”، الفتاة الألمانية، الآتية من ثقافه أخرى.
وخلال الرحلة يقع “كفاح”، فى حب “آنى” وهي صانعه سينما، تريد توثيق مأساة الشعب الفلسطيني.
فيما يمكن اعتبار كل من “كفاح” و”نادر” بالذات، نموذجا لحالات إنسانية، لم تعد مهتمة بـ”القضية”، وتحاول التعايش مع الوضع القائم، بأقل قدر ممكن من الضرر، لكن ليس شرطا بعدم معاناتها، وألمها مثل سائر الفلسطنيين.
استطاع فيلم “200 متر” لمخرجه أمين نايف، فى رؤية مختلفة، أن يطرح إشكالية، يلخصها السؤال: هل يمكن أن يكون فيلما ناجحا جماهيريا ويحصد الجوائز، وفي الوقت نفسه يطرح قضايا سياسية حساسة؟
ويبدو أن هذا النهج قد نجح في تحقيق أهدافه، حيث حظي الفيلم بنجاح جماهيري ونقدي كبير، كما حصل على العديد من الجوائز في المهرجانات السينمائية العالمية.
ولكن، هل يمكن اعتبار هذا النجاح دليلا على أن السينما الفلسطينية المعاصرة قد نجحت في الوصول إلى هدف “أنسنة” القضية الفلسطينية، بمعنى إضفاء البعد الإنسانى على الصراع؟
الإجابة على السؤال تطرح سؤالا أخر، عن قدرة السينما على تقديم صورة واقعية للقضية الفلسطينية، دون أن تقع في فخ التعاطف المفرط أو التبسيط المخل؟
هذه هي بعض الأسئلة التي تستحق النقاش، خاصة في ظل الظروف السياسية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
تنوع فى الشخصيات والمواقف
وقبل أن نمضى لمناقشة الفيلم كعمل درامى، يمكننا القول إن فيلم “200 متر” بالفعل نجح في تقديم صورة واقعية للحياة الفلسطينية، دون أن يقع في فخ التعاطف المفرط أو التبسيط، حيث يتناول – دراميا – قصة عائلة فلسطينية عادية، تعيش في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
طالع المزيد:
– مهرجان الجونة السينمائي يعود في سرية تامة.. الناقد طارق الشناوي يكشف التفاصيل
ويظهر الفيلم كيف يؤثر الاحتلال على حياة هذه العائلة، ويتسبب في فصل أفرادها عن بعضهم البعض، ولكن، في الوقت نفسه، يحرص الفيلم على عدم تقديم صورة سوداء وبيضاء للقضية الفلسطينية، فهناك شخصيات في الفيلم تحاول التعايش مع الاحتلال، وهناك شخصيات أخرى ترفضه، وهناك شخصيات فلسطينية تعاني من مشكلات داخلية، مثل الصراع بين الأجيال أو الاغتراب.
وهذا التنوع في الشخصيات والمواقف يساهم في تقديم صورة واقعية وأكثر كثافة للقضية الفلسطينية.
فيلم “200 متر” يتميز بأسلوبه السينمائي الذي يعتمد على الإيقاع السريع والحوارات المكثفة، ولعل هذا الأسلوب قد ساهم في جذب انتباه المشاهد، وجعله يتفاعل مع أحداثه، ويكون من أسباب نجاح الفيلم جماهيريا، حيث استطاع أن يجذب شريحة واسعة من المشاهدين، من مختلف الأعمار والاهتمامات.
إشكالية أنسنة القضية
أما مسألة وصول الفيلم إلى هدف أنسنة” القضية الفلسطينية، فهناك من يرى من النقاد أن الفيلم حقق نجاحا كبيرا في هذا المجال، وهناك أيضا من يرى أنه لم يتجاوز الصورة النمطية للقضية الفلسطينية، ولعل هذا الجدل يرجع إلى اختلاف التعريفات حول مفهوم “الأنسنة”.
بعض النقاد يرون أن “الأنسنة” تعني تقديم صورة واقعية للقضية الفلسطينية، دون أن تقع في فخ التعاطف المفرط أو التبسيط، وبناء على هذا التعريف، يمكن القول إن فيلم “200 متر” قد نجح في تحقيق “الأنسنة” للقضية.
أما الرأى الآخر، فيرى أن الأنسنة تعني تقديم صورة أكثر إيجابية للقضية الفلسطينية، تركز على القوة والأمل، بدلا من التركيز على المعاناة والظلم، وبناء على هذا الرأى، يمكن القول إن فيلم “200 متر” لم يصل إلى الغاية “الأنسنة” للقضية، لأنه يركز على المعاناة والظلم.
في النهاية، الأمر متروك للمشاهد ليقرر ما إذا كان يعتقد أن فيلم “200 متر” قد نجح في تحقيق “الأنسنة” للقضية الفلسطينية أم لا.
ولكن، بغض النظر عن الرأي الذي سيتخذه المشاهد، فإن الفيلم يظل تجربة سينمائية مميزة، تستحق المشاهدة.
فيلم “200 متر” من تأليف وﺇﺧﺮاﺝ: أمين نايفة، وبطولة الممثلين علي سليمان، والألمانية آنا أونتربيرجر، ولنا زريق، وغسان عباس، ومعتز ملحيس، ودريد لداوي
شاهد 3 دقائق من الفيلم فى الفيديو التالى: