أين وكيف كانت الضربات الإسرائيلية على سورية فى 2023.. وماذا استهدفت؟
سوريا: أشرف التهامي
زادت إسرائيل في عدد الضربات التى وجهتها إلى سورية الشقيقة في عام 2023؛ بالمقارنة مع عام 2022، حيث تم تسجيل 28 ضربة في عام 2021 ومثلها عام 2022 ، فى حين تم تسجيل 40 ضربة في عام 2023 المنقضى. وتنوعت الضربات عام 2023 ما بين:
1- القصف الجوي.
2- القصف البحري.
3- القصف البري.
وقد طالت بعض الضربات أكثر من محافظة في وقت واحد، لتطال بمجموعها 95 موقعاً وتدمر ما يقارب 297 هدفاً. وارتبطت هذه الزيادة مع اعتقاد الكيان الإسرائيلي توسيع إيران لأنشطتها الهادفة لتحويل سورية إلى قاعدة متقدّمة لعملياتها عبر الوكلاء ضد إسرائيل، التي تتعامل مع الأنشطة الإيرانية وتواجدها منذ عام 2013 على أنها تهديد أمني لها؛ لكنها دائماً ما يختلط عليها الامر بين الوقاية المطلوبة والتصعيد غير المرغوب”.
وبرغم وقوع كارثة الزلزال واندلاع حرب غزّة؛ إلا إن وتيرة الضربات الإسرائيلية زادت في سورية بعد الزلزال وطوفان الأقصى حيث ارتفعت من 6 إلى 11 ضربة مقارنة بذات الفترة الزمنية بين عامي 2022 و2023.
جاء ذلك في ظل استغلال إيران تلك الظروف؛ حيث زادت عدد مواقعها العسكرية فوصلت إلى 570 نقطة وقاعدة أكثرها جنوب البلاد.
ووسّعت إيران من عمليات إمداد قواتها بالأسلحة عبر الطرق الجوية فضلاً عن البرية، وبعد تزويدها قوات الجيش السوري بمنظومة خرداد 15 للدفاع الجوي، وأجرت مناورات عسكرية مشتركة مع قوات الجيش السوري تزامناً مع زيارة كبار مسؤوليها العسكريين إلى سورية مثل قائد القوات الجوية والدفاع الجوي صلاح الدين كاسر الغانم ووزير الدفاع وقائد الحرس الثوري إسماعيل قاآني.
وجاء ما سبق بالإضافة إلى الاعتراف الرسمي على لسان المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي “كيوتن خسروي” بوجود قواعد عسكرية لها في سورية، وأنّها أنشأت بطلب من الدولة السورية.
أولاً: طبيعة التدخُّل العسكري الإسرائيلي
تحرّكت إسرائيل عسكريّاً في سورية عام 2023 عبر أشكال مختلفة؛ حيث أن:
1- استمرّت إسرائيل بتنفيذ الضربات الجوية بوتيرة مرتفعة.
2- نفّذت العديد من التوغلات البرية داخل الأراضي السورية.
3- أحبطت وصدّت هجمات عديدة بالطائرات المسيّرة نفذتها القوات الإيرانية.
كما بقيت الضربات الجوية الأداة الرئيسية للتدخّل العسكري الإسرائيلي في سورية عام 2023، وذلك بالاعتماد على الطيران الحربي F16 والطيران المسير؛ حيث أمّن التفوّق الجوي قدرة على إيقاع الخسائر في صفوف القوت الإيرانية مادياً وبشرياً ورفع تكلفة البقاء عليها في ظل غياب الوجود العسكري البري للجيش الإسرائيلي في سورية.
علاقة طائرات F16 الإسرائيلية بمنظومة الدفاع الجوي خرداد 15 الايرانية
جاء اعتماد إسرائيل على طائرات F16 بشكل كبير مرتبط على ما يبدو بإعلان إيران تزويد قوات الجيش السوري بمنظومة الدفاع الجوي خرداد 15؛ أي أنّها أخذت هذه المزاعم على محمل الجد، وكثّفت من عمليات المراقبة الجوية لأنشطة القوات الإيرانية؛ حيث تؤمن طائرات F16 المزودة بمنظومة إلكترونية للدفاع قدرة عالية على:
1- تحديد الأهداف الميدانية في جميع الظروف الجوية.
2- الطيران على ارتفاعات منخفضة لتفادي الرادارات الأرضية.
3- مهاجمة الأهداف الأرضية باستخدام صواريخ جو – أرض أو القنابل.
4- فضلاً عن إلحاق التدمير الجزئي أو الكلي بالأهداف.
في المقابل فإن استخدام إسرائيل لطائرات F16 رغم ما تتمتع به من ميزات قتالية يدل على تراجع المخاطر والتهديدات المحتملة خلال تنفيذ الضربات الجوية، على خلاف ما تم تنفيذه عام 2022 بواسطة طائرات F35 على أهداف للقوات الإيرانية في ريف دمشق ومصياف.
