تصعيد عسكري تركي جديد بشرق سورية.. أسبابه والموقف الأمريكي منه
كتب: أشرف التهامي
منذ 23 ديسمبر 2023، بدأت تركيا حملة قصف جديدة ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد الانفصالية). وزادت بشكل واضح وتيرة حملات التصعيد العسكري الجوي التركي ضدّ مواقع حزب العُمال وقسد الانفصالية في سورية والعراق خلال الربع الأخير من عام 2023، وفضلاً عن عمليات الاستهداف المنفصلة والمتواصلة ضد قياديِّي وكوادر PKK الانفصالي، نفّذ سلاح الجو وجهاز الاستخبارات منذ بداية أكتوبر ما لا يقلّ عن 3 عمليات جوية واسعة.
رد انتقامي
ويبدو أنّ التصعيد العسكري الجديد يأتي كردّ على سلسلة من الهجمات التي نفّذها حزب العُمّال الانفصالي شمال العراق وفي تركيا، فحملة القصف الأخيرة مثلاً جاءت بعد هجومين لحزب العُمال الكردستاني الانفصالي على قاعدتين للجيش التركي في منطقتَيْ هاكورك والزاب شمال العراق أسفرا عن مقتل 12 جندياً. كما أن الحملة التي شنتها تركيا في أكتوبر كانت رداً على هجوم تبنّاه PKK الانفصالي استهدف إحدى المديريات التابعة لوزارة الداخلية التركية في العاصمة أنقرة.
كما أنّ التصعيد يأتي أيضاً كتعبير عن موقف تركيا من إصدار الإدارة الذاتية الانفصالية بتاريخ 13 ديسمبر، العقد الاجتماعي، كونه يثير مخاوف تركيا المتعلقة بإنشاء كيان كردي انفصالي على حدودها الجنوبية للأسباب التالية:
فهو يستخدم لأوّل مرة مصطلح إقليم لوصف مناطق سيطرة قسد الانفصالية.
ويُحدّد شكل الدولة ونظامها السياسي وطريقة إدارتها وكيفية حلّ الخلافات بين مؤسساتها وأجهزتها، وحقّ اتخاذ قرار الحرب والسلم، وإقامة العلاقات الدبلوماسية، وانتهاج السياسة النقدية المستقلة الخاصة بها. .
تريد تركيا -غالباً- من خلال التصعيد المستمر قطع الطريق على الدولة السورية وحلفائها من استخدام العَقْد الاجتماعي الذي أصدرته الإدارة الذاتية كأداة للضغط عليها؛ لا سيما مع تعثُّر مفاوضات المسار الرباعي.
إشارات التصعيد العسكري الجديد
يُشير التصعيد العسكري الجديد إلى وجود تغيُّر نوعيّ في استراتيجية تركيا لمواجهة تهديد حزب العُمال الانفصالي لأمنها القومي، وذلك بوضع كافة البِنى التحتية والفَوْقيّة ومنشآت الطاقة التابعة لحزب العُمال الانفصالي في سورية والعراق كأهداف لها.
ويُلاحظ ذلك في طبيعة الأهداف التي تمّ استهدافها؛ فجزء كبير منها كان عبارة عن منشآت لإنتاج النفط والغاز ونقلهما ومنشآت خدمية واقتصادية تابعة للإدارة الذاتية أو لحزب العمال وقسد الانفصاليين في سورية. وتُؤمِّن موارد مالية ضخمة ومستمرة لتمويل أنشطته في سورية والعراق وتركيا على حدّ سواء.
موقف الولايات المتحدة
في غضون ذلك يُلاحَظ أنّ الولايات المتحدة لم تتخذ موقفاً يُقيّد التصعيد التركي الجديد في سورية، ولم تتأثّر بالدعاية التي تُروِّج لها الإدارة الذاتية الانفصالية بأنّ القصف يطال منشآت خدمية في المنطقة بما يزيد من المعاناة الإنسانية والاقتصادية.
يُعتبر هذا الشكل من التصعيد مناسباً لكل من الولايات المتحدة وتركيا، للاسباب التالية:
من جانبٍ تحتاج واشنطن موافقة أنقرة على انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
كما أنّها ترغب بالضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي الانفصالي -الفرع السوري لحزب العُمال الكردستاني الانفصالي-من أجل العودة إلى الحوار الكردي – الكردي الذي انطلق بدعوة منها عام 2020.
كما تريد تركيا ضمان الحدّ الأدنى من تقويض قدرات PKK الانفصالي ومصادر تمويله ومنع مشروعه في تحويل مناطق سيطرة قسد الانفصالية في سورية إلى قاعدة عملياتية لعناصره وأنشطته من نقل وتدريب وتسليح واستشفاء أو تحويل هذه المناطق إلى مشروع استثماريّ لتأمين موارد مالية ثابتة لتمويل أنشطة الحزب؛ حيث تدرك تركيا -على ما يبدو- أنّ هذا الشكل من التصعيد يُشكّل بديلاً -مؤقتاً- عن عدم قدرتها على تنفيذ عملية عسكرية برية جديدة في سورية، إضافة لعدم نجاح عمليات استهداف كوادره وقياديِّيه في تفكيك منظومة سيطرته على مناطق شرق سورية أو تجفيف موارد تمويله هناك.
المحصِّلة
من الواضح استمرار تركيا في عملياتها العسكرية الجوية ضدّ حزب العُمال الانفصالي وجميع التنظيمات الانفصالية التابعة له في سورية والعراق مع تغيُّر نوعيّ في استراتيجيتها؛ بحيث لا تقتصر على استهداف الجزء الأمني والعسكري فقط، بل تتوسَّع لتستهدف المنظومة المتنامية للحزب الانفصالي بالكامل.