استمرّت إسرائيل بالاعتماد على الطيران المسيّر في:
1- تنفيذ أعمال التجسس.
2- الاستطلاع.
3- مهاجمة أهداف القوات الإيرانية بأقل التكاليف.
4- ضرب الأهداف في العمق كما حصل مثلاً في قصف اللواء 92 وكتيبة تل خاروف في دير الزور حيث يتمركز في هذه المواقع الحرس الثوري وحزب الله.
التوغلات البرية الاسرائيلية داخل الأراضي السورية
من جانب آخر، نفذت وحدات الجيش الإسرائيلي خلال عام 2023 العديد من التوغلات البرية داخل الأراضي السورية، وقامت أحياناً بتغيير معالم الأرض بما يخدم تأثيرها على العمليات العسكرية، منها على سبيل المثال دخول الآليات العسكرية لمنطقة “مخيم الشحار” بريف القنيطرة الشمالي، وحفر خندق وحمايته بأسلاك شائكة داخل الأراضي السورية بعمق 200 متر تقريباً.
تندرج التوغلات البرية المحدودة ضمن الأعمال الوقائية والاستباقية التي تهدف إلى حرمان الميليشيات الإيرانية من استخدام هذه المواقع المتقدمة في أنشطتها وأعمالها العسكرية، أي منعها من إقامة بنية تحتية والاحتماء في المنطقة.
لم تُؤدِّ الضربات الجوية الإسرائيلية والتوغلات البرية المحدودة إلى تقويض أنشطة الفوات الإيرانية في سورية؛ التي لجأت إلى تنفيذ هجمات متكررة انطلاقاً من سورية ضد الأهداف الإسرائيلي في الجولان بالاعتماد على الطيران المسيّر والقذائف الصاروخية والمدفعية، ورغم أنّ إسرائيل تصدّت وأحبطت معظم تلك الهجمات لكن استمرارها أشار إلى استخدامها الوحدات العسكرية التابعة للجيش مثل مطار الضبعة في حمص واللواء 12 في درعا لتصنيع وتخزين الأسلحة لا سيما الطيران المسير من أجل استخدامها ضد إسرائيل.
ثانياً: طبيعة أهداف الضربات الإسرائيلية
توزعت الضربات العسكرية الإسرائيلية على أماكن انتشار المليشيات الإيرانية ونشاطها في المحافظات السورية، وكانت أكثر المواقع المستهدفة في دمشق وريفها ثم حلب ثم تليها القنيطرة والسويداء ودرعا وحمص وأخيراً طرطوس ودير الزور وحماة.
أهداف الضربات الجوية الإسرائيلية
اتّسمت الضربات الجوية الإسرائيلية في سورية عام 2023 بالأهداف المختلفة التي تراوحت بين:
1- استهداف قادة الفصائل الفلسطينية.
2- مستودعات الأسلحة.
3- مراكز التصنيع والتجميع.
4- طرق الإمداد والنقل البري والجوي التي تستخدمها القوات الإيرانية وغيرها.
ماذا استهدفت؟
• ركّزت الضربات الإسرائيلية عام 2023 على استهداف القوات الإيرانية ثم مصالح حزب الله؛ حيث قصفت على نحو متكرّر المجموعات الأمنية التابعة لحزب الله في سورية، وهي الوحدة الأمنية 133 ووحدة الجولان والوحدة 4400 والوحدة 108، والتي تنتشر جنوب البلاد في دمشق والقنيطرة، ويقع على كاهلها القيام بأعمال الرصد والتنصت ضد إسرائيل، وتنفيذ عمليات ضدها انطلاقاً من الداخل السوري في حال اندلاع مواجهات بين الطرفين وتجنيد أشخاص فلسطينيين سوريين لتنفيذ عمليات داخل إسرائيل، فضلاً عن نقل عناصر وتكنولوجيا إنتاج الطائرات المسيّرة التي يتم إنتاجها بعيداً عن لبنان، وتهريب الأسلحة والذخائر إلى مواقع الحزب في لبنان مباشرة من مستودعات التخزين الموجودة في سورية والتابعة للحرس الثوري الإيراني.
• استمرّت الضربات الإسرائيلية عام 2023 باستهداف المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية من قادة وتقنيين؛ حيث اغتالت أواخر كانون الأوّل/ ديسمبر “رضى موسوي” الذي يُعد قائداً مهماً في الوحدة 2250، والتي تمَّ تأسيسها بهدف تلقِّي المعدات والأسلحة والأفراد القادمين من إيران عبر سورية إلى لبنان. يُشير هذا النوع من الأهداف إلى سعي إسرائيل لتقويض الاتصال اللوجستي بين الحرس الثوري والقوات الإيرانية في سورية وحزب الله في لبنان.
• ركّزت الضربات الإسرائيلية عام 2023 على استهداف المطارات المدنية، وتحديداً مطاري حلب ودمشق الدوليين اللذين تم قصفهما 12 مرّة على الأقل، 5 منها لمطار حلب و7 لمطار دمشق. يُشير هذا النوع من الضربات إلى إعتقاد إسرائيل لاستخدام إيران بشكل مكثّف للمطارات المدنية بما تحتويه من عتاد لوجستي (خطوط الصيانة والمروحيات) في إنتاج وتطوير وتجميع الصواريخ ونشرها في سورية أو لبنان، فضلاً عن الاستفادة من المروحيات التي تستخدم في أغراض النقل والدعم اللوجستي (نقل الذخائر والمؤن للقوات) لأنّ قدرتها على التحليق على علو منخفض جداً يوفر لها نقل العتاد من المطار إلى أماكن انتشار الميليشيات بعيداً عن الرقابة الإسرائيلية والروسية في آن معاً.
من استهدفت من العسكريين والقادة؟
الضربات الإسرائيلية عام 2023 عادت لاستهداف قادة الفصائل الفلسطينية في سورية بخلاف السنوات الماضية التي كانت لا تتعرّض فيها لمصالح تلك الفصائل باستثناء محاولة اغتيال عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الفلسطيني أواخر عام 2019 “أكرم العجوري”، فقد اغتالت إسرائيل في مارس 2023 القيادي في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد “علي رمزي الأسود” في مكان إقامته بالعاصمة دمشق. يمكن أن يعزى ذلك إلى تقدير إسرائيل بوجود تعاون بين القوات الإيرانية والفصائل الفلسطينية، لا سيما مع المعلومات التي تحدث عن تشكيل الحرس الثوري غرفة عمليات مشتركة معها في سورية حتى قبل اندلاع عملية طوفان الأقصى.
لم تركّز الضربات الإسرائيلية عام 2023 على استهداف وحدات الجيش السوري، باستثناء بعض المواقع والمنشآت التي يستخدمها الحرس الثوري في تخزين وتصنيع ونقل الأسلحة وعمليات التدريب مثل:
اللواء 75 من الفرقة الأولى في جبل المانع في ريف دمشق.
واللواء 106 حرس جمهوري.
والفرقة الخامسة في تل الجموع.
ويُشير هذا النوع من الاستهداف إلى اعتقاد إسرائيل أنّ الجيش السوري لم يعد يُشكّل بقواته التقليدية أي تهديد عسكري علىها، و هي التي تستهدف الوحدات والمنشآت المستخدمة من قبل إيران.
خُلاصة الضربات الإسرائيلية في سورية عام 2023
تعكس الضربات الإسرائيلية في سورية عام 2023 إصرار تل أبيب على الاحتفاظ بفارق القوة مع إيران وقواتها في سورية، في ظل استمرار مساعي إيران لإيجاد قوة ردع وتوازن مع إسرائيل وخاصة في المنطقة الجنوبية من سورية.
يتوقع أن تستمر وتيرة الضربات الإسرائيلية خلال عام 2024 بالازدياد ضد القوات الإيرانية في سورية، وبما يشمل ضرب الأهداف النوعية والحد من نطاق الانتشار المهدد، أي باستمرار التركيز على ضرب المستشارين العسكريين من قادة وتقنيين وقطع خطوط الاتصال اللوجستي البرية والجوية.
بمعنى أنّ إسرائيل سوف تستمر بضرب المطارات المدنية والعسكرية وقد توسّع نطاق الاستهداف بحيث لا يقتصر على مطاري دمشق وحلب ويشمل مطارات أخرى مثل الضبعة إذا ما كانت تقديراتها تُشير إلى أنّ إيران بالتعاون مع الجيش السوري تعمل على تأهيل أو استخدام تلك المطارات لأعمال تخزين ونقل الأسلحة، وبالتالي ضرب وتدمير البنية التحتية والمنشآت أينما كانت في العمق السوري.
إلا إذا كان للجيش السوري وحلفائه موقفاً مغاير لما كان في الأعوام السابقة، أو ترجيح كفة محور المقاومة على الكيان الإسرائيلي فيما ستؤول إليه عملية طوفان الأقصى.
كما أن مواقف الفاعلين الدوليين عامل مساعد لإسرائيل في استمرار استراتيجيتها العسكرية وتطويرها في سورية؛ فروسيا رغم الحرب في أوكرانيا وغزة لكنها لم تُقدم على تعطيل آلية التنسيق العسكري الثنائية القائمة منذ عام 2015، ولم تبدِ أصلاً رفضاً للضربات العسكرية ضد المواقع الإيرانية. أما الولايات المتحدة فتبدو أكثر استعداداً لدعم إسرائيل في توجيه الضربات العسكرية ضد القوات الإيرانية في سورية لكن دون الانزلاق إلى مواجهة إقليمية.